يمضي شهر رمضان، شهر الهدى و الفرقان يسارع الخُطا، فيما المؤمنون يضنون بهذا التسارع، و هم يتنعمون، و يُروون أشواقهم، و أرواحهم،و يتلذذون بما يحتسبونه من أجر صيام و قيام يؤدونهما إيمانا، و احتسابا رجاء مغفرة يدركونها، و رحمة ينالونها.
و مع انهماك الصائمين في أداء ما دُعوا له؛فإنهم لا ينقطعون عن واقعهم المعيش،والحرب المعلنة على الأمة و الذي اتخذت عواصمها من حرب الإبادة على غزة ستارا لعدوانها السافر،من خلال الكيان اللقيط.
لقد غدا أعداء الأمة يستخدمون أسلحة شتى؛ مادية من صنعهم، و بشرية من متسوليهم، حيث ذهب الأعداء يستدعون أساليب مكرهم القديم، و يُسخّرون عبيدهم و أدواتهم السابقة و اللاحقة؛ لتكون أحد أهم أسلحتهم و ثغراتهم التي ينفذون منها.
إن طوفان الأقصى زلزل استراتيجية مخطط تصفية القضية الفلسطينية، و أزاح بعيدا بَدْءَ ساعة صفر القضاء النهائي على الأمة. و عساها تستيقظ فتأخذ بقوةٍ الكتاب، و توظف شعوبها جهادا في كل ميادين المعرفة و التوعية و الاستعصاء.
و لأن التاريخ قد يكرر نفسه، كما يكرر الأعداء بعض أساليبهم و إنتاج مستخدَميهم، فإن علينا أن نتذكر هذا المكر، و يمدنا رمضان ببعض تلك الصور:
كان العالم الإسلامي المترامي الأطراف، تحكمه دولة واحدة، هي دولة الخلافة، و حينما صعدت الخلافة العباسية على أنقاض الخلافة الأموية، استطاع عبدالرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان،الذي يعرف باسم عبدالرحمن الداخل أن يستقل بالأندلس، غير أنه لم يطلق على نفسه لقب الخليفة، و لا أعلن في الأندلس خلافة.
و بقي الأمر في الأندلس على هذا الحال. كما هو في العالم الإسلامي،و فجأة ظهرت أداة من أدوات أعداء الأمة،و وسيلة من وسائل الفُرقة،و هم العبيديون في بلاد المغرب،و أطلقوا على المناطق التي سيطروا عليها: الخلافة الفاطمية، مدعين أنهم من سلالة فاطمة الزهراء، على الرغم من أن هناك من المؤرخين من يجزم أن أصلهم من اليهود. و ربما عزز هذا الرأي؛ ما كان يجاهر به أبو القاسم القائم ابن الخليفة العبيدي الأول: عبيد الله المهدي، و ولي عهده، حيث جاهر بسب الأنبياء، و يدعو أتباعه أن يلعنوا الغار و ما حوَى ..!!
يعتبر إعلان العبيديين، أو الفاطميين،كما سموا أنفسهم تزلفا للمسلمين،و أنهم من أبناء فاطمةالزهراء رضي الله عنها، و هو ادعاء يجد عند بعض الرعاع و السذج، تصديقا، و يجد مرتزقة تستجدي المال و لو على حساب المبدأ و الكرامة و العرض..!!
مَثَّل إعلان الفاطميين عن مسمى خلافة جنبا إلى جنب مع الخلافة العباسية أول انشقاق سياسي جذري عن دولة الخلافة الواحدة ..!! و عملا سياسيا مناوئا للخلافة العباسية. و كان ذلك سنة 297 من الهجرة.
هذا الأمر أزعج أمير الأندلس عبدالرحمن الناصر،الذي كان قد أعاد لبلاد الأندلس وحدتها،و قوتها؛بعد أن كانت قد بدأت تتصدع، و كان رافضا كل الرفض للفاطميين، و العبيديين.
و معروف أنه هو من بنى مدينة الزهراء بقرطبة،و التي تعتبر آية من آيات الآثار الإسلامية في الأندلس، و هي تُدِرُّ اليوم عشرات المليارات لمملكة إسبانيا، يفوق دخول دول نفطية .
المهم أن إعلان الفاطميين عن خلافة جديدة و استقرارها في مصر بعد إنزال الهزيمة بهم في بلاد المغرب، دفع هذا الإعلان بالأمير عبد الرحمن الناصر لأن يعلن عن خلافة في الأندلس في شهر رمضان من عام 316 هـ. و أن يُدعَى خليفة بعد أن كان أميرا. و كان الدافع لذلك تخوفه من التوسع الفاطمي.
و سقطت الخلافة الفاطمية عام 567 من الهجرة، على يد القائد صلاح الدين الأيوبي، الذي رأى تحالف الفاطميين مع الصليبيين ضد الأمة، و هو ما فعلته الدولة الصفوية في إيران التي تحالفت ضد الخلافة العثمانية التي كانت جيوشها تطرق أبواب أوروبا.
و عبر التاريخ لم ينس الغرب هذه اليد البيضاء لإيران، كما لم ينسَ أدواته القديمة، و بصرف النظر عن خلافات تظهر في بعض المواقف، لكن تبقى تحت السيطرة، مادامت أهدافهم الكبيرة محل اتفاق.
و لا نقف فيما نتذكره عند الماضي البعيد، و علينا أن نتذكر هذه الأيام حرب العاشر من رمضان 1393هـ. أو حرب اكتوبر، يوم عبر الجيش المصري قناة السويس بهتاف الله أكبر، و أخذ يزلزل خط بارليف الذي كان الكيان اللقيط يعده أسطورة عسكريّة، و يفاخر بأن أي محاولات لا يمكنها أن تؤثر فيه؛ فضلا عن أن تجتازه أو تخترقه، بل كان الكيان اللقيط يتحدى حتى لو اجتمعت أسلحة الهندسة العسكرية الروسية، و الأمريكية و المصرية؛ لارتدت عاجزة.
لكن عزيمة الجيش المصري و إرادته المؤمنة، انطلقت بشعار الله أكبر محطمة ذلك الحاجز الصناعي المائي على امتداد قناة السويس و الذي يتحول إلى قناة من نيران تلتهب على طول الحاجز الصناعي و الذي كان بعرض 200متر يُضخ فيه زيت يشتعل بحيث لا يستطيع أحد أن يعبره، و يقع خلفه ساتر ترابي بارتفاع 20 مترا، ناهيك عن أسلاك و تحصينات، و وخنادق مغطاة لا تؤثر فيها قصف الطيران،و تتصل ببعضها و فوق ذلك محمية بالألغام و المدافع و الدبابات... الخ.
و أما الجيش السوري فقد عبر من جهته مقتحما مرتفعات الجولان التي كانت تمثل عقبة كبرى له؛ لتحصيناتها الطبيعية، و ارتفاعها.
و جن جنون عواصم.غربية، كما جن جنونها في السابع من أكتوبر، و من طوفانالأقصى؛ و كعادتهم أنشأوا جسرا عسكريا جوا قبل البحر، حتى لقد ذكرت المصادر العسكرية أن الوقت بين وصول طائرة الشحن العسكري و التي تليها سنة 1973، لا تزيد عن خمس دقائق، بل إن مدرعات و دبابات جديدة كان يتم إنزالها مباشرة إلى مدينة العريش المصرية كي تصل سريعا ميدان المعركة.
و هذا التدخل الأجنبي السافر أثر في سير المعركة، و خاصة في التراجع عن مرتفعات الجولان.
لكن الدرس الأهم الذي سجلته معركة العاشر من رمضان كان في قدرة الجيش العربي على تنفيذ مهامه ببطولة و اقتدار يوم أن يمتلك الإرادة، و العقيدة القتالية.
إن أمتنا تستعصي باقتدار، يوم أن تأخذ الكتاب بقوة، و يوم أن تتلاحم الصفوف، و تتضافر وتتحد القمة و القاعدة على أساس من الحرية و العدالة، و الشورى.