الحوثية وقطع الطرق.. قطع لشرايين الحياة في اليمن

الحوثية وقطع الطرق.. قطع لشرايين الحياة في اليمن


لا تطرح الطرق البرية الرئيسية في اليمن وقطعها  واغلاقها من قبل الحوثية مشكلة اليمني وقضيته معا،بل تتجاوزها إلى مسألتي السيادة الشعبية،ومنزلة انسانها في الحضارة؛فمعيار أي حضارة تكمن في منزلة الإنسان في سلم القيم الحضارية تلك،وصولا إلى مسألة تنظيم المجتمع لنفسه،ومسألة استعادة اليمني لشرايين حياته الاقتصادية والاجتماعية ككل،أي أن الطرق وفتحها واغلاقها وقطعها على حد سواء تطرحها من طبيعة استراتيجية وسياسية في آن واحد.وهذا ما سنحاول الإلمام به من خلال هذا المقال.

 

أولا:الطرق بين منطق الدولة ونهج ميليشيا الحوثية:

 

 كانت "مبادئة"سلطان العرادة لفتح طريق مارب-صنعاء الرئيسية بمثابة الحجر الملقى في مياه آسنة ومتحللة،إذ هي لا تكشف عن موقفين متناقضين فحسب،بل وكشفت عن الذرائع والنوايا الحوثية التي هي غطاء لحالة أكبر.والعلاقة بين الطرق والموقف والسلوك للشرعية بقواها ومسئوليها مختلف عن الموقف والسلوك الحوثي ككل،والعلاقة ليست ميكانيكية أو احادية الاتجاه والنظرة،بل جدلية ،فاغلاق الطرق وقطعها حوثيا بامتياز،سببا ونتيجة معا،وفتحها من جانب الشرعية تعبيرا وتجسيدا للشجاعة والقوة،لا جبن وخوف وتنازل كما يذهب لذلك بعض من الكتاب.

 

موقف وسلوك العرادة وغيره من المسئولين هو موقف وسلوك كل حكومة شرعية ومسئول وطني،إذ أن ثوابت اليمنيين ومصالحهم وقيمهم وتوجهاتهم هي من تحكم هكذا "مبادئه"-بضم الميم-،بينما الحوثية هي النقيض من كل ذلك. إذ تستغل وببشاعة كل ما له علاقة بحياة اليمنيين كأدوات ووسائل ضغط واجبار لتركيعهم،لإذلالهم،لقطع شرايين الحياة من وفي انفاسهم،استخدام الطريق لتفتيتهم وقهرهم،لإلحاق الأذى النفسي والخدماتي والمادي بهم،لحصارهم،وخنقهم واستلاب إرادتهم، أي استخدامهم للشعب كرهينة من اجل خلاص جلادهم الحوثي المتزر بإيران. فمثلا،لو كانت الحوثية مع التعايش لما تعرضت للطرق ولا اغلقتها،لو كانت الحوثية ليست مخلبا وأداة ومعول هدم للدولة والمجتمع ووسيلة لتفتيت الشعب وإحالته إلى عصبويته الأنثروبولوجية الأولى(قبلية/طائفية/مذهبية/جهوية)لما كانت"من الكينونة"ولا أضحت الجسر الذي يمرق الشعب والمجتمعات العربية إيرانيا لتمزيقه واستعماره.فالحوثية تبتغي التفوق"=بمعنى الشر"الفردي والجماعي على باقي فئات المجتمع وجماعات الشعب المختلفة والمتعددة،وذلك لارتباطها المفترض والواقع بترتيبات اقليمية ودولية،والأدل على ذلك هو تدويلها لمسألة الطرق"تعز"نموذجا!

 

ثانيا: المشكلة والقضية/الطرق ومعانيها:

-------------------------------------------

 

الطرق هي بمثابة الشرايين التي تربط اجزاء المجتمع ببعضه،وإذا ما انقطعت اصيب المجتمع بالشلل،واجبار الحياة الاقتصادية والاجتماعية على التوقف في أي مجتمع وشعب كان يكون بضرب شبكة الطرق،اغلاقها وقطعها،فالطريق هي عبارة عن جهاز نقل كفؤ،للبشر وللبضائع والسلع،للعمل والتجارة،للأفكار،والقيم،للعلاقات والروابط والوشائج والصلات الحميمية والأخوية،للأمن والتأمين والبنيان والتنمية، الاقتصادي والاجتماعي والنفسي والثقافي والتجاري والطبي والتعليمي والسياحي..إلخ ككل.

 

ومشكلة اليمني اليوم تبعا لقضيته وليست منفصلة عنها،أو القضية اليمنية اليوم نابعة من المشاكل المجتمعية وتأثيراتها وارتداداتها الاقليمية والدولية التي خلفتها الحوثية وإيران وليس العكس.

 

فإذا كانت مشكلة اليمني اليوم ما يسوده مجتمعه من فقر وانعدام الرواتب،وجوع مستشري،وغلاء اسعار السلع وانعدام القدرة على شرائها،والبطالة الجاثمة على صدره،والتخلف الضارب والحرمان من التنقل له وللسلع،وفقدان مصادر ومقومات الحياة الأساسية إلى آخر ذلك؛فالقضية عنده هي عروبته ووطنه،دولته واستعادتها،وحدته الداخلية المهددة ،أمنه واستقراره،طموحه ومستقبله،إذ أضحى مجسدا للقضية والمشكلة معا..ومسألة الطريق كشاف لكل ذلك.

 

فالطرق تتسم بأنها عامل موضوعي،من شأنها تكوين اطار مادي يدفع باستعادة اليمني لوحدته الداخلية وواحديته واتساقه في ومع الحياة العصرية والتحرر،إذ من خلالها يتجسد نموه الذاتي،اجتماعيا واقتصاديا،واحدية التوجه وواحدية الخدمات وواحدية القيم الذي يعتنقها،والمبادئ التي تسيره وتنشد راحته وسعادته وأمنه،فهي وسيلة لتقوية مناعته الذاتية والداخلية،وتقوية جانبه،وبالتالي استعادة هيبته المفقودة،ضخ الدم لشرايين حياته وتجدده وتوهجه،التي قطعت الحوثية أوردتها وصابها الموت الفردي والجماعي من جراء لعنة الحوثية منقطعة النظير عدا احتلال اسرائيل لفلسطين واستيطانها وطن الفلسطيني وارضه وكيانه.

 

ثالثا واخيرا: في معنى اغلاق وقطع وتعنت الحوثي إزاء الطرق ودلالاتها:

----------------------------------------------

 

الحوثية لا تعترف بالشعب ولا تقر له بأي معنى سياسي،أي الشعب المتمتع بحقوقه السياسية والاجتماعية والمدنية،تلك الفكرة أو المقولة بديهية   ولا تحتاج لكثير اشتغال لاثباتها،والشعب والحوثية في حال ثأر وعنف وارهاب منصب عليه من قبلها وإيران،فهو عدوها الأول وليس فقط القوى الوطنية والسياسية والحزبية المتمثلة لهذا الشعب كرأس حربة تقوم بما هو واجب عليها تجاهه.

والشعب الذي تعترف به الحوثية هو "شعب المقابر"الذي قضى على اياديها الآثمة،وليس أي شيئ آخر،لأن اعتراف الحوثية بالشعب معناه سقوطها من وفي الوهلة الأولى،ناهيك عن ان هكذا اعتراف معناه الدخول معه بمرحلة كسر العظم،إذ الشعب يرفضها ويقاومها ويثور عليها،ويخوض كفاحا مسلحا رسميا وشعبيا،ولذا فهي تتخذ من الطرق وتراهن عليها وغيرها من الأودوات والوسائل والعلاقات العابرة والإرهاب المنظم لكسر إرادة هذا الشعب،واخضاعه لتوجهاتها وعلاقاتها وفئوياتها ومصالحها الضيقة والاستعمارية المدمرة،لكراهيتها وعنصريتها وتطرفها،لخستها ونذالتها  وساديتها.

فالشعب حوثيا هو شعب المقابر،والمجرد من كل عوامل القوة والتقدم،المحروم من ابسط حقوقه الاساسية والانسانية والسياسية والمدنية،الشعب العاري من حقيقة وجوده ووجدانه معا.الشعب الذي فقد وزنه وتوازنه والمهموم بحاجياته الأساسية والمثقل بها،أي الشعب اللاسياسي واللاعقلاني واللامقاوم،والمداهن لها واستعمار امبراطورية إيران الظلامية.اي الشعب المفتقد ل"أناه"الجمعي،وأناه"التاريخي"،وأناه " الوطني"،وأناه "الإنساني"و"الأخلاقي"المتخلي عن إباء"الرجولة"والأنفة والكبرياء والمجد،هذا الشعب هو من تسعى لاستزلامه الحوثية وعبره استزلام اغلبيته التي ترفض الخنوع والاستسلام،كما ترفض الأغلبية تلك استزراع ثقافة الميليشيا والارهاب والعنف،وتكريس الطائفية والمذهبية البغيضة والولاء الأعمى لدجاجلة العصر"=إيران وولاية الفقيه"،الذين يسعون  لبث روح الانهزام والعصبوية وسيادة العنصرية وتعميق الكراهية وتعميمها،واخلاق العبودية وعبادة الشخصية،والحقد والإنتقام،أي تنمية روح الثأرية اضافة إلى التواطؤ الجماعي ضد الدولة والقانون والعدالة،تبعا لاعتقادها الباطل بأن لا سبيل للأمن والسلام الا بالاستسلام للقوة والارهاب وعلاقات المستعمر الايراني الجديد.

 

وما قطع الطريق ومنعها سوى تعذيب لليمنيين؛حيث التعذيب"وظيفة ادماجية"حسب مصطلح غليون،،أي أن هذا التعذيب الناشئ من قطع الطريق وظيفة لحم عناصر الحوثية وقوتها المختلفة لتعميق الشعور بتفوقها-اي الحوثية-ووجوب اتباعها في كل مكان وساحة مواجهة،وبذلك فوظيفة التعذيب هذا اكتساب "المرجعية"لكل التنظيمات الميلاشوية والعابرة للحدود والارهابية المرتبطة بامبراطورية إيران الجديدة،واظهار قطع الطريق هنا ومنعها واغلاقها امام اليمنيين إلى جانب كونها حلقة من حلقات التعذيب عملا وطنيا وانسانيا ونضاليا في نظرهم وعناصرهم التابعة لهم،وليس عملا مشينا وسادية تستوجب الذم والندم والاحساس بالعار!

 

كما أن قطع الطريق يدخل في سياق تحييد المعارضين لهكذا مسلك استعماري حوثي إيراني قار،وتصفية للخصوم ومنعا لتسرب الكوادر المؤهلة عسكريا من الالتحاق بالجيش الوطني والشرعية وتشكيل قوة نوعية وكيفية تجهض الحوثية وقوة العنف والارهاب في مهدها،علاوة على كوادر وقطاعات عشرات الآلاف بل مئاته وملايينه من الالتحاق بالشرعية والالتحام بها لتكوين جبهة وازنة وحاسمة على المستوى الوطني،وبالتالي فقطع الطرق يكون أحد أهم اهدافه هو اسقاط الأغلبية البشرية نوعيا وكميا من تشكيل خطر وتهديد وجودي على الحوثية واستعمارها المزري،خصوصا وتقطيع الطرق هو قطع للمخزون البشري وتقطيعه من ثم،ومنعه من أي مبادرة ذاتية أو وطنية قد تضع حدا للحوثية ومجايليها.

 

علاوة على كل ذلك فإن قطع الطريق ومنع الأغلبية المجابهة للحوثيةناهيك عن كل ما سبق يعني استمرارا لحرب استنزاف طويلة وشبه خفية أمكنت الحوثية ومن إليها من تجريد الشعب من حقوقه السياسية والمدنية والأساسية والخدماتية،والقضاء بصمت على عشرات الألوف المختلفة كانت لها أن تكون لو كانت الطرق سالكة ومفتوحة الدروب،فمن القضاء على رؤوس المجتمع المدني والأهلي إلى وأدهم احياء،وصولا إلى محاولتها تصفية المجتمع السياسي وتجريده من إرادة القوة والحياة والنضال الوطني الذي يقتفيه،وبالتالي الحفاظ على توازن الحوثية وعلاقاتها الداخلية والخارجية،فهي تجهد لقتل الأنا الجمعي ،وأنا الحرية والتحرر،ومحاصرتها وعدم التحامها مع وبالقوى الوطنية والحزبية والسياسية والشرعية في اليمن.

 

وعليه فالحوثية اقل استعدادا للتفاوض على أي عنصر من عناصر القوة والسيطرة مما كانت عليه من قبل سنة ٢٠١٤ الكارثية،فهي لم تضرم نار الحرب والكراهية والطائفية والعنصرية والارهاب الا لكي تقطع الطريق على اي حوار او تنازل أو تفاوض أمام الشعب،وما رفض أي مبادرة لفتح الطرق او غيرها الا دليلا على أنها لا تعنى بمصالح الناس واستمرار هكذا نهج مرهون بتخليد مناخ الحرب وتقسيم المجتمع والشعب وتفكيكه،وقطع كل اواصر وصلات ووشائج تلاحمه وشرايين حياته.

فالطرق تطرح مسألة الضمير والوجدان،علاقة الفرد بالآخر،بالمجتمع،بالإقتصاد،بالعمل،بالتجارة،بالموت والحياة،بالمستقبل والحرب،بالماضي واليأس...؛أي كل منظومة الأخلاق والقيم المعنوية والمادية برمتها،فضلا عن توضيح الطرق لدى الحوثية بتعميق الحدود الفاصلة بين ال"نحن"و ال"هم"،داخليا وخارجيا،الأنا والآخر،وصولا إلى طرحها مشاكل وقضايا متعلقة بالسيادة والسيطرة على شرايين الحياة الاقتصادية والاجتماعية،استراتيجيا وسياسيا في آن واحد.

 

ختاما: فالحوثية التي أصبحت تعتاش على هكذا قضايا ومشكلات مجتمعية يمنية صرفة،كانت الحوثية فيها المتغير الخفي والأصيل مع إيران،فإن ربطها بقطع شرايين الحياة البحرية"=البحر الأحمر وباب المندب" وتأثيراته على اليمن واغتصابها لحق الشعب والدولة هنا وفي كل القضايا والمشكلات الأخرى وبدواعي اخلاقية وتضامن وواحدية مصير،فإنها لا تنتقل أو تتحول بذلك إلى الاعتياش والانتعاش من خلال هكذا قضايا وملفات ومشكلات وازمات وصراعات تاريخية وممتدة ومفتوحة وحضارية  كقضية فلسطين،ومحاولتها اقتفاء دور "القائد"او الاستاذ وتقمص المسئولية واخلاقية هي احوج ما تكون لها،وتأهليها يتطلب سنوات ضوئية هي ونظام الملالي،ما لم نكن قد غسلنا أيادينا منها،فنظام القيم الماضي والسائد والمستقبلي في اليمن والمواقف والسلوكيات لليمنيين بمختلف فئاتهم وشرائحهم وتوجهاتهم وايدلوجياتهم ومصالحهم وانتماءاتهم وجهوياتهم لم "توصم"بعار البتة من جراء قضية فلسطين عدا اماميتهم الأولى والثانية التي كانت لها مع الاسرائيلي علاقة مباشرة،ومساهمة بنكبة الفلسطينيين الأولى،ولا اعتاش اليمني مثقفا كان او سياسي او رجل اعمال أو امرأة من هكذا قضية ولا ارتزق من خلالها كما تفعل الحوثية والإمامية البائدة،ولا غير اليمني قيمه ازاء هكذا صراع بل ضحى بقوته ودمه في سبيل هذا الحق والمبدأ والقضية،والحوثية إذ تحاول أن تتقمص دور اليمني السوي والمجد المقترن به والتاريخ البهي حيال هكذا قضية،فإنها لا تفعل الا لتعتاش على هكذا قضية،ولتترزق وتتسول اعتراف بها،وتصفية "وصمة"العار التي ألحقتها باليمنيين وجعلت بلادهم اشلاء لتعتاش من قضية فلسطين وحرب غزة،وهي اجرم من اسرائيل أو هي مستعمر مثلها واسرائيل،وانظروا لأقبية السجون والمدن المدمرة،ولنمعن النظر في جوعى اليمن وفقرهم وبطالتهم وقطع طرقهم وكل سبل الحياة،فاسرائيل وان استطاعت فعل جزء من جرائمها بالفلسطينيين،ومع كل ذلك فإنها تخشى وتحسب لعواقب،بينما الحوثية تدمر اليمن وتقتل بنيه وتغتال قيمه لتعتاش عليه ارضا وانسانا وتسترزق من غائلتهم وهذا اجرام لا يوصف،ولا يغير من حقيقة الاشياء بقذارتها ونسبيتها معا،فاسرائيل وايران تعتاش وتنتعش من جراء جرائمهم واحتلالهم وسيطرتهم وتدميرهم لليمن ولفلسطين وللعرب وفي العرب ارضا وانسانا ودولة ومجتمعا.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى