تشهد المناطق التي تسيطر عليها مليشيات الحوثي الإرهابية، غضباً واحتقاناً شعبياً متزايداً، في ظل تصاعد الحراك القبلي والمدني الميداني ضدها، والذي يثير قلق قادة المليشيا، خاصة في معقلهم الرئيسي بمحافظة صعدة، وصولاً إلى مدينتي إب وصنعاء اللتين تعتبران أكبر المحافظات سكانا تحت سيطرتهم.
وتعيش هذه المناطق غير المحررة، احتجاجات شبه مستمرة ضد المليشيا، وفسادها وعنصرية قيادتها، وبينما كانت الاحتجاجات سابقا من خارج البنية التنظيمية الطائفية لمليشيا الحوثي، أظهرت الاحتجاجات الأخيرة في صعدة وتحديدا في مديرية ساقين أن الصراع داخل المليشيا أكبر مما تظهره من حالة تماسك وفرض سيطرة بالقوة.
ولا ينحصر الصراع بين القيادات العليا والوسطى للمليشيا، بل وصل إلى قواعدها وبعض الحاضنات الشعبية لها في مؤشر على حالة من السخط والغضب داخل عائلات وعناصر المليشيا التي بدأت تضيق مع عموم اليمنيين من سلوك مشرفيها الفاسدين والمتاجرين بحياة ومصالح الناس.
في هذا التقرير يستعرض موقع "الصحوة نت" نماذج من تلك الاحتجاجات والغضب الشعبي والمجتمعي الذي بدأ يتحول إلى حراك مجتمعي سلمي قد يتنامى في ظل تشديد المليشيات قبضتها الأمنية، ومحاولاتها الهروب من المطالب الداخلية إلى صراعات وهمية ومصطنع مع أمريكا وإسرائيل بذريعة مناصرة القضية الفلسطينية.
البداية من صعدة
احتج المئات من عناصر مليشيا الحوثي في محافظة صعدة، التي تعد المعقل الرئيسي للجماعة أقصى شمال البلاد، ضد مشرف حوثي يسيطر كليا على مديرية ساقين (أنشأ الحوثي مديرية جديدة تدعى بني بحر فصلها من مديرية ساقين).
وقالت مصادر حوثية خاصة لـ"الصحوة نت"، إن مشرف مليشيا الحوثي في منطقة عزلة عرو بمديرية ساقين، يدعى "أبو هاجر" ضيف الله قاسم صالح حسين معيضة، يعيث فسادا وخرابا وإجراما في المنطقة التي قدمت أغلى ما لديها لخدمة الجماعة.
وتشير وثائق حصل عليها موقع الصحوة نت إلى أن أبناء العزلة سبق أن طالبوا عبدالملك الحوثي والقيادات الحوثية في صعدة بعزل المشرف الحوثي من منطقتهم، مشيرين إلى أنه "جلب أيضا سلسلة من المشرفين الحوثيين من أقاربه وقريته إلى منطقة عرو وعاثوا فيها فسادا".
وتطورت المطالب بتغييره في الأسابيع الماضية إلى احتجاجات حاشدة، شارك فيها العشرات من عناصر مليشيا الحوثي، متهمين قيادة جماعتهم بإهانتهم وسرقة حقولهم وتتعمد إذلالهم. بينما هتفوا في إحدى التجمعات المعارضة "نريد التغيير".
وتعد التظاهرة من داخل الحوثيين للمطالبة بتغيير القيادات حدثا نادرا في مليشيا الحوثي التي تخضع لتنظيم عسكري على الطريقة الإيرانية، ويشرف عليه خبراء من الحرس الثوري وحزب الله اللبناني وفقا لعدة تقارير.
حشود مستمرة في السبعين
شهد ميدان السبعين في صنعاء، عدة تظاهرات وحشود واعتصامات للمطالبة بالإفراج عن رئيس النادي الشيخ أبوزيد الكميم وقيادة نادي المعلمين المخطوفين منذ أشهر في سجون مليشيا الحوثي.
وقال النادي في حساب له على تويتر "نحن في مرحلة يتوجب على كل تربوي مؤمن بعدالة قضيته وبمشروعية مطالبه وبمظلومية المحتجزين ( أبو زيد الكميم ورفاقه العظماء)، العمل بجد وبعزيمة في التحشيد والحضور، حتى نتمكن من تحقيق مطلبنا وإسماع صوتنا لمن به صمم".
وطلب النادي من جميع أعضائه اتخاذ القرار الشجاع للدفاع عن أنفسهم، وحقهم في التظاهر، وفق ما جاء في البيان السادس عشر للنادي.
واستجابت قبيلة الحدأ للدعوة، وحشدت المئات من أبنائها في تظاهرة حاشدة أواخر الشهر الماضي، بعد فشل سلسلة من الجهود والوساطات القبلية للإفراج عن الشيخ أبوزيد الكميم، رئيس نادي المعلمين، أحد شيوخ قبائل الحدا.
وقال الشيخ إسماعيل الجلعي أحد شيوخ القبيلة إن الشيخ الكميم لا يمثل نفسه فقط، ولا يمثل شيوخ وأفراد الحدا، بل أفراد الشعب اليمني كله، وأنه يجب مناصرته والعمل من أجل إطلاق سراحه بمختلف الوسائل المشروعة.
وبحسب مصادر محلية وقبلية اجتمع قرابة 400 شيخ وشخص من محافظتي إب وذمار في منزل قيس الكميم شقيق أبوزيد الكميم، قبل أسبوعين من التظاهرة في ذمار، ونظموا مظاهرة الأسبوع الماضي أواخر يناير، وقرروا التصعيد عبر التظاهر والاعتصام بعد فشل جميع الجهود القبلية في الإفراج عن الشيخ أبوزيد الكميم.
وتمكنت الجهود القبلية في وقت سابق من استصدار قرارين من النائب العام الحوثي، يقضي بالإفراج عن الشيخ الكميم رئيس نادي المعلمين، بالإضافة إلى توجيهات من محمد علي الحوثي، وآخرين من قادة مليشيا الحوثي، لكن جهاز الأمن والمخابرات الحوثية في صنعاء -التي أعادت مليشيا الحوثي تشكيله على الطريقة الإيرانية بإشراف من خبرائها - رفض تنفيذ القرارات القضائية، ورفض إحالة الشيخ الكميم إلى المحاكمة.
وحاولت المليشيا احتواء التظاهرة، وتجمع قبائل الحدأ عبر وساطة، وتدخل قيادات محسوبة عليها (المقدشي) مستشار رئيس ما يسمى المجلس السياسي الأعلى، الذي طالب قبائل الحدأ برفع الاعتصام من ميدان السبعين، متعهدا ومقدما وجه للقبائل بأن يخرج الكميم من السجن، لكن خذله من استعان به من المليشيا، وجعلوا وجهه أسودا.
في صنعاء أيضا
احتج العشرات من أبناء قبيلة صرف شرقي صنعاء أواخر يناير الماضي للمطالبة بالقبض على قتلة حوثيين. ووفقا لمصادر قبلية من صرف تحدثوا للصحوة نت نفذ أبناء قبيلة صرف تجمعا حاشدا لمطالبة مليشيا الحوثي بالقبض على قتلة الشيخين عادل شبيح ومهدي شبيح قبل سنة ونصف.
واطلع الصحوة نت على نسخة من تقرير حوثي مسرب يتحدث عن أن أهالي صرف قد يطورون احتجاجاتهم إلى اعتصامات أمام مبنى وزارة الداخلية الحوثية في صنعاء للضغط عليها للمطالبة بتحقيق العدالة ضد قتلة شيوخها.
في ذات الوقت يواصل موظفو شركة رجل الأعمال عدنان الحرازي تنظيم وقفاتهم الاحتجاجية التي تتزامن مع إجراءات محاكمات باطلة للحرازي في محكمة جزائية حوثية بأمانة العاصمة، دون كلل منذ ثمانية أشهر تقريبا.
وشهد يوم الاثنين أولى التظاهرات في شهر فبراير الجاري نفذها موظفو شركة برودجي سيستمز للضغط على مليشيا الحوثي للإفراج عن مؤسس الشركة ومالكها من السجون الحوثية.
قبائل خولان تعتصم
كما نظمت قبائل خولان اعتصاما كبيرا منتصف يناير الماضي في ميدان السبعين، لكن المليشيا وعلى غرار سلوكها مع قبيلة الحدا ونادي المعلمين، لجأت إلى ذات الخطط مع قبائل خولان (القبلية واستغلال الوجهات المحسوبة عليهم) ما أدى بهم إلى رفع الاعتصامات المفتوحة.
ومع ذلك، تتوقع مصادر قبلية، أن نجاح خطط المليشيا في احتواء اعتصامات القبائل لن تكون ناجحة إلا ما لا نهاية، مشيرة إلى أن ميدان السبعين سيشهد خلال العام الجاري الكثير من الاحتجاجات خاصة في ظل تصاعد انتهاكات مليشيا الحوثي وجرائمها ضد اليمنيين.
المصادر أكدت أن استخدام مليشيا الحوثي للقضية الفلسطينية ومحاولة إسكات الناس بإدعا المظلومية في مواجهة أمريكا وما يحاولون أن يصوره من مناصرة مكذوبة لغزة، لن تنجي المليشيا من الاستحقاقات المطلبية والقبلية والمدنية، إن لم تقض على مخططاتها الإرهابية.
احتجاجات لا تهدأ في إب
تفاجأت مليشيا الحوثي مؤخرا، بانتشار صور الشهيد المكحل، "حمدي عبدالرزاق" -الذي قتلته في سجونها في مارس السنة الماضية، وتحولت جنازته إلى مظاهرة شعبية تهتف لسقوط الحوثي- بانتشار صوره في عدد من أزقة وشوارع مدينة إب، وفق مصادر محلية.
كما نفذ العشرات في محافظة إب من موظفي هيئة مستشفى الثورة بالمدينة مطلع الشهر الجاري تظاهرات تطالب بصرف مرتباتها ومستحقاتها التي قطعتها مليشيا الحوثي عنهم منذ أربعة أشهر، رغم تحويل المليشيا المستشفيات العامة إلى مستشفيات خاصة، تتلقى خلالها أموال باهضة من المواطنين.
كما شهد سجن النساء المركزي في محافظة إب لاحتجاجات من السجينات، اعتراضا على سلوك وتصرفات وممارسات مدير السجن المركزي في المحافظة في مطلع يناير الماضي.
نزيلات السجن طالبن برحيل مدير السجن "رضوان سنان"، وناشدن بوضع حد للمعاناة اليومية وما يتعرضن له من قبل القائمين على إدارة الإصلاحية.
ووفقا للمصادر، فإن قوة عسكرية حوثية مصحوبة بعدد من "الزينبيات"، وهن عناصر نسوية مسلحة تابعة للمليشيا، تدخلت لقمع المحتجات وإنهاء أعمال الشغب، كما قامت تلك القوة بمعاقبة السجينات، وزجت ببعضهن في زنازين انفرادية، فيما تم ترحيل بعضهن إلى صنعاء.
كما تظاهر العشرات من أبناء السحول في إب رفضا لقرار حوثي بإنشاء خزانات نفطية تابعتين لشركتين حوثيتين محل مشروع مياه المنطقة، وتعهدوا بإفشال المشاريع الحوثية.
رد شعبي على سلوك المليشيا
لا تقتصر التظاهرات على فئات اجتماعية محددة وقوية، لكنها وصلت إلى أن تقوم بعض الأسر في صنعاء لتنفيذ اعتصامات أمام أقسام شرطة حوثية تورط عناصرها في جرائم قتل أبنائها، كما حدث في حي جدر قرب مطار صنعاء الدولي قبل أسبوعين.
وبينما كان الحوثي يحاول التغلب على التحديات الداخلية بتنفيذ الهجمات الإيرانية البحرية مستخدما قضية غزة، فإن مساعيه التي يهدف من ورائها إلى تمكينه محليا بقمع أشد، أصيب بسلسلة من الاحتجاجات المشروعة التي ينفذها الشعب اليمني الذي يريد الحوثي إخضاعه للاحتلال الإيراني.
وقالت الباحثة اليمنية ندوى الدوسري في تغريدة لها على تويتر إن الهجمات الحوثية المزعومة على السفن الصهيونية، لا تولد أبدا أي دعم شعبي يمني للمليشيا. وأشارت إلى الدعم الشعبي اليمني للقضية الفلسطينية.
الرد الحوثي على التظاهرات
وفق تقرير أمني مسرب لمليشيا الحوثي فقد جاء الرد على التحركات الاحتجاجية المختلفة ضدها كما هو متوقع بتوجيه تهم الخيانة والعمالة للمحتجين، بما فيهم المحتجين الحوثيين في محافظة صعدة، حيث توعد أحد القادة الحوثيين في تظاهرة -ظهر في فيديو مسرب حصل موقع الصحوة نت على نسخة منه- المتظاهرين بإجراءات ضدهم.
وفي بلاغ للمخبر الأمني الحوثي في صرف بصنعاء، قال معد التقرير إن "المحتجين يهدفون إلى إثارة الفوضى والاغتيالات، ويستغلون ما أسماه العدوان الأمريكي، والتخابر مع العدو. وهي اتهامات حوثية تطلقها على كل من يعترض على أي سلوك حوثي".
ومن ضمن سلوك المليشيا، أقدمت الجماعة مؤخرا على محاولة اقتحام قرية في إب واختطاف عدد من المواطنين بذريعة صدور أوامر قبض قهرية بحقهم.
لكن كانت المفاجأة، بتصدي رجال القرية للمليشيا والرد على حملتهم الأمنية بالرصاص، ما أدى إلى مقتل أربعة من قيادات المليشيا (برتب منتحلة عقيد و3 برتبة نقيب)، قبل أن يتمكن من وصفهم إعلام المليشيا بـ"المطلوبين للعدالة" من الفرار، بعد وفاة أحدهم في الاشتباك، فيما لجأت الجماعة لنهجها المفضل والمتمثل بتفجير منزل أحد المواطنين من أسرة "الطويل".