قبل عام قتلت ميلشيات الحوثي بمدينة إب، الشاب حمدي عبد الرزاق الشهير بـ"المكحل" بعد اختطافه بأشهر، حينها شهدت شوارع المدينة مظاهرات عفوية حاشدة أطلقت شعارات رافضة للحوثيين، كانت أشبه بقنبلة رفض لسطوة الميلشيات.
بعد المظاهرات الرافضة للميلشيات، حاول الحوثيون التخفيف من حدة الاحتقان الشعبي ضدهم بفتح تحقيق، لكن الأسئلة مازالت مفتوحة، من قتل المكحل؟ وكيف قتل؟ ولماذا قتل؟ وما الإجراءات المتخذة بحق قاتليه؟
وتحدث مصدر لـ"الصحوة نت"، "أن ميلشيات الحوثي عرضت دفع 4 ملايين ريال لأسرته، لكنها رفضت تلك العروض". وتفضل الأسرة أن ترى مساندة شعبية من شباب المحافظة الذين شكلوا نواة انتفاضة ضد ميلشيات الحوثي.
من هو الشاب "المُكحل"؟
حمدي عبدالزراق الذي اشتهر بـ (المكحل) أحد شباب مدينة إب القديمة، بدأت شهرته من مواقع التواصل الاجتماعي بنقده الحاد وغير المسبوق للحوثيين على جميع المستويات ويدعو لمقاومتهم، وفي أكتوبر 2022 واجه حملة حوثية أمنية وجرح عدة من عناصرها على إثرها تم اعتقاله للمرة الثانية.
وبعد أشهر من الاختطاف للشاب "حمدي" لجأت مليشيا الحوثي، للغدر به في سجونها وتم تصفيته في ذات السجن، في مارس 2023، ولفقت روايات تصفيته حسب زعمها "انه حاول الهروب من السجن وتم قتله أثناء فراره".
في اليوم الأول من رمضان الفائت تحولت جنازة المكحل إلى تظاهرة عارمة ضد الحوثيين شارك فيها الآلاف من شباب ونساء المدينة يهتفون، "الحوثي عدو الله" و "ارحل ارحل يا حوثي" و "لا حوثي بعد اليوم". وكانت سابقة في الاحتجاج ضد الميلشيات.
مرحلة جديدة من المقاومة الشعبية
لم تكن الهتافات التي أطلقها آلاف المحتجين في مدينة إب زلة أو تعبيرا عن غضب مؤقت، بل متراكم، لحقته فعاليات شعبية عدة على ذات المنوال، تهتف لرحيل الحوثي وتطمس شعاراتهم وترد عليهم أولا بأول.
أتت شعارات "ارحل يا حوثي" على لسان المشيعين في جنازة المكحل بعد ثلاثة أشهر من إقامة أبرز القادة الحوثيين في إب - بين سبتمبر2022 وحتى يناير 2023 - ومنهم أحمد حامد مدير مكتب رئاسة الحوثيين ورجل الحوثيين الأقوى في صنعاء، بالإضافة إلى محمد علي الحوثي الخصم اللدود له، والطامح الأبرز لخلافة عبد الملك الحوثي، ومهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، لكن تلك الزيارات والإقامات الطويلة لم تكن قادرة على احتواء الغضب الشعبي المتراكم ضد الحوثيين.
في مايو 2023 حشدت المليشيا الحوثي عناصرها في فعاليتها الطائفية الدخيلة "الغدير" في مدينة إب، في الوقت نفسه، وبنفس يوم الفعالية رد عليها شباب المدينة الغاضبين الذين كان المكحل يمثل واحد من بين آلاف الغاضبين ضد الحوثي، بطمس شعاراتها في عدد من أحياء مدينة إب، وردت المليشيا بحملة دهم وخطف واعتقالات.
وعلى وقع مخاوف حوثية من ثورة شعبية في إب وخشية خروج المدينة عن سيطرتهم، اضطر مهدي المشاط للتوجه إلى محافظة إب مرة أخرى في يونيو2023 وتنظيم عرض عسكري كبير لإرعاب السكان وإرهابهم، ورد عليه شباب المدينة بطمس شعارات الحوثيين، وإسقاط راياتهم في عدد من أحياء المدينة.
بلغ الصدام بين المنتفضين في إب ومليشيا الحوثي ذروته في احتفالات الذكرى 61 لثورة 26 سبتمبر بتنظيم احتفالات عارمة شعبية في مركز المحافظة وفي معظم مراكز المديريات إلى الحد الذي جعل مراقبين يقولون إن المليشيا قد تكون اختبرت فعليا بصورة مؤقتة خروج محافظة إب عن سيطرتها، على إثر ذلك استدعت الآلاف من عناصرها من محافظتي البيضاء وذمار و تعز، وحولت المدينة إلى مربعات معزولة.
مواجهة الغضب الشعبي بالتهديد
قال مصدران محليان في إب "إن مليشيا الحوثي الأسبوعين الماضيين (قبل شهر رمضان) نشرت عناصر أمنية منها في مدينة إب، لقمع أي فعاليات شعبية تحيي الذكرى الأولى للتظاهرة الغاضبة "ارحل ياحوثي" في جنازة المكحل".
وبحسب المصدرين "فإن مليشيا الحوثي أبلغت عبر أقسام شرطتها، وعناصرها الأمنية، وعقال الحارات، وغيرهم بأن أي تحرك لإحياء ذكرى المكحل بأي فعالية، سيواجه برد وقمع شديد".
القمع الشديد كان قد توعد به المشاط في أكتوبر الماضي، عند آخر زيارة له إلى المحافظة حيث دعا سكانها أن يتبعوا قائد المنطقة العسكرية الرابعة الحوثي وقال: "يجب أن نقول لكل من يوسوس له الشيطان أو أن يفكر: قبل أن يفكر سنقطع اليد التي تمتد للمساس بأمن هذه المحافظة".
التهديد الذي أطلقه المشاط، كان قد أطلقه في يونيو 2023، بعد أن كانت الضغوط عليه في أشدها لإجباره على إطلاق سراح مخطوفين شاركوا في جنازة المكحل، ورضخ حينها بإطلاق سراحهم. لكنه استدرك ذلك بأن الحراك الشعبي المناهض لمليشياته يعد "مؤامرة من العدو، وأنها دعاية وحرب ناعمة، وقال في خطابه أثناء عرض عسكري لجماعته في جامعة إب: "نحن في مرحلة لا سلم ولا حرب، والدعايات والحرب الناعمة يفتعلها العدو كل يوم".
واعترف المشاط صراحة بأن المجتمع والشعب في المحافظة وخاصة إب بدأ يتحرك ضد سلطة جماعته الإيرانية، لكنه اعتبرها أعمال عدائية وقال: "كل الإجراءات التي يفرضها العدو هدفها مضاعفة المعاناة، وهو يريد أن يحرض المجتمع؛ لكننا نعي أن سبب معاناة شعبنا هو العدوان".
التحركات ضد الجماعة تتواصل في 2024
تكثفت التحركات الشعبية ضد مليشيا الحوثي في 2024 بعد هدوء منذ اندلاع طوفان الأقصى، تخللتها اشتباكات بين المتظاهرين نصرة لغزة، ومليشيا الحوثي ليلة المجزرة الصهيونية بحق المستشفى الأهلي المعمداني في قطاع غزة في 17 أكتوبر الماضي"، لكنها هدأت بعد ذلك أواخر السنة الماضية، لتندلع مجددا مطلع السنة الجديدة.
حيث تظاهر مئات من مستحقي الزكاة رفضا لإجراءات حوثية تحرمهم من حقوقهم وأموالهم، وواجهتها مليشيا الحوثي برفع الأعلام الفلسطينية لإظهار المظاهرة مؤيدة للجماعة بدلا من معارضتها وفق مصدر محلي، ومقطع مصور من التظاهرة اطلعت عليه "الصحوة نت".
وفي بداية يناير الماضي احتشد موظفو هيئة مستشفى الثورة في محافظة إب للتظاهر لإجبار المليشيا الحوثية بدفع مرتباتهم ومستحقاتهم، خاصة أنها حولت المستشفى من عام إلى مستشفى خاص بأموال باهظة مقابل خدماته.
ورفض السكان في إب قرارات حوثية بتغيير مواعيد الأذان خاصة الفجر والمغرب وفق النهج الطائفي المفروض بالقوة على السكان، لكن حصلت مقاومة بشكل منسق في معظم مساجد المحافظة، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال مصدر محلي لـ"الصحوة نت"، "إن شباب في المدينة يعملون على اعلان وقت الفطور ووقت الإمساك وفق المواعيد الطبيعية للأذان، ويرفضون المواعيد الحوثية، وينشرون ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي، لإظهار أكبر قدر ممكن من المعارضة الشعبية ضد التوجهات الحوثية".