يعاني الصيادون اليمنيون من ظروف صعبة وخطرة، بالتزامن مع مغامرات مليشيا الحوثي واستماتتها في سبيل عسكرة البحر الأحمر، الذي يعتبر شريانا مهما للتجارة والاقتصاد العالميين، وذلك من خلال استمرار الهجمات على السفن التجارية والتسبب باستجلاب التحالفات الدولية بعتادها العسكري إلى المياه الإقليمية اليمنية لردع الهجمات الحوثية.
الأمر الذي جعل الصيادين اليمنيين يقفون بين فكَّي كمَّاشة تهدد حياتهم ومصدر رزقهم، مليشيا الحوثي من جهة والقطع الحربية الدولية من جهة أخرى.
خطر يهدد حياة الصيادين
في بداية هجماتها على السفن التجارية، كانت تستخدم مليشيا الحوثي القوارب الصغيرة المفخخة، وهي من حيث الشكل تشابه قوارب الصيد العادية، قبل أن تقوم القوات الأمريكية بتدمير أربعة زوارق حوثية ومقتل 10 من قوات البحرية التابعة للمليشيا الحوثية كانوا على متنها، في ديسمبر العام المنصرم؛ لتصبح جميع قوارب الصيد -بعد هذه الحادثة- هدفًا مباشرًا لنيران ومطاردات القوات الأجنبية المنتشرة في البحر الأحمر.
الصياد "أحمد فتيني" كان أحد ضحايا هذا الوضع المشتعل في البحر الأحمر والذي روى لـ"الصحوة نت"، معاناته وزملائه الصيادين.
يقول فتيني إنه خرج للصيد من سواحل محافظة الحديدة مع مجموعة من زملائه الصيادين بقواربهم الصغيرة، أو ما تسمى محليًا بـ"الصمبوق"، في السابع من يناير الجاري، وهي رحلة تستمر لأيام وسط البحر في الوضع الطبيعي، لكنهم فوجئوا -في ليلة اليوم الأول من خروجهم- بسفن حربية كبيرة تقترب منهم، رغم عدم تجاوزهم لحدود المياه الإقليمية للجمهورية اليمنية.
يضيف الصياد: "تمت مطاردتنا وإطلاق رصاص تحذيرية بجانب قواربنا، وحذرونا على أن نبتعد ونعود للمدينة".
وأفاد صيادون آخرون بأن هناك من زملاء لهم، تم اعتقالهم لعدة ساعات في أحد "الأساطيل" المتواجدة في البحر الأحمر، قبل أن تقوم القوات الأجنبية لاحقًا بالإفراج عنهم بعد أن تأكدت بأنهم خرجوا للصيد ولا علاقة لهم بالمليشيا الحوثية.
وأكدت مصادر خاصة لـ"الصحوة نت"، أن أربعة قوارب خرجت للصيد من منطقة الصليف في محافظة الحديدة الساحلية في العاشر من يناير الجاري، ولم يعُد أيٌّ منها حتى اليوم، فيما فشلت كل محاولات الأهالي في التواصل بهم أو معرفة مصائرهم أو الجهة المسؤولة عن اختفائهم.
ضحايا الحوثيين والبوارج الحربية
يوم الأربعاء الماضي، عثر سكان في إحدى الجزر اليمنية على جثث ثمانية صيادين يمنيين من أبناء محافظة الحديدة، دفهم التيار البحري إلى محافظة حجة شمال غربي البلاد.
وقال مصدر محلي إنه تم العثور على جثث ثمانية صيادين من سكان مدينة الخوخة في جزر "ذو الحراب" بعد مرور أسبوع على اختفائهم، وهم مجموعة من الصيادين من الأربعة القوارب التي خرجوا ولم يعودوا لذويهم.
وتم التعرف على هوية جثث الصيادين من ملامحهم وبعض المقتنيات التي يرتدونها مثل الساعات، لكن كان وجود آثار طلقات نارية على جثثهم مفاجأ ودليلا على مقتلهم في حادث مرتبط بتصعيد مليشيا الحوثي في البحر الأحمر.
وفقا للمصادر "فإن الرياح والأمواج قد دفعت بجثث هؤلاء من قبالة ساحل الحديدة إلى جزر "ذو الحراب" قبالة ميدي غرب محافظة حجة، مرجحة أن "يكون الصيادون ضحايا للعمليات العسكرية في البحر الأحمر حيث تنتشر زوارق مليشيا الحوثي وقوات دولية في المنطقة"، وقد يكون الصيادون قتلوا للاشتباه بأنهم عناصر حوثيون، وربما أقدمت المليشيا على تصفيتهم للمتاجرة بدمائهم وتحميل التحالف المناهض لهم مسؤولية الجريمة.
وبحسب المصادر، فإن الصيادين الذين تم العثور على جثثهم هم (قاسم علي حمادي، إبراهيم حسن محنش، ماجد علي سليمان بهيدر، إبراهيم عبده سالم، أنور فتيني حطاب، زكريا محمد داود منصوب، حمزة عبدالحفيظ، أحمد علي شليف).
تأثر عيش آلاف الأسر
يمثل الصيد نشاطا اقتصاديا حيويا لآلاف الأسر اليمنية، خاصة في المناطق الساحلية، حيث يعتمد عليه ما يزيد عن 100 ألف صياد ونحو مليون شخص من العاملين في قطاعات مرتبطة بالصيد، فيما يقدر إنتاج اليمن من الأسماك بنحو 200 ألف طن سنويا.
لكن هذا النشاط أصبح اليوم يواجه تحديات كبيرة عقب ارتفاع وتيرة الهجمات التي تشنها مليشيا الحوثي على السفن التجارية في البحر الأحمر باستخدام الزوارق المفخخة والطائرات المسيرة والصواريخ والألغام البحرية، وهو ما تسبب بانتشار البارجات والقطع الحربية الدولية على طول المياه الإقليمية اليمنية، تحت مبرر حماية السفن والملاحة الدولية من الهجمات الحوثية.
ويقول "منصور سالم" أحد الصيادين في محافظة الحديدة، لـ"الصحوة نت" إن حركة الصيد شهدت تراجعًا ملحوظًا منذ أواخر العام المنصرم، وإن إجمالي ما تم صيده وإنتاجه من الثروة السمكية خلال هذه الفترة أقل بكثير من النسبة الطبيعية والمعهودة في كل السنوات.
وأعاد سالم ذلك "إلى الأوضاع المتوترة في البحر الأحمر مع عسكرة المليشيا الحوثية للمياه الإقليمية وانتشار البارجات الدولية، وهو ما حال دون تمكن الكثير من الصيادين من الاستمرار في أنشطتهم المهنية في البحر، خوفًا على حياتهم وسلامة قواربهم".
وأشار سالم "إلى أن استمرار مثل هذه التهديدات التي يتعرّض لها الصيادون، والتي أعاقت حركتهم وممارسة الصيد الآمن؛ أدى إلى تدني الصيد وتقليص نشاطه بشكلٍ كبير في محافظة الحديدة وغيرها من المحافظات والمناطق المطلة على ساحل البحر الأحمر".
ارتفاع أسعار السمك
وقد ظهرت تبعات تأثر أنشطة الصيد في اليمن على أسعار السمك والحيوانات البحرية في الأسواق المحلية، حيث ارتفعت أسعار السمك بشكل غير معهود في محافظة الحديدة الساحلية، فيما توشك أن تنعدم في المحافظات الجبلية المجاورة، التي كانت تعتمد كليًا على ما يتم تصديره من الحديدة، والذي تراجع كثيرًا بفعل تعرقل حركة الصيد في البحر الأحمر نتيجة الهجمات الحوثية والانتشار العسكري الدولي في المياه اليمنية.
يشار إلى أن الحكومة اليمنية أدانت هجمات مليشيا الحوثي المتكررة على السفن التجارية والنفطية التي تمر في البحر الأحمر. وقالت إن هذه الهجمات الحوثية تهدف إلى عسكرة المياه الإقليمية اليمنية وتعطيل الملاحة الدولية وإلحاق الضرر بالاقتصاد العالمي.
ويطالب الصيادون اليمنيون وذويهم، جميع الأطراف المعنية والمسؤولة بحماية حقوقهم ومصالحهم وحياتهم، مناشدين "كل من بيده القدرة في ممارسة الضغط على مليشيا الحوثي، حتى تتوقف عن عسكرة المياه الإقليمية اليمنية، والتي ضاعفت من معاناة الصيادين اليمنيين، وأصبحت تشكل تهديدًا مباشرًا على حياتهم ورزقهم، وعلى نشاط الصيد في البلد بشكل عام".