من شهد الشهر فليتذكر (2)

من شهد الشهر فليتذكر (2)

 رمضان شهر مختلف؛ بما يحمله من رسائل و نفحات إيمانية للفرد و الأسرة، و المجتمع، و الأمة. 
   تتغير النفوس إيجابيا، نية في فعل الخير، و عزم نحو الصلاح، و مهابة من اقتراف ذنب أو التلبس بإثم، يوقظك ضميرك، و يذكرك: بوصية من وصايا الرسول الكريم، التي يوْدِعها نفس كل تقي:(من لم يدع قول الزور و العمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه). 

   فيذكر هذا الحديث النفس، و الضمير، و السمع،و البصر، و الفؤاد ؛ أن الصيام ليس- فقط -إمســــاك و كف عن الطعام و الشراب، و سائر المفطرات الظاهرة، و إنما يوقظ في النفس التقوى، العامل الأبرز في كبح نزعات الإنسان النزقة، و يدحر وساوس الشيطان المُوبِقة ، فيمسك المسلم إلى جانب الإمساك عن المفطرات الحسـية، مفطرات من صنف آخــر، من تصرفات و أفعال و أقوال يكون منطلقها الزور، و الخداع، و التلطخ بأخلاق مرذولة في المجتمع. فإذا لم يكف المرء عن السلوكيات الضارة المضرة، و الزور في الأعمال "فليس لله حاجة في أن يدع -المرء - طعامه و شرابه". 

   وهنا نتذكر أن الصيام إنما هو سمو الروح، و نظافة السلوك ، و طهر المشاعر و الجوارح، فإذا الصائم عند فطره  قد وضعه صيامه (إيمانا و احتسابا)، و بوّأه سمو روحه مقام صاحب دعاء  لا يُرد؛ لحديث النبي الكريم عليه السلام:"إن للصائم عند فطره لدعوة لا ترد"، فيقف الصائم مبتهلا عند إفطاره للحظات احتوت أغلى و أثمن اللحظات، مع حديث آخر للرسول،و هو يقول:" ثلاثة لا ترد دعوتهم: الصائم حين يفطر ، و الإمام العادل، و دعوة المظلوم..الحديث). 

   في تلك اللحظات الثمينة الغالية يلتقي الدعاء الذي لا يرد، مع الشعور بالفرح الغامر الذي يملأ نفس الصائم بهجة و سرورا كيف لا، و المصطفى عليه السلام يجلي جانبا من تلك الفرحة الغامرة في العاجلة، و واصفا لاكتمالها في الآجلة، حيث يقول: "للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، و إذا لقي ربه فرح بصومه". 

   و نتذكر في رمضان مسيرة أمة حملت مشعل الهداية، و نور الحضارة ؛ لتفتح بهذا الدين أبواب القلوب ، و أبواب الحرية للإنسان. 
   كان عقبة بن نافع أحد قادة فتح أفريقيا قد وصل شاطئ المحيط الأطلسي، فخاض بفرسه خطوات في المحيط، ثم قال: و الله لو أعلم أن خلفك أرضا ماترددت في الوصول إليها دعوة لله ! 
   فجاء موسى بن نصير؛ ليحقق أمنية عقبة بن نافع، بالتوجه شمالا، حيث عزم على فتح بلاد الأندلس، و كان أول خطوة قام بها بين يدي الفتح أن أرسل طليعة من خمسمائة جندي ، في أربعة مراكب برئاسة طريف بن مالك المعافري اليمني، يستطلع الأمر. و كان ذلك في شهر رمضان من عام 91  من الهجرة، فنزل بجزيرة على ساحل البحر، غرب المضيق، سميت فيما بعد باسمه و ماتزال الجزيرة تسمى باسمه حتى اليوم : جزيرة طريف. و منها أخذ يشن الغارات على ما يليها فيعود بغنائم و أموال. 

   عززت هذه النتائج عزم موسى بن نصير على الفتح بعد أن كان قد استشار الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان، الذي كان تردد مخافة أن يكون في فتح الأندلس مغامرة غير محسوبة، لكن نتائج استطلاع طريف أقنعت الخليفة، فجهز ابن نصير جيشا قوامه سبعة آلاف مجاهد بقيادة طارق بن زياد، الذي عبر المضيق، و الذي أصبح يسمى باسمه: مضيق جبل طارق. 

   سبعة آلاف فقط من العرب و البربر ، تحت راية التوحيد عبروا المضيق، و كانت معركة وادي لكة الشهيرة و التي حدثت في رمضان من عام 92هـ. 

   و مضت خطوات الفتح تتقدم في بلاد الأندلس، و عزز مسار الفتح عبور القائد موسى بن نصير بقرابة عشرين ألف مقاتل ليغطي توسع الفتح في أراضٍ شاسعة. 

   نعم ، يذكرنا رمضــــان برســالة خير أمة أخرجت لتحرير الإنسان من عبودية أخيه الإنسان، فمضت برسالتها، تفتح العقول، و القلوب، و أبواب الحرية للإنسان ، و هو ما حدى بصاحب كتاب قصة الحضارة توماس أرنولد أن يقول كلمة حق في كتابه؛ الدعوة إلى الإسلام، قال: لم تشهد بلاد الأندلس في تاريخها كله أكثر حزما و عدالة و حرية مما شهدته في أيام فاتحيها العرب. 

  فتأملوا في ما يفعله أدعياء الحضارة اليوم ، ممن سُحِر بهم البعض، و انبهروا بسماع مــــــزاعمهم الحقوقية و ادعاءاتهم الحضارية، قبل أن تُعَرِّى تلك المزاعم و تكشف حقيقتها معركة طوفان الأقصى. 

   إن أمة أَسست لحضارة راقية، و قدمت حضــــــارة إنسانية زاهرة، كان هدفها؛ تحرير الإنسان، و بنــــــاء الإنسان، و تنمية الإنسان، لهي مدعوة اليوم أن تسترد دورها الحضــاري ، بوعي و إصرار، و بتحليق صقر، و زئير أسد، لا بتغريد بلبل، أو بهديل حمام؛لأن مرحلة البناء صرامة،و قوة،و إرادة. 

   يذكرنا رمضان بمحطات خير أمة أخرجت للناس، و يذكرنا بأسس بناء حضارة خير أمة أخرجت للناس. 

   فالأمة إنما تنتصر بعقيدتها، و فكــرها و ثقافتها، و بهُويّتها  الصرفة المتميزة ، و تتلاشى و تنهزم و تنهار، حين يتبناها خصمها الألد بالخداع ، و يحتويها عدوها الأشد بالمكر ؛ فتذوب في متاهاته، و تتماهى في أباطيل هُويّته.

  و لكن.. عسى أن يذكرنا رمضان بسنوات عجاف قضتها الأمة في دروب التقليد الأعمى، فقادها نحو الضياع، و قد آن لها أن تثوب إلى الرشد، و أن تعود إلى جذورها،و أصولها، كما ثابت المقاومة الفلســطينية إلى الطــريق الأرشــد ؛ لمــــواجهة الكيان اللقيط، فراحت تسطر تاريخا جديدا مشرقا لأمة صنعت في ماضيها تاريخا مجيدا،و هي قادرة على صناعة التاريخ من جديد.

  عسى أن تمضي المقاومةالفلسطينية قدما على النهج المبين ، حذرة من كيد و مكــر جلوب باشـا ، أو خبث و طويــة ابن العلقمي. 

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى