"كانت النساء والأطفال يصرخون للنجاة ويطلقون أنفاسهم الأخيرة تحت رُكام منزلهم، بينما كان عناصر ميلشيات الحوثيون يصرخون مبتهجين بجريمتهم بالموت لأمريكا وإسرائيل"، هذا ليس مشهداً درامياً، بل حقيقة شاهدها أبناء رداع وتداولها اليمنيون بمقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، لجريمة الحوثيين بمدينة رداع البيضاء.
لم تحتاج ميلشيات الحوثي وقتاً طويلاً، لتذكير اليمنيين بجريمتها الممتدة ضدهم منذ نحو عقد من الزمان، رغم محاولتها خلال الأشهر الماضية الدعاية المضخمة على حساب عدالة القضية الفلسطينية، فكانت الجريمة البشعة في رداع بمحافظة البيضاء (وسط اليمن).
ففي صباح الثلاثاء التاسع من رمضان، 19 مارس، كانت مدينة رداع على موعد مع جريمة مركبة لميلشيات الحوثي، حيث قامت بتفخيخ منزلين تابعين لأسر من "آل ناقوس"، و "آل الزيلعي"، وقتلت 14 فرداً غالبيتهم من النساء والأطفال.
تصاعد غضب اليمنيين ضد الجريمة وأعادوا مقارنة اللقطات بما يحدث في مدينة غزة من قبل الاحتلال الاسرائيلي، إنها تشبه ما حدث بمدينة رداع، حيث بيوت تفجر وتهدم على رؤوس ساكنيها، واصوات من تحت الركام تطلب من ينقذها.
تبرير ميلشيات الحوثي جريمتها بأنه "خطأ فردي" اعتراف بالجريمة وهروب من المحاسبة الشعبية ومحاولة تمييع القضية بأنه تصرف فردي، فيما هو نهج إمامي حوثي دأبت عليه الجماعة منذ بدء تمردها .
ماذا حدث في رداع؟
تبدأ القصة، بحسب مصادر محلية، بعد قيام أحد أبناء المنطقة ينتمي لـ " آل الزيلعي"، بقتل قياديا لمليشيا الحوثي، بنصب كمين لمسلحين حوثيين في مدينة رداع أسفر عن مقتل ثلاثة حوثيين بينهم شقيق مشرف للمليشيا برداع "أبو حسين الهرمان" وإصابة اثنين آخرين، رداً على مقتل شقيق "الزيلعي" الذي قتل بيد المشرف "الهرمان" العام الماضي بسبب ضريبة بيع القات.
عززت مليشيا الحوثي بقوة من صنعاء بأطقم ومدرعة لملاحقة الشاب في المنطقة، لكنهم لم يتمكنوا منه. فقامت المليشيات بتفخيخ وتفجير منزلين تابعين لـ "آل ناقوس"، و "آل الزيلعي" وسط مدينة رداع في انتهاك ينم عن حقد المليشيات وفجورها ضد اليمنيين.
أدى قوة تفجير المنزلين إلى تدمير منازل مجاورة على رؤوس ساكنيها، وقتلت 14 منهم في اللحظات الأولى تحت الأنقاض بينهم نساء وأطفال. حاول الأهالي انقاذ البقية من تحت الأنقاض، بعضهم لم يتمكنوا من اخراجهم.
تسببت الجريمة بموجة غضب بين الأهالي الذين خرجوا في مظاهرة ضد المسلحين "الحملة" وفرارهم من المنطقة، كانوا كما تقول المصادر بصدد تفجير منازل آخرين لـ" آل الزيلعي".
شهود عيان قالوا إنهم عاشوا لحظات رعب تشبه الحالة التي يعيشها أبناء غزة من الاجرام والظلم وتفجير المنازل على رؤوس ساكنيها.
جريمة بشعة
لاقت الجريمة البشعة إدانات واسعة في الأوساط السياسية والمجتمعية، وأعتبر الشيخ عبد الله الطيب البدري، - أحد مشايخ رداع -"بأن ما حدث "عيب اسود" وجريمة لا يمكن السكوت عنها ويجب تقديم مرتكبيها للعدالة".
واضاف في حديثه لـ "الصحوة نت أن رداع لن تكون ساحة لتصفية حسابات وتوجيه رسائل للمعارضين، محملا مليشيا الحوثي ما حدث من جريمة مروعة.
وقال: "نرفض الاستهانة بأرواح الاهالي وازهاق النفوس المعصومة مهما كان توجهها المذهبي او الحزبي "، وأبدى استغرابه ممن يزعمون مناصرة فلسطين ويهدمون منازل أبناء رداع على رؤوس ساكنيها.
حالة رفض للميلشيات
ولاقت جريمة الحوثيين احتجاجات عارمة ضد ميليشيات الحوثي في مدينة رداع، حيث قطع المحتجون الشوارع وأغلقوا عدد من المحلات، وواجهتهم الميليشيات بإطلاق النار أمس الثلاثاء، وتصاعد الغضب في الأوساط المجتمعية.
ووصف الناشط الحقوقي، ناصر الصانع، الوضع في رداع ب "المتوتر" بعد جريمة تفجير منازل وقتل عدد من أبناء رداع، وقال: "هناك حالة رفض غير مسبوقة في مدينة رداع ضد ميليشيا الحوثي".
ودعا الى "تسليط الضوء على ما حدث في رداع من جرائم لا تسقط بالتقادم" وقال: "هذه الجرائم تذكرنا بما يحدث من جرائم في قطاع غزة التي يدعي الحوثي انه يناصرها، وهذه المشاهد التي رأيناها في رداع لا يمكن ان نشاهدها الا في غزة على ايدي الصهاينة".
بدوره، قال الناشط الإعلامي، عبد الله العبدلي - من ابناء محافظة البيضاء - "إن ما حدث جريمة هزت كيان كل يمني وكل انسان تجري في عروقه دماء العروبة والانسانية، بعد مقتل نحو 15 مواطنا بمدينة رداع، في تفجير منازل وهدم 6 آخرين على رؤوس ساكنيها".
واضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "عاشت رداع اليوم يوما اسودا وساعات رعب لم تشهد مثلها لم نكن نشاهد مثل هذه الجرائم إلا في الأراضي المحتلة في فلسطين".
وأوضح العبدلي، أن من بين الضحايا اسرة، محمد سعد اليريمي، التي قتل معظمها وأصيب البقية، نتيجة هذا العمل المتوحش الجبان والغادر. وقال: "على من لايزال يؤمن بميلشيات الحوثي أن يراجعوا مواقفهم وينظرون جرائمهم بحق اليمنيين".
تفجير 130 منزلاً في البيضاء
مع تمدد الدعاية الحوثية في تحسين صورتها في استغلال القضية الفلسطينية خلال الأشهر الماضي، حاولت ميلشيات الحوثي اتخاذ إجراءات عقابية بحق من وصفتهم بأنهم قاموا بالجريمة "بخطأ فردي"، لكن مغالطة الميلشيات الآن يكشفها تأريخ الجماعة الاجرامي في تفجير منازل الخصوم منذ بداية حروبها ضد اليمنيين.
وكشفت الهيئة المدنية لضحايا تفجير المنازل (محلية مستقلة) عن تفجير ميلشيات الحوثي أكثر من 130 منزلا منذ سيطرتهم على محافظة البيضاء خلال السنوات الماضية. ولم تكن جريمة رداع أمس الثلاثاء الأولى وتأتي امتدادا لجرائم تفجير منازل اليمنيين في كثير من المحافظات.
وقالت الهيئة – في بيان لها - "إن هذه الجريمة، التي ارتكبت اليوم بحق أبناء مدينة رداع وفي شهر رمضان، لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة، والتي تعبر عن النفس الاجرامي لهذه الجماعة التي لا تراعي حرمة الأرواح، لا فضيلة الزمان".
ودعت الهيئة، المنظمات العاملة في مجال حقوق الإنسان لإدانة هذه الجريمة، وغيرها من جرائم تفجير المنازل، وما ينتج عنها من سقوط لضحايا أبرياء وتشريد لعوائل تخرج إلى العراء إن سلمت من الموت تحت الأنقاض بغير ذنب سوى معارضتها لفكر الجماعة.
وكان المركز الأمريكي للعدالة (ACJ) كشف في ديسمبر/ كانون اول الماضي، عن قيام الحوثيين خلال سنوات الانقلاب بتفجير 713 منزلا في 15 محافظة يمنية سقط خلال التفجيرات 51 ضحية، منهم 27 قتيلا، بينهم 11 طفلا وخمس نساء.
ووفق الرصد للمركز "تصدرت محافظة البيضاء تلك الجرائم وتليها تـعـز ثم الجـوف وصعدة وإب، ثم صنعاء وذمـار وحجـة وعمران واخيرا محافظة الحديدة، وبذلك تنفرد جماعة الحوثي بهذه الافعال الانتقامية التي لم تشهدها اليمن من قبل طوال تاريخها المعاصر".
نماذج من جرائم تفجير المنازل
في أغسطس 2015، فجرت ميليشيا الحوثي الإرهابية 3 منازل باستخدام الديناميت في وادي الحلق آل مشدل بمحافظة البيضاء، وجرى اشتباكات مع أهالي المنطقة.
في أكتوبر 2015، فجّرت الميليشيا منزلا آخر في قرية العيوف بمديرية البيضاء وتسويته بالأرض. في نفس الشهر فجرت مليشيا الحوثي منزل الشيخ، محمد بدير، مجلس شورى حزب الإصلاح في محافظة إب، ادى التفجير الى مقتل ابنه اسامة (12 عاما) وفخخت المليشيات جثته، إضافة إلى مقتل 5 أشخاص اخرين من افراد العائلة.
في يوليو 2016 اقدمت ميليشيا الحوثي على تفجير منزل الشيخ " احمد الحليلة" في مديرية "الحيمة الداخلية " محافظة صنعاء.