التكوين القتالي والإجرامي لمليشيا الحوثيين الإرهابية انعكس على سلوكها بشكل دائم، فمنذ ظهورها كمجموعة صغيرة في منطقة مران بمحافظة صعدة وحتى اليوم وهي تشعل الحرب تلو الحرب، ولأجل استمرار الحرب وسفك الدماء فقد نقضت كل العهود والمواثيق التي كانت طرفا فيها بغرض التهدئة، كما أنها ظلت ترفض كل المبادرات والجهود الإقليمية والدولية الرامية لوقف الحرب وتحقيق السلام.
لا تقتصر حروب مليشيا الحوثيين على الشعب اليمني بمختلف مكوناته فقط، وإنما تتحدى أيضا دول الجوار والقوى العظمى في العالم، وتهدد الجميع بالحرب في الداخل والخارج، ولو أنها تمتلك إمكانيات عسكرية كبيرة ومدمرة لخاضت حروب إبادة ضد الشعب اليمني ودول الجوار ولشكلت خطرا كبيرا على بعض دول العالم، فهي الآن تستعدي الجميع بالرغم من محدودية إمكانياتها العسكرية، لكن نهجها القائم على العنف والإجرام يجعلها غير مستعدة للتعايش مع الشعب اليمني ولا مع دول الجوار وبقية دول العالم.
ومن أبرز حروب مليشيا الحوثيين: حروب صعدة الست، والحروب مع القبائل اليمنية التي حاولت التصدي لها إثر محاولتها التوسع خارج محافظة صعدة والتقدم نحو العاصمة صنعاء تمهيدا للانقلاب على السلطة الشرعية، ثم الانقلاب وحروب محاولات التوسع بعد الانقلاب في بقية محافظات الجمهورية، وشن غارات على السعودية بعد تدخلها العسكري لمساندة السلطة الشرعية، وتهديد الملاحة الدولية عبر البحر الأحمر خدمة لإيران ولكن تحت لافتة نصرة قطاع غزة ضد الاحتلال الصهيوني، فضلا عن حروب أخرى متفرقة واغتيالات وصراع أجنحة داخل المليشيا نفسها، وإذا كانت تلك المليشيا لا تتعايش مع نفسها، فكيف ستتعايش مع اليمنيين ومع دول الجوار والعالم أجمع؟!
- حروب صعدة الست
• الأولى: يونيو - سبتمبر 2004
اندلعت الجولة الأولى من حرب صعدة في 18 يونيو 2004 بين الجيش الرسمي ومليشيا الحوثيين بعد اتهام الحكومة لحسين الحوثي بإنشاء تنظيم مسلح على غرار حزب الله اللبناني واستغلال المساجد للتحريض على الإرهاب.
وكانت محاولة إلقاء القبض على حسين الحوثي بمنزلة الشرارة الأولى التي أشعلت نيران الحرب التي استمرت شهرين و22 يوما، وكان مسرح العمليات يقتصر على عزلة مران وعدد من المناطق المجاورة لها في مديرية حيدان، وكانت رقعة المواجهات تمثل 15 في المئة من إجمالي مساحة محافظة صعدة
وكان من أبرز قيادات هذه الحرب من الجانب الحوثي حسين بدر الدين الحوثي وصديقه عبد الله عيضة الرزامي، وبلغت الخسائر البشرية من الطرفين 1300 قتيل بينهم 200 من المدنيين، وما يقارب من 1600 جريح بينهم 100 مدني، بالإضافة إلى نزوح 15 ألف مواطن من أبناء المحافظة، وتجاوزت الخسائر المادية للجولة الأولى من حرب صعدة 600 مليون دولار، وفقا لتقرير جهاز الأمن القومي اليمني.
توقفت المعارك في 10 سبتمبر 2004، إثر إعلان الحكومة اليمنية مقتل حسين بدر الدين الحوثي، وكانت تلك نهاية ما عرف بالحرب الأولى.
• الثانية: مارس - مايو 2005
اندلعت حرب صعدة الثانية في 19 مارس 2005، عقب مواجهة بين أفراد الجيش الرسمي ومليشيا الحوثيين في منطقة آل شافعة.
وكانت رقعة المواجهة في هذه الحرب قد شملت 20 في المئة من إجمالي مساحة محافظة صعدة، وشملت العمليات مناطق متعددة من مديرية الصفراء، نشور، ومنطقة آل سالم من مديرية كتاف، ومناطق مختلفة في مديرية سحار منها آل الصيفي وبني معاذ وأطراف من مديرية جُماعة.
وكان من أبرز القيادات الحوثية في هذه الجولة من الحرب عبد الله عيضة الرزامي، وبدر الدين الحوثي كرمز معنوي للقيادة، ويوسف المداني كأبرز القيادات الميدانية للمليشيا في منطقة آل سالم.
لم تتجاوز الحرب الثانية أكثر من نصف شهر، وبلغت الخسائر البشرية في الجيش والمدنيين 525 قتيلا وحوالي 2708 جرحى من القوات المسلحة والأمن العام والمتطوعين والمواطنين ممن ليست لهم علاقة بأطرافها، حسب تقرير لوزارة الداخلية، وبلغت الخسائر المادية خلال الحربين الأولى والثانية 525 مليار ريال يمني.
وفي مايو 2005، عرض رئيس البلاد حينها، علي عبد الله صالح، عفوا رئاسيا عن المتمردين شريطة أن يسلموا أنفسهم ويوقفوا إطلاق النار، لكن الحوثيين رفضوا العرض واستمرت المناوشات بين الطرفين، وأصدرت الحكومة اليمنية بيانا تلوم فيه المتمردين على مقتل 522 مدنيا وجرح 2708 آخرين وخسائر اقتصادية تقدر بـ270 مليون دولار.
• الثالثة: نوفمبر 2005 - يناير 2006
اندلعت حرب صعدة الثالثة إثر نصب مليشيا الحوثيين كمينا بمنطقة الخفجي القريبة من مدينة صعدة، وتتبع قبائل ولد مسعود بمديرية سحار، واستهدفَ مسلحون في الكمين ثلاث سيارات عسكرية، مما تسبب بمقتل خمسة أشخاص ممن كانوا على متنها، وإصابة 13 آخرين، صباح 28 نوفمبر 2005.
وامتدت رقعة المواجهات لتشمل 25 في المئة من المساحة الإجمالية لمحافظة صعدة، وشملت العديد من المناطق والمديريات كمديرية سحار، والصفراء، وآل سالم، وساقين، وحيدان، ومجز، وغيرها من المناطق، وكان أبرز قائد ميداني في هذه الحرب هو الإرهابي عبد الملك الحوثي.
استمرت هذه الحرب ثلاثة أشهر، وانتهت في 28 فبراير 2006، من خلال عملية الصلح والحوار التي وقعها من الجانب الحكومي يحيى الشامي، محافظ محافظة البيضاء، ومن الجانب الحوثي عبد الملك الحوثي، وشملت عملية الاتفاق بعض التنازلات التي قدمها الجانب الحكومي من أجل تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات الرئاسية والمحلية.
• الرابعة: يناير - يونيو 2007
اندلعت الحرب الرابعة في 27 يناير 2007، إثر استهداف مليشيا الحوثيين بعض المواقع في مذاب آل عمار ونصب كمين لقافلة عسكرية على الخط في آل عمار، ومواقع في البركة ودخشف وكهلان.
وكان من أبرز القيادات الحوثية في هذه المواجهات، التي استمرت أربعة أشهر ونصف الشهر، عبد الملك الحوثي وعبد الله عيضة الرزامي.
وتوسعت العمليات لتشمل 75 في المئة من المساحة الإجمالية لمحافظة صعدة، شملت مديريات رازح، وغمر، وقطابر، بالإضافة إلى مناطق أخرى في مديريات حيدان، وساقين، وباقم، وسحار، ومجز، والصفراء، وكتاف.
ووفق تقديرات ميدانية حينها، فإن إجمالي الضحايا في الحرب الرابعة حوالي 500 قتيل من أفراد القوات الحكومية والقبائل المساندة لها، وإصابة ما يزيد على 700 فرد، في حين تجاوزت الخسائر من جانب الحوثيين منذ بداية المواجهات وحتى الحرب الرابعة 1200 قتيل.
• الخامسة: مارس - يوليو 2008
اندلعت حرب صعدة الخامسة في 29 أبريل عندما قتل 7 جنود في كمين نصبه الحوثيون، وانفجرت قنبلة في 2 مايو بعد صلاة الجمعة خارج مسجد ابن سلمان في صعدة، وقتل جراء الانفجار 15 شخصا وجرح 55 آخرون، واتهمت الحكومة الحوثيين بالوقوف وراء الحادث. وفي مايو، قتل 13 جنديا و26 من الحوثيين، وتوقفت الاشتباكات في 17 يوليو 2008، عندما أعلن الرئيس علي عبد الله صالح وقف إطلاق النار.
• الحرب السادسة: أغسطس 2009 ـ فبراير 2010
اندلعت هذه الجولة من حرب صعدة في 11 أغسطس 2009، حينها أعلن مسؤول يمني عن ضبط قارب محمل بمضادات للدبابات عليها 5 إيرانيين لمساعدة الحوثيين، ودخلت السعودية على خط المواجهات بعد قصف الحوثيين مواقع عسكرية سعودية بالقرب من حدود المملكة مع اليمن.
- خسائر حروب صعدة
بلغت خسائر حروب صعدة الست نحو مليار ريال يوميا، أي خمسة ملايين دولار تقريبا، وفق تقديرات الحكومة اليمنية، وهذا يفرض عبئا كبيرا على الدولة اليمنية التي مواردها محدودة.
أما أعداد القتلى، فكان بالآلاف من الجانبين، ومثلهم من المصابين والمعاقين والمشردين، وهي أرقام مهولة كلفت الاقتصاد اليمني المنهك أصلا مزيدا من الإنهاك.
- الانقلاب على السلطة الشرعية
بعد نهاية حرب صعدة السادسة، ظلت مليشيا الحوثيين تعمل وتعد العدة لإشعال حروب جديدة، وبدأت بالسيطرة التدريجية على بعض المناطق بقوة السلاح وشراء الولاءات، حتى تمكنت من دخول العاصمة صنعاء والانقلاب على السلطة الشرعية في سبتمبر 2014.
والمثير في سقوط العاصمة صنعاء أن الأحداث فيها كانت متسارعة وبشكل غير متوقع، ولم تأخذ وقتا طويلا كما حدث في عمران التي استمرت المواجهات فيها أكثر من شهرين، فالحوثيون الذين سيطروا على منطقة شملان شمال صنعاء، بعد مواجهات مسلحة أسفرت عن سقوط أكثر من 272 قتيلا وأكثر من 680 جريحا، لم يتوقفوا، بل كان ذلك مدخلا لمواصلة هجماتهم باتجاهات مختلفة، وأشعلوا حربا شاملة في كثير من محافظات الجمهورية.
- خسائر الحرب والانقلاب منذ سبتمبر 2014
لا توجد إحصائيات محدثة وشاملة عن خسائر الحرب في اليمن التي أشعلتها مليشيا الحوثيين منذ بداية الانقلاب وإلى الآن، وما توفر سابقا من تقارير أممية وغيرها فإنها تكشف عن أرقام مهولة فيما يتعلق بالخسائر البشرية والمادية الناجمة عن الحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثيين.
ففي نوفمبر 2021، قدر تقرير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن تتسبب الحرب في اليمن بحلول نهاية العام 2021 بمقتل 377 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر، بعد سبع سنوات على اندلاعها حتى ذلك التاريخ.
وقال التقرير "وجدنا أنه عند نهاية عام 2021، سيكون الصراع في اليمن قد أدى إلى 377 ألف وفاة، ما يقرب من 60 في المئة منها (نحو 226200) غير مباشرة". والوفيات المباشرة هي تلك التي تسبب بها القتال، ونسبتها 40 في المئة من الحصيلة، بما يعني أن عددها 150800.
وتسبب الوفيات غير المباشرة "مشاكل مرتبطة بالنزاع مثل عدم الحصول على الغذاء والمياه والرعاية الصحية، وهذه الوفيات تطال بشكل كبير الأطفال الصغار المعرضين بشكل خاص للنقص وسوء التغذية". وذكر التقرير أنه في عام 2021، يموت طفل يمني دون سن الخامسة كل تسع دقائق بسبب النزاع.
وأدت الحرب التي أشعلتها المليشيا الحوثية إلى تدمير البنية التحتية وانهيار الاقتصاد ووضع ملايين الأشخاص على حافة المجاعة، وسط عجز دولي عن وقف آلة الحرب رغم المساعي الدبلوماسية المستمرة.
وحذر التقرير المذكور من أن النزاع على السلطة بين الحكومة والمتمردين الحوثيين سيتسبب بوفاة 1.3 مليون شخص إذا استمر لعقد إضافي وستزداد معدلات الفقر.
وجاء في التقرير "إذا استمر الصراع حتى عام 2030، سيودي بحياة 1.3 مليون شخص بحلول ذلك العام"، ولن تحدث الوفيات "بسبب القتال، ولكن بسبب الآثار الثانوية للنزاع على سبل العيش وأسعار المواد الغذائية وتدهور الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم".
وتوقع التقرير الأممي أن ترتفع نسبة الوفيات بسبب العوامل الثانوية "إلى 75 في المئة بحلول عام 2030، إذا استمرت الحرب". كما توقع التقرير أن يبلغ عدد الأشخاص الذي يعانون من سوء التغذية 9.2 ملايين بحلول عام 2030، فيما "سيرتفع عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر مدقع إلى 22 مليونا، أي 65 بالمئة من السكان".
وبحسب التقرير، فقد تسبب النزاع "في خسارة اليمن 126 مليار دولار أمريكي من النمو الاقتصادي المحتمل"، معتبرا أن "الوضع يستمر في الانهيار".
- استغلال حرب غزة للتصعيد في الداخل
وبعد الانقلاب والحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثيين طوال السنوات الماضية، استغلت المليشيا العدوان الصهيوني الوحشي على قطاع غزة في فلسطين لتحقيق أجندتها الانقلابية، وبدأت إطلاق حملات تجنيد في صفوفها بذريعة مساندة فلسطين، وخصصت مبالغ مالية للاستقطاب في المحافظات التي تسيطر عليها، ما يعني أنها تستعد لإشعال مزيد من المعارك في الداخل، وبدأت بالفعل بحشد مقاتلين وأسلحة إلى بعض الجبهات، ولن تتوقف عن الحروب وسفك الدماء حتى تفنى هي أو يفنى الآخرون.