بين أزقة حي مسيك الفقير، تعيش عائلة المخفي قسرياً “توفيق" في بيتٍ تشبعت جدرانه بالرطوبة، المكونة من الأم والزوجة والأخ وأطفاله الثلاثة في ظروفٍ صعبة.
يقاسون الحياة بعد غياب من كان يعولهم ويرعى احتياجاتهم، قبل أن تغيبه سجون مليشيا الحوثي منذ أكثر من أربع سنوات، تقول أم توفيق، لـ "الصحوة نت" اختطاف أبني كانت فاجعة لنا لا ننساها، تمر الأيام والسنوات والأعياد ولا فرحة نراها أو نشعر بها".
وإلى اليوم، لا معلومات موثوقة عن توفيق، سوى خبر عن وجوده مختطف بفرع الأمن القومي الخاضع لسيطرة المليشيا، وليس هناك ما يؤكد أنه لايزال على قيد الحياة.
بشفتين مرتجفتين، تقول ام توفيق " كل عام يمر العيد بلا طعم، بل يكون الحزن فيه أكثر من الأيام العادية، ولا تجف دموعي طوال اليوم، ولن أنسى أن الحوثيين بلا أي رحمة، قضوا على مستقبل عائلة كاملة، بما فيهم أم مريضة وأطفال صغار، وزجّوهم جميعاً في المجهول والضياع.
وتوفيق المطري، أستاذ شاب ولاعب كرة قدم محترف من مواليد عام 1984، كانت حياته هادئة وعرف عنه الاستقامة وحب تقديم المساعدة، إلا أن مليشيا الحوثي قررت عام 2020 تدمير حياته وحياة أسرته.
زوجة توفيق تصف حالهم بقولها "العيد بعيد عن عائلات المعتقلين والمخفيين قسراً، وما زالت اصواتنا تُقابل بالآذان المغلقة والقلوب المتحجرة، وكأنّ معاناتنا تأبى أن تنتهي".
لكنّ أمل العائلة الوحيد كما تقول الزوجة، "يبقى في خروج توفيق وعودته إلى حياته سالماً، بجانب أسرته وأولاده".
لا معنى للعيد
بيتٌ آخر يكسوه الحزن ومشاعر قاسية يعيشها سكانه، في ظل اختفاء ولدهم للشهر الثامن في معتقلات الموت الحوثية، فما إنْ تدخل المنزل حتى تدرك أن ظروفًا قاسية ومعاناة خانقه تلفه، وأن فرحة العيد أبعد ما تكون عن هذا البيت.
فثمة أُمٌ لم تنم طيلة ليلها وهي تردد اسم ابنها المخطوف " اسامة" "التي فُجعت بخبر اختطافه بمجرد خروجه من المسجد عقب صلاة الفجر في اغسطس من العام الماضي، ومع مرور الوقت تدهور وضع الأم الصحي حتى أصبحت شبه عاجزة عن الحركة، وفي حضنها يرتمي أشقاء اسامة الأربعة يقاسون أوجاعهم في غياب أخيهم الأكبر.
بينما يتفطر قلب والدتهم التي أنهكتها الفاجعة والعجز عن فعل أي شيء لإرجاع فلذة كبدها، تتحدث أم أسامة لـ "الصحوة نت" " لا أدري إذا يحدث لأبني شيء من يمكن أن يعلم؟ أنا عاجزة عن انقاذ أبني لا يعني لي العيد أي فرحة وابني في الزنزانة، لا أدرى هل هو حي أو ميت".
وتنتظر أم أسامة وأخوته الأربعة عودة أسامة تقول الأم بحرقة: "أريد أن أرى ولدي لمرة واحدة مهما كانت حالته، وإن كان قد مات فأريد أن أرى جثته".
جريمة الكرامة
أما عائلة " ابراهيم " المختفي منذ العام ،2022 فتصف أمه فرحة العيد بأنها " مأتم وحزن وألم" وتتحدث عن معاناة عائلته الطويلة منذُ لحظة اعتقال ابراهيم وحتى اليوم، قائلة " خُطف أبني من حضن عائلته بتهمة المطالبة بالكرامة والعيش الكريم.
وأضافت " هذه الاشياء في عهد الحوثي جرائم تستحق العقاب، وليس هناك أي أمل في خروجه على المدى القريب رغم مرور عامين على خطفه".
ونسألها عن أحلامها فتقول: "أن يخرج ولدي وأن تعيش عائلتي بسلام وأن أرى اليمن حرّة والسجون فارغة من المظلومين".
وتطالب أم إبراهيم، بالتحقيق في ملابسات اختطاف ابنها وتوضيح مصيره بعد سنوات من الاعتقال.
أمل رغم الأمل
"عيدي هو عودة أبي "، هكذا قال ابن المختطف عيسى، ليلة عيد الفطر المبارك، لموقع "الصحوة نت " وهي عبارة تعكس وجعاً لا ينتهي في قلب عائلة عيسى وأطفاله الصغار الذين ينتظرون حتى الآن عودة أبيهم المختفي منذ يناير 2021 عندما اخذه " الملثمون" حسب وصف ابنه أيهم، واختفوا به، كبر أيهم ثلاث سنوات ولم يعد يتذكر ملامح والده لكنه يتذكر بأن والده كانت عينيه زرقاء.
يقول أيهم:" أنا لن احتفل بالعيد ولن أفرح ولن أسمع الأغاني أو أكل حلوى العيد، سأبقى هنا حتى يرجع أبي ويراني وقد كبرت، وحينها سيشتري لي كلما اتمناه".
أما زوجته فتقول " على رغم الألم والحزن والخيبة، ما زلت تمسك بأمل أن يكون عيسى على قيد الحياة وسيعود لي ذات اليوم، وعندها سيكون عيدنا الحقيقي".
كان عيسى قد اختطف من الشارع بتاريخ 26 يناير 2021، عندما أتت قوات الحوثي ووضعوه في السيارة واختفوا عن الأنظار.
خيبة أمل
يؤكد المحامي والناشط الحقوقي شادي الاكحلي، أن" الكثير من الألم تحمله أصوات عائلات المختطفين في مناسبات العيد، وهي تحاول أن تتماسك وأن تبدو أقوى من القهر والبكاء".
مضيفاً أن أهالي المعتقلين تعاني" من حالات نفسية صعبة، نتيجة للصدمة التي يتعرّضون لها بعد كل خيبة أمل في خروج أبنائهم من السجون، وهوما يترك آثاراً عميقة على صحتهم النفسية وعلاقاتهم الاجتماعية، وليس في يدهم من حيلة سوى الرجاء، وإنشاء قروبات على فيسبوك تأخذ عناوين مثل "أهالي المعتقلين " و"رابطة أمهات المختطفين"، يتلقطون فيها أي خبر عن معاناة السجناء في زنازين الحوثي المرعبة وأحوال عائلاتهم الصعبة في ظل غياب أبنائهم".
ومنذٌ انقلابها على السلطة، ترتكب ميليشيات الحوثي الإرهابية يومياً جرائم وانتهاكات بحق الشعب اليمني، وتقوم بعمليات اعتقال وخطف للمدنيين بما فيهم النساء والأطفال.
حيث وثقت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات في أحد تقاريرها قيام ميليشيات الحوثي باعتقال واختطاف 16800 مدني منذ سبتمبر2014.