شكّل الانقلاب مليشيا الحوثي على الجمهورية في 21 سبتمبر 2014م مدخلاً مشؤوما لسلسلة متصلة من الجرائم والانتهاكات ارتكبتها المليشيات بحق اليمنيين، ولم تترك فئة اجتماعيةً ولا قطاعاً مهنياً إلا ومارست بحق منتسبيه انتهاكاتها الفظيعة.
ترتكب مليشيا الحوثي، كل تلك الجرائم، متكئة على خرافات باطلة، بأن لزعيمها وأسرته أحقية بالسلطة والثروة دون الناس، وبذلك تجعل قتل ونهب من يخالفها وتعذيبه مشروعا ومباحا، استنادا إلى تلك المزاعم الطائفية.
ولتحويل المزاعم المغلوطة إلى حقائق غير قابلة للطعن والتشكيك، استهدفت المليشيا الإرهابية العاملين في القطاع التعليمي والتربوي لإدراكها أهميته.
فحولت منتسبي قطاع التعليم إلى ساحة حرب ممنهجة، تمارس فيها أبشع أشكال الإجرام والإرهاب، مخلفة بذلك قائمة طويلة من الضحايا من المعلمين الذين يعتبرهم اليمنيون "ورثة الأنبياء".
ضحية كبيرة
آخر هذه الجرائم كانت وفاة صبري عبدالله الحكيمي، الاثنين الماضي، متأثرا بالتعذيب الوحشي الذي تعرض له في سجون الأمن والمخابرات التابعة للمليشيا الإرهابية، وذلك بعد ستة أشهر من الاختطاف والإخفاء القسري.
يعد الحكيمي أحد كبار المدربين التربويين على مستوى الجمهورية، وشغل سابقاً مدير الإدارة العامة للتدريب والتأهيل بوزارة التربية والتعليم، تدرب على يديه الكثير من التربويين في معظم المحافظات.
وقال مصدر مقرب من أسرة الحكيمي لـ"الصحوة نت" عقب استشهاده في سجون المليشيا، إن عناصر الجماعة أقدمت على اختطافه التربوي قبل أكثر من 6 أشهر دون أي تهمة.
وأضاف المصدر أن المليشيات منعت أسرة الحكيمي من زيارته، باستثناء زيارة يتيمة واحدة، لاحظ زائروه خلالها علامات التعذيب على الأجزاء الظاهرة من جسده (أطراف يديه وقدميه ورقبته) والإنهاك والتعب واضحا على ملامحه.
قائمة طويلة
أعادت وفاة الحكيمي في سجون المليشيا، للواجهة العديد من الجرائم المشابهة التي استهدفت معلمين وعاملين في المؤسسات التربوية.
بحسب تقرير سابق لنقابة المعلمين اليمنيين، فإن 1579 معلماً وإداريا في قطاع التعليم تعرضوا للقتل على أيدي مسلحي مليشيا الحوثي، من بينهم 81 مدير مدرسة، و1497 من المعلمين.
كما تعرض (2642) معلماً لإصابات مختلفة على أيدي مليشيا الحوثي، نتج عن بعضها إعاقات مستديمة.
وأضاف التقرير أن المليشيات أصدرت قرارات وأحكام بإعدام 10 معلمين من بينهم نقيب المعلمين بأمانة العاصمة، سعد النزيلي، وخالد النهاري مدير مدرسة، إضافة إلى 8 طلاب آخرين، وذلك بعد اختطافهم والزج بهم في معتقلاتها السرية منذ سنوات.
المعلم الحكيمي وقبله عشرات المعلمين الآخرين، قضوا عليهم في سجون المليشيا، إضافة إلى المئات ممن قضوا نحبهم بسبب الجوع والإرهاق والتشريد، بعد أن حرمتهم المليشيا من مرتباتهم، وأجبرتهم على البحث عن لقمة العيش في الأعمال الشاقة، ما يجعل قائمة الضحايا طويلة وغير منتهية في ظل استمرار مليشيا الحوثي في إدارة العديد من المحافظات اليمنية بالحديد والنار.
تشير وزارة حقوق الإنسان في الحكومة الشرعية إلى أنها رصدت أكثر من 350 جريمة قتل تحت التعذيب من إجمالي 1635 حالة تعرضت للتعذيب في معتقلات الحوثيين".
منظمات حقوقية متخصصة وثقت ارتكاب مليشيا الحوثي جريمة الإخفاء القسري بحق 2406 من المدنيين، وأن 32 مختطفاً تعرضوا للتصفية الجسدية، وتسجيل 79 حالة وفاة للمختطفين، من بينها 31 حالة وفاة بنوبات قلبية بسبب الإهمال الطبي، فيما انتحر آخرون للتخلص من قسوة وبشاعة التعذيب.
انتهاكات متنوعة
انتهاكات متنوعة مارستها مليشيا الحوثي بحق المعلمين منها التشرد، فبحسب تقارير حقوقية فإن أكثر من 20 ألف معلم، تشردوا إلى المحافظات المحررة، بعد تعرضهم للتهديدات والملاحقات.
كما قطعت مليشيا الحوثي رواتب 60% من إجمالي العاملين في القطاع التربوي والبالغ عددهم 290 ألف موظف وموظفة، ما دفعهم لترك التعليم والبحث عن مهن بديلة لتوفير الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم لأسرهم.
وتشير المعلومات إلى انتحار عدد من المعلمين، هروباً من جحيم الأوضاع المعيشية الصعبة التي جعلتهم عاجزين عن توفير الطعام لأسرهم.
تفخيخ العقول
تواصل المليشيا زرع أفكارها الطائفية وإفراغ النظام التعليمي من محتواه عبر تغيير المناهج التعليمية بما يوصل مشروعها الطائفي المقيت إلى عقول النشء والأجيال في مناطق سيطرتها.
كما حولت المليشيا المدارس، بعد إفراغها من رسالتها التنويرية إلى وسائل لنشر الكراهية في أوساط المجتمع اليمني، واستخدمتها كنقاط لاستقطاب وتجنيد الأطفال وسوقهم إلى محارق الموت، وتحويل بعض المدارس إلى ثكنات عسكرية، وتحويل بعضها إلى منشآت تجارية خاصة.
ماذا بعد..؟
كل يوم يمر من عمر الانقلاب الحوثي، وما يمارسه من فظائع بحق التعليم والمعلمين، فإن الآثار السلبية تزداد بشكل مرعب، وتنبئ عن مستقبل مجهول تقودنا إليه هذه المليشيا.
ويمكن مراجعة تقارير المنظمات الأممية التي تتحدث عن الملايين من أطفال اليمن خارج المدارس، محرومون من حقوقهم التعليمية، وتحذيرات الحكومة من خطورة الوضع مستقبلا، خاصة مع الحديث عن ملايين الأطفال خارج المقاعد الدراسية.
ولا يلوح في الأفق أي بصيص أمل، في تخلي الجماعة عن إرهابها وقتلها لحاضر اليمن ومحاولاتها تدمير مستقبل الوطن، مستغلة تراخي المجتمع الدولي والمنظمات الأممية لإطالة زمن الحرب بهدف إعادة اليمنيين إلى عصور التجهيل والتخلف والأمية التي كانت عليها البلاد في عهود الإمامة والرجعية والاستعمار البغيض.