سجلت العملة الوطنية أدنى قيمة لها منذ سنوات أمام العملات الأجنبية، متجاوزة حاجز الـ 1600 ريال لكل دولار، في ظل إجراءات حكومية غير فاعلة، وشحة في العملة الصعبة، تعزى إلى هجمات الحوثيين على المنشآت الاقتصادية جنوبي البلاد وتداعيات مغامراتهم الأخيرة في البحر الأحمر.
وقالت مصادر مصرفية لـ"الصحوة نت"، إن سعر صرف الدولار الأمريكي بلغ في تعاملات محلات الصرافة في المناطق المحررة، يوم الاثنين، 1617 ريالا للبيع، و1610 ريالا للشراء.
وأضافت أن سعر صرف الريال السعودي بلغ أيضا 425 ريالا يمنيا للبيع، و423 ريالا للشراء.
وأوضحت المصادر، أن العملة الوطنية خسرت منذ بداية العام 2024 أكثر من 5 بالمئة من قيمتها، لتضاف إلى ما خسرتها العام الماضي من قيمتها والبالغة 20 بالمئة.
وأكدت المصادر أن سعر الريال اليوم، هو الأدنى مقابل العملات الأجنبية منذ الانهيار المتسارع الذي حدث عام 2018م، إضافة إلى أن هذا التراجع للعملة الوطنية هو الأول الأكبر منذ إعلان نقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022م.
إجراءات غير فاعلة
وعلى مدى أشهر، والسنوات القليلة الماضية، ومنذ انقلاب المليشيا الحوثية في سبتمبر 2014م، والعملة الوطنية في حالة تذبذب مستمرة ارتفاعا وهبوطاً مع سيادة الحالة الأخيرة في معظم الأحيان، إلا أن التراجع الأخير جاء بعد بيان رسمي من المصرف الحكومي قال فيه إنه حصل على الدفعة الثانية من الوديعة السعودية المقررة لدعمه (دون تحديد المبلغ).
وأعلن البنك المركزي، منتصف يناير الجاري، تحويل السعودية الدفعة الثانية من الوديعة المخصصة لدعمه إلى حسابه في البنك الأهلي السعودي.
ونوه البنك بأن "بأهمية هذا الدعم كونه يأتي في ظرف استثنائي وعصيب، وجدد شكره للملكة العربية السعودية على وقوفها الدائم مع الشعب اليمني في مختلف المراحل، وفي كل الظروف"، وفقا للبيان المنشور على موقع الإلكتروني بتاريخ 16 يناير.
وبعد يومين من ذلك الإعلان، تراجعت العملة الوطنية بشكل متسارع، ليُتَدَاوَل الدولار الأمريكي بسعر صرف 1563 في عملية الشراء، ويبلغ سعره في عملية البيع 1575م.
وتدخل المصرف المركزي -حينها- بعرض 40 مليون دولار في مزاد علني في العشرين من الشهر، ما أدى إلى تعافٍ محدود، ليقترب من حاجز الـ1600 مع إعلان البنك بيع المبلغ المعروض الأسبوع الماضي بسعر صرف 1570 ريالاً لكل دولار.
والأحد تجاوز الريال الحاجز الوهمي الأعلى، رغم وقوف اجتماع حكومي برئاسة رئيس مجلس الوزراء الدكتور معين عبدالملك، مطلع الأسبوع الجاري "أمام المتغيرات المتعلقة بتقلبات أسعار الصرف، والإجراءات الكفيلة بتحقيق الاستقرار النسبي لسعر العملة، والسلع الأساسية"، وفقا للوكالة الحكومية.
المضاربة والهجمات الإرهابية
ويعزى تراجع وتذبذب العملة، بشكل متواصل إلى المضاربة من قبل شركات الصرافة، في ظل سيطرة ورقابة محدودة للبنك المركزي، مع تحكم المليشيا الحوثية بأكبر كتلة نقدية أجنبية، مقابل أوراق نقدية محلية شحيحة وتالفة.
وأدى تصعيد المليشيا العام الفائت، بمهاجمتها لموانئ تصدير النفط الخام، إلى تكبيد الحكومة أعباء اقتصادية كبيرة، وخسارتها للسيولة النقدية الأجنبية التي حافظت من خلالها على الخدمات العامة وصرف مرتبات الموظفين، ومع استمرار التوقف بدأت عاجزة عن صرف المرتبات، ما أدى إلى تأخر صرف المستحقات شهر ديسمبر الفائت في قطاعات واسعة.
ومع تصعيد المليشيات الأخيرة، باستهدافها لحركة الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن، بذريعة مناصرة القضية الفلسطينية، تداعيات خطيرة حذرت منها الحكومة وجهات دولية وأممية، خاصة فيما يتعلق بارتفاع تكلفة النقل والتأمين، والذي بدأت آثاره تظهر مؤخرا في انهيار العملة وغلاء أسعار المواد الأساسية حتى في مناطق سيطرة الجماعة التي تدير القطاع المصرفي من خلال سعر صرف ثابت ووهمي، مع مضاربتها بالعملة لصالحها على حساب القطاع الخاص والمواطنين.
اختلالات وانقسام وغياب ولا أفق
يشير الخبير الاقتصادي وفيق صالح إلى أن تراجع العملة الوطنية مجددا وهبوط سعر صرف الريال إلى أدنى مستوى له منذ عامين، جاء على الرغم من استئناف البنك المركزي لعملية المزادات، ورفع مبلغ المزاد الأسبوعي إلى ٤٠ مليون دولار، وكانت تلك المزادات قد توقفت نهاية أكتوبر الماضي.
وقال إن الخطوة الأخير للبنك المركزي "لم تفد في احتواء تدهور الريال، في مؤشر على أن أزمة انهيار العملة في بلادنا ليست متعلقة بشحة السيولة وتوقف المصادر المستدامة من النقد الأجنبي، وإنما يعود إلى وجود أسباب وعوامل أخرى".
وأضاف الخبير صالح في تغريدات على منصة إكس أن "مشكلة العملة ستظل قائمة، ما بقيت الاختلالات الهيكلية في الجهاز النقدي والمالي للدولة".
وأردف: "ستبقى الأزمة المصرفية تتفاقم، ما بقيت عملية الانقسام النقدي قائمة، مع تباين الأنظمة المصرفية، ووجود ثغرات واسعة تمكن الشبكات الموازية والمضاربين من عملية المضاربة، والتلاعب بأسعار الصرف".
وأكد أن الريال هبط إلى أدنى مستوى له منذ ديسمبر 2021م، و"تجاوز الدولار حاجز الـ 1600 ريال، في ظل شحه شديدة من النقد الأجنبي تعاني منها الأسواق وغياب أي أفق للوضع الاقتصادي في الوقت الراهن".
وكان سعر صرف العملة الوطنية مستقر نسبياً عند سقف (260 ريالاً لكل دولار) مع تراجع بسيط، وتذبذب إبان أحداث ثورة 2011م، وما تلاها من مرحلة انتقالي بموجب المبادرة الخليجية، قبل أن تنهار العملة بشكل متسارع ومستمر منذ اجتياح المليشيا الإرهابية المدعومة من إيران للعاصمة صنعاء وانقلابها على التوافق الوطني وسيطرتها على مؤسسات الدولة لتخسر العملة أكثر من 500 بالمئة من قيمتها في ظل استمرار الحوثيين في حربهم للعام التاسع على التوالي.