بإصبعه النحيلة، يشير" حامد" الى مائدة الإفطار المكونة من طبقين فيهما القليل من الطعام، قائلا: "لم تكن هذه مائدتنا قبل سنوات، كانت مائدتنا عامرة بأنواع الطعام، لكن كما ترى لم يتبق لنا شيء للضيافة".
"حامد" استاذ في مدرسة حكومية انقطع راتبه منذ تسع سنوات كباقي موظفي الدولة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، ويعمل حاليا في بقالة بسيطة باع كل مدخراته في سبيل تأسيسها، وهو متزوج ولديه اربعة اولاد يعتمدون عليه في إعالتهم، وليس من مصدر دخل آخر تملكه هذه العائلة.
حافة الانهيار
"في رمضان يكون الهم أكثر عن باقي العام، فالشهر الكريم له متطلبات خاصة اعتاد عليها الأولاد في السابق ومما يقطع القلب أنني لا أستطيع توفيرها لهم، وأيضا العيد، أحيانا أتمنى أن أغمض عيني في الليل فلا أفتحها مرة ثانية من حياة البؤس التي أعيشها، والتي سببتها لنا هذه الأوضاع التعيسة".
وليس حامد، سوى موظف من بين مليون ونصف موظف في جهاز الدولة أودى بهم قطع الراتب إلى حافة الانهيار، ولا تبدو جماعة الحوثي مهتمة بهم أو بمصير من يعولون، فهم يعتقدون انهم بما يفعلونه في البحر الأحمر، قد ضمنوا ولاء الشعب للأبد واسكتوا الأفواه المعارضة والجائعة.
ويتكون منزل حامد من غرفتين في إحداهما ما يشبه الأثاث، وأما الأخرى فقد استخدمها كـ"مطبخ" ورغم دنو وقت المغرب إلا أن رائحة الطبخ تبدو غائبة عن المنزل، وكل ما على المائدة هي معلبات رخيصة الثمن، وعلى الجدران صورة كبيرة له ولأطفاله تذكره بأيام الرخاء و" الستر" كما يسميها، زمن ما قبل الانقلاب الحوثي الأسود.
وفي حديث خاص لـ "الصحوة نت" يقول حامد: "ليس لدي دخل آخر غير البقالة التي تحت المنزل وهي أيضا شبه فارغة حالها كحال البيت، ومع ذلك لا يكاد مسلحو الضرائب يتركونا في حالنا ويأتون في كل مناسبة لأخذ المال طوعاً أو كرهاً، وأنت تعرف ماذا يحدث لمن يرفض الدفع".
ازمات تلاحقنا
وبجانب منزل حامد، منزل موظف آخر في الجيش يدعى " عبدالكريم" يسكن أيضا بالإيجار، وحاله كحال حامد تمامًا وحال غالبية موظفي الدولة، ويتحدث عبدالكريم لموقع الصحوة نت عن "فرحة رمضان الغائبة قائلاً: "الجوع قتل روحانية رمضان التي كنا ننتظرها من عامٍ الى عام، باتت الأزمات تلاحقنا منذ غابت الدولة، وتسلط السفهاء على رقابنا وأرزاقنا.
وأضاف "حتى التجار وفاعلو الخير الذين كانوا يحاولون مساعدتنا في رمضان منعتهم عصابة الحوثي، من قبل لم نكن بحاجة التجار ولا الصدقات، فنحن موظفون ورواتبنا كانت تكفينا، لم أتوقع أن يأتي يومٌ نأكل أنا وأسرتي " الفاصوليا" كوجبة رئيسية نفطر عليها بعد صوم يوم كامل، أما الآن فإني أخشى أن يأتي يومٌ ولا أجد فيه حتى الفاصوليا".
أوضاع صعبة
الصحفي الاقتصادي وفيق صالح، قال إن " الوضع المعيشي لليمنيين في الوقت الراهن، صعب للغاية مع تلاحق الأزمات الاقتصادية، مثل تدهور قيمة العملة الوطنية، والانقسام النقدي والإجراءات الحوثية المدمرة بحق الاقتصاد الوطني، مثل نهب الرواتب والتضييق على القطاع الخاص، ومضاعفة الجبايات المالية على المواطنين، وإغلاق المنافذ الرئيسية بين المدن أمام الحركة التجارية، فضلاً عن ما تقوم به حالياً من ممارسات سترفع من تكلفة الشحن البحري، وارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية في السوق المحلية"
ويرجع الأسباب إلى "انعدام فرص العمل وتتوقف الرواتب على الموظفين للعام الثامن على التوالي، وتتراجع حركة التحويلات الخارجية".
وأضاف صالح في تصريح لـ " الصحوة نت " أن "هذا ما هو حاصل الآن في صنعاء وبقية المناطق التي تديرها مليشيا الحوثي، نتيجة الممارسات الحوثية المدمرة لحركة الاقتصاد". مضيفاً أن " الأسواق في مناطق الحوثيين تشهد كساد غير مسبوق نتيجة تراجع حركة البيع والشراء وضعف القدرة الشرائية للمواطنين.
لا يختلف الوضع المعيشي في مناطق الشرعية، فالوضع زاد صعوبة هذا العام تقول ذكرى نجيب، أن " الأوضاع الناس في هذا الوقت أصبح التعامل معها أكثر صعوبة، حيث أدى ارتفاع العملة إلى تدهور الحالة المعيشية لكثير من الأسر، وارتفاع سوء التغذية في المجتمع ".
ذكرى متطوعة في منظمة إنسانية، تقول " اصبحت المواد الغذائية أسعارها مرتفعة جدا فقد كان الكثير يعتمد على السلة الغذائية المقدمة من منظمة الغذاء العالمي؛ لكنها تتأخر وتتضاءل بشكل كبير، أيضاً تأخر الرواتب وهذا سبب لتدهور ميزانية الكثير من الأسر النازحة".
واضافت ذكرى، في تصريح لـ "الصحوة نت" رمضان هذا العام تجد الأسواق خالية بعكس العام الماضي يكون السوق مزدحم، حتى التمر كان هناك العديد من الجهات المختصة تدعمهم بالتمور، الآن لا تجد الناس تمور، وسعره مرتفع". وتضيف ذكرى من الأسباب ايضاً "التجمع الأسري أصبح صعب ومستحيل الكثير من النازحين اقاربهم بعيده بسبب الفقر والتدهور المعيشي لا يمكن الخروج أو الوصول أليهم
إيرادات هائلة
وبين حال المواطنين، وغلاء الأسعار، تصر جماعة الحوثي التي تجني سنوياً عبر ميناء الحديدة فقط 271.935 مليار ريال، بحسب تقرير لجنة الخبراء الأممية الأخير، على استخدام ورقة الرواتب لابتزاز الحكومة الشرعية والدول الإقليمية لتحقيق اغراضها، ويبلغ الاستحقاق الشهري لموظفي الدولة (25 مليار ريال) ما يعني قدرة ميناء الحديدة على تغطية رواتب الموظفين، في حال قررت الميليشيات ذلك.
يقول أحمد علي، وهو موظف يعيل أسرته المكونة من سبعة أفراد لـ" "كنت أنا وأسرتي نفضل الاستعداد لرمضان، بشراء جميع ما يلزم من مواد غذائية ولحوم وتوابل وغيرها".
وأضاف أنّ "هذه العادات انخفضت بسبب انقطاع صرف الرواتب لأكثر من ثمان سنوات، ناهيك عن ارتفاع الأسعار بشكل خيالي، وصرت لا أستطيع توفير وجبة الإفطار بسبب الفقر، فالظروف المعيشية باتت سيئة للغاية، ولا أستطيع تلبية احتياجات أطفالي كما أن الطلبات المعيشية ترتفع بشكل كبير، والحكومة في صنعاء تتلذذ بتعذيب الفقراء من أمثالنا انتقامًا لحروب صعدة الست، وقد سمعنا هذا الكلام بأنفسنا منهم حيث قالوا "إننا سنأكل أوراق الشجر كما أكلوها هم ".
رمضان للعام العاشر واليمنيون يعيشون دون أفق لحل ينهي الانقلاب، إضافة إلى استمرار تدهور العملة والارتفاع الحاد في الأسعار، وتسبب الانقلاب في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية في العالم، حيث يواجه 17.6 مليون شخص من أصل 35 مليون مواطن يمني انعدام الأمن الغذائي الحاد في العام الحالي 2024.