من شهد الشهر فليتذكر ( 4)

من شهد الشهر فليتذكر ( 4)

غزوة بدر الكبرى معلم جهادي راسخ الأركان، و معلم تاريخي عابر للجغرافيا و الأزمان، و إرادة أثبتت جاهزيتها الحاضرة، و الاستعداد اليقظ لمختلف المتغيرات. 


   لم يخرج جمع بدر الكبرى مع الرسول صلى الله عليه وسلّم لمواجهة شاملة، و إنما خرج لتنفيذ عملية محدودة، و خاطفة، فإذا بهذا الجمع الصغير 313 رجلا، يعتقبون 70 بعيرا، و ليس معهم غير فرس واحد يجدون أنفسهم وجها لوجه مع جيش لَجِب عددا و عدة و إمكانات مادية.


   و لسنا هنا بصدد سرد واقعة غزوة بدر، لكن علينا أن نُكْبر تلك الجاهزية لفئة صغيرة تحولت مهامها في الحال،من عملية صغيرة خاطفة،إلى عملية ضاربة ماحقة.


   لقد غدت معركة بدر مدرسة عسكرية عبر التاريخ تُجَدَد في العطاء، و تتجدد مع الزمن بما توحي به من فنون،و عزم، و إرادة.


   و إذا كان الشيئ بالشيئ يذكر، فمعركة طوفان الأقصى بدأت بضربة سريعة و خاطفة و ضاربة،كشفت حقيقة ما كان يسمى الجيش الذي لا يقهر ، فإذا هو جيش متكئٌ على مِنْسأة أكلها الطوفان، و كونها عملية ضاربة؛ فلأنها كشفت مدى العجز المهول لقوى استخباراتية كبرى متعددة اللغات، إلا أنها اتكأت - هي الأخرى- على مِنسأة كسرها الطوفان. 


   من دروس بدر: قوة الإيمان و الإرادة، و الجاهزية و الإقدام، و لا يسمح المقام بالإطالة، و الغزوة في مراجعها معروفة لمن أراد أن يقرأ التاريخ ، و هو شهيد.


   تعالوا نتذكر، و نذكُِر؛ و الذكرى تنفع المؤمنين؛ بمعركة، وافق تاريخها يوم تاريخ غزوة بدر. إنه يوم فتح عمورية. و إن ما بين غزوة بدر الكبرى، و فتح عمورية 221 عاما، و يوم فتح عمورية كان يوافق يوم 17 من شهر رمضان 223هـ. أي نفس تاريخ يوم بدر، و هو ما حدى بالشاعر أبي تمام «حبيب بن أوس الطائي» أن يسجل هذا في ملحمته الشهيرة:  


      السيف أصدق أنباء من الكتب.. 


   و ما قاله أبو تمام في توافق التاريخ، و المناسبة،و هو يتغنى  بمعركة عمورية: 

        إن كان بين صروف الدهر من رحم

        موصــولة أو ذِمَـــــام غير مُنْقَضِب


        فبين أيـامـــــــك اللاتي نُصِرتِ بها

        و بين أيـــــام بـــــدر أقرب النسب


   ليست بهذه العجالة، أو السهولة كانت معركة عمورية، خاصة و الشقة بعيدة، و لم يكن النفير عرضا قريبا،و لا سفرا قاصدا، و ميدان المعركة في عقر دار العدو ! 


   و سبب المعركة سبقه سبب، و هي أسباب هيئها القدر، و هي أسباب يفوز فيها من كانت جاهزيته مستعدة، و إرادته عازمة، و حاضرة. 


   أما السبب الأول؛ فإن بابك الخُرّمي كرجل فارسي أظهر الإسلام في أذربيجان، و كانت ولاية إسلامية تتبع الخلافة العباسية. 

   بابك هذا، كان يعمل سرا على أن يُمَكِّنَ للمجوسية، و كان يبغض الإسلام و يكره العرب، باعتبارهم أنهم من أسقط إمبراطورية الفرس. فطغى، و بغى، و قاد تمردا، و أزهق أرواح  أكثر من عشرين ألف نفس !! 


   في الوقت ذاته كان يكاتب امبراطور الروم ثيوفيل، و يغريه بأن الظروف مهيئة لضرب الخلافة العباسية في أذربيجان القريبة منه. 


  معلوم في التاريخ أن العداء التاريخي بين الروم و الفرس كان شديدا و صراعا دائما ؛ لكن الجامع المؤلف بينهما هنا هو بغضهم للإسلام. ولذا لا ضير أبدا أن تتماهى الأهداف، و أن ينشأ التحالف بينهم على أقوى ما يكون،و ما أشبه بابك الخرمي اليوم ببابك الأمس، و ما أشبه ثيوفيل اليوم،بثيوفيل الأمس:

      و سوى الروم خلف ظهرك روم

      فعــلى أي جانبيـــــك تميــــــل

  


   ما أشبه الليلة بالبارحة ! فغزة صارت عنوانا بطوليا، و هناك من يختلق المبررات لأساطيل الروم،و هناك الصامت الذي لا يحير ..!! 


   لم يتحرك امبراطور الروم سريعا لدعوة بابك الخرمي، فيما كان هَمُّ الدولة العباسية يزداد حنقا مما يجري في إحدى ولاياتها، حتى أن الخليفة المأمون شدد وصيته لخلفه المعتصم أن يبادر للقضاء على الخرمية. 

   و فعلا استطاع الخليفة المعتصم بن هارون الرشيد أن يسحق الخرمية تماما.  و الغريب أن المعتصم جعل على رأس الجيش المتوجه إلى أذربيجان رجلا ، اسمه الأفشين، و تحْمِل نفسه من العداء للعرب و الإســــــــلام ما يحمله بابك الخرمي. و مما قاله الأفشين منتقدا لبابك الخرمي، ما معناه: أن بابك استعجل و أساء للمخطط، و كشف ما كانوا يعدون له من حركة أخرى في خراسان تتوازى مع ما في أذربيجان. 

   و هو ما جعل الخليفة المعتصم يوجه ضربته الثانية للأفشين،الذي كان هو الآخر يتربص بالدولة لصالح الفرس. 


   كان يوجد اختراق في أعلى قمة السلطة للدولة العباسية، لكن كان شطرها الأول يحظى بخلفاء أقوياء، ظلت فيه المجوسية، او اليهوديّة تعمل لأغراضها سرا، حتى إذا ما جاء عهد الخلفاء الضعفاء تمادى الاختراق إلى حد أن يصل إلى منصب الوزير الأول مؤيد الدين العلقمي الرافضي،الذي عمل بحقد لأن يمهد لتسليم  عاصمة الخلافة للتتار سنة 656 هـ. في نكبة لاتزال تدفع الأمة الثمن حتى اليوم، جراء التحالفات المستمرة بين أحفاد بابك و ثيوفيل، مع سذاجة التمكين لاختراق مفاصل هذا النظام أو ذاك. 


   لم يكن عدد الجيش الذي قاده المعتصم بنفسه، سوى 15 ألف مقاتل، فيما كان عدد الروم مائتي ألف، لأن المعركة في عقر دارهم. 

   لكن حين تتوفر قوة الإيمان،و  الإرادة و العزم و الجاهزية، يكون بإذن الله  نصر الله و الفتح. 

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى