مثلما لايمكننا موضوعيا فهم أبعاد ومستويات التعاون والتنسيق الاستراتيجي بين الحوثية والقاعدة في اليمن الا من خلال التعريج على فهم وإدراك حقيقة "الجهادية العالمية" وما يجمعهما؛فإن التطرق إلى الإستراتيجية الإيرانية وشعار الحرب على الإرهاب يمثل محور إلتقاء الطرفين،ومن خلالها تتوحد الطرق ونتعرف على الإرهاب ك"علة" وداء من خلال الآتي:
ثانيا: في الجهادية العالمية:
-----------------------------------
إن الجهادية الشيعية"=الحوثية ومن على شاكلتها"، وتلك التي تنبع من اصول مذهبية سنية"=القاعدة ومن إليها ايضا" يمتحان من المعين الفكري السياسي ذاته،والذي يعتمد "الجهاد" بوصفه السياسة الوحيدة الشرعية والرشيدة معا اليوم،إذ هو وحده الذي يقود إلى ظهور العدل الإلهي وتحقيقه،والذي يعني حكم الله وإرادته مع فارقين:الأول :-أن العدل في الجهادية الشيعية مرتبط بظهور ال"مهدي"،وهذا اعتقاد خاطئ بالضرورة،والثاني:-أنها أي الجهادية الشيعية أضحت تتجسد بدولة كبيرة وغنية"=إيران"،أي ليس بأفراد أو مجموعات أو تنظيمات مقاتلة مبعثرة حول العالم ك"القاعدة"وداعش"،ومن على شاكلتهما،وغايتها تعبيد الطريق لعودة "المهدي المنتظر"وتعميم البشارة بإقامة عدل الله في الأرض(=فكر خاطئ)،حسب فكرة وتوصيف برهان غليون مع الإضافة والتحوير والتشديد مني.
لذلك بينما بقيت حركات الجهاد السنية منظمات مقاتلة تعمل بأسلوب العصابات والتنظيمات الإرهابية التقليدية،التي عرفتها الكثير من الدول العربية والغربية نفسها اثناء ازماتها الأيدلوجية الكبرى،او الفتنة الشيوعية،فقد أنتجت الجهادية الشيعية حالة قريبة جدا من حالة الحروب الصليبية بدايات الألف الثاني للميلاد،-يقصد برهان غليون ما كان يسمى فرسان المعبد وطريق الحجاج الدموي الذي أراقته إلى القدس-،وأطلقت من ثم ظاهرة الفتح والغزو باسم الدين؛حيث الدين هنا أضحى مذهبيا وطائفيا بامتياز.
وما يجمع الفريقين="القاعدة والحوثية/أو الجهادية الشيعية والسنية" هدفان مشتركان:الأول:-الصدام مع الغرب قاعدة عالم الكفر ومجسد قيمه،والثاني:-النزعة العالمية والعمل على الصعيد الجيواستراتيجي وعدم إيلاء أي أهمية للحسابات الوطنية والإنسانية،-حسب تنظيرات غليون-،وهذا هو أصل تعاون الحوثية والقاعدة واساس تنسيقهم وفعل التخادم القاتل. فالجهادية العالمية ليست البنت الشرعية للسلفية الإحيائية التقليدية،وإنما ثمرة انحراف طرأ على مجموعة من شبابها في سياق زجها في الصراعات الدولية وفصلها عن بيئتها الإجتماعية والثقافية،واستخدامها لأغراض سياسية في الحرب الأفغانية قبل التخلي عنها والسعي للتخلص منها.
والولاء للجماعة التي ينظرون إليها اساسا كجماعة دينية حربية أو محاربة هو الأساس والإنتماء الصميمي،وبالتالي فقوتها الإنفجارية التي جمعت الإيمان الديني،والتضحية من أجل الجماعة،وتقنيات العمل الإرهابي المنظم،والقضية:أي سردية الغدر والخيانة التي تمثلت في استخدامها من قبل الغرب لتحقيق غايات خاصة ثم رميها كنفايات،وجمعها رجال من أكثر من ٤٠ قومية وتقديمها لهذه"الأممية الجهادية"منصة لولوج عالم الكبار والدخول في الصراعات الدولية بشكل رئيسي.
وعليه فالجهادية العالمية بشقيها الشيعي والسني لا تنتمي إلى عالم السياسة وإنما إلى عالم الحرب وتسير بهدي منطقه ومقتضياته،فهي من حيث المبدأ ترفض السياسة وتعتبرها عملا خسيسا وغير مجد،وتؤمن أن السلطة في فوهة"البندقية"،وبالتالي فتحطيم الدولة القائمة وفيما وراء ذلك نظام"الإمبريالية"العالمية هدف مشترك لكليهما معا،وإرهابا ينتهل من نفس النبع،أي المماهي بين الحرب والدين الذي أصبح طائفيا بامتياز،حسب تنظير غليون وأفكاره الفذة،مع بعض الإضافة والتشديد والتحوير مني.
فالأمر لايتعلق هنا بحركة دينية سلفية او محافظة،ولا بحركة سياسية من أجل سلطة ودولة،ولكن بحركة وتنظيمات إرهابية تماهي كليا بين الحرب والطائفة،وهذا هو ما يعنيه الجهاد كما تستخدمه،اي بوصفه واجب ديني بحد ذاته أولا.
كما ان معظم الدراسات الغربية حول الجهادية تنطلق من محاولة تفسير العمليات الإرهابية الفردية التي تحصل في تلك البلدان،فيركزون على التطرف الديني وانتشار الفكر السلفي،والواقع أن هذه العمليات لا تشكل الا أحد آثار هذه الظاهرة الجهادية لا جوهرها،إذ تعبر عن الأثر الذي تحدثه في بعض الأوساط الإجتماعية المحتقنة والضائعة التي تسعى من خلال نسبة عملياتها إلى الجهاد أن تعطي لها دلالة دينية وأيدلوجية تبرر ارتكابها،بينما هي مجرد ظواهر اجتماعية لأفراد انخلعوا من مجتمعاتهم لأسباب مختلفة،ليس هنا مجال تبيانها. بيد أن الظاهرة الجهادية الفعلية لا تفهم الا في إطار الصراعات الجيواستراتيجية والجيوسياسية والعلاقات بين المجتمعات،هكذا ينظر غليون لها.فما يجمع الحركات والمنظمات الإرهابية"=القاعدة ومن إليها والحوثية ومن على شاكلتها" استراتيجيا وأيدلوجيا أكبر مما يفرقهما تكتيكيا،بل لا يكاد يوجد بعد إمساك إيران بتلابيبهما وخلقهما من العدم معا.
ثالثا:في الإستراتيجية الإيرانية أو إيران ومنظمات القاعدة والحوثية وامثالهما:
---------------------------------------------
إن الحرب على الإرهاب تضع في سياق واحد مجموعة مختلفة من الاستراتيجيات الرامية إلى إعادة هيكلة الحقل الجيوسياسي الدولي،بما يمكن إيران من أن ترسخ هيمنتها العالمية والإقليمية ويقدم لقوى إيران فرصة إعادة موضعة نفسها،ومن وراء ذلك إعادة الترتيب والهيكلة الاستراتيجية لمناطق النفوذ العالمية المختلفة،تحت غطاء قانوني وأخلاقي مقبول من الجميع،-اي هكذا تعتقد وتسير بتلك السياسة-،إذ ليس القضاء على الإرهاب هو الأمر الأهم في هذا الإطار الإستراتيجي،بل إن الإرهاب هو الأسم الحركي والجديد لحرب السيطرة الكونية والإقليمية والمبرر الأساسي لها.إذ الحرب العالمية على الإرهاب تتغذى نفسها من المقاومة اليائسة،أو التي لايمكن أن تكون الا كذلك للذين يواجهون حرب السيطرة والإخضاع،لذلك لاتساهم المقاومة في كسر ديناميكية التوسع المستمر والتمدد الإمبراطوري"=الأمريكي"،والإيراني معا الذي يدفع إليه الشعور بالقوة والملاءة الإستراتيجية والمبادرة التاريخية،حسب تنظير عالم الإجتماع برهان غليون مع بعض الإضافة والتحوير والتشديد مني،بل بالعكس إن إيران تستخدم الحرب على الإرهاب عالميا إلى تبرير هذا التوسع والخروج على المعايير والقيم والشرائع الدولية معا.
لذا نرى إيران تستخدم الحرب ضد الإرهاب ك"مناورة استراتيجية"،وإطارا للتعبئة وللمشاركة الفكرية والسياسية والعسكرية والأمنية الواسعة،ليس لأن الحرب ضد الإرهاب شعارا دوليا عاما ومقبولا،بما في ذلك في اوساط الرأي العام الدولي وداخل الدول العربية المستهدفة نفسها فحسب،بل وجعل الأجندة الخاصة اجندة للسياسة الدولية عموما،وتحويل الحرب ضد الإرهاب إلى استراتيجية ناجعة لبسط النفوذ وتأمين السيطرة الإقليمية والنفوذ العالمي،من قبيل عمليات اضفاء الشرعية الأخلاقية والسياسية والجيواستراتيجية عليها،والمكانة التي تحتلها في اجندة السياسة العالمية،والمهام التي تنطوي عليها،والأهداف المرحلية التي تحدد لها الوسائل التي تعتمدها الأطراف المشاركة فيها.إذ في هذا التموقع داخل مناورة حرب الإرهاب الاستراتيجية الكبرى،او في الرد عليها تتبلور عناصر الموارد المادية والمعنوية والبشرية المشتركة؛في الإقتصاد وفي القيم السياسية وفي المكانة الأدبية والرمزية،وبوصفها مناورة جيواستراتيجية كبرى لإعادة ترتيب الشرق الأوسط ووضع الدول الكبرى دوليا وإقليميا الأخرى الطامحة في بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب أمام الأمر الواقع.
إن استغلال إيران للراي العام العالمي عربي وغربي على حد سواء الرافض للإرهاب الدولي يظهر استراتيجياتها كأنها تتناقض مع ذاتها،إذ تموضع نفسها داخل منظومة إدعاء محاربة الإرهاب من جهة،بينما هي تقوم بتبيئته وخلق الظروف له؛حيث إرهابها والتنظيمات المرتبطة بها تسعى إلى تثبيت أقدامها بادعاء محاربته،ونقله إلى مستوى اشد ديناميكية وعنف،إذ أنها تنتزع لنفسها الحق من الرأي العام الدولي في وضع اجندة السياسة الدولية والإقليمية،وتضع تلك الأجندة أمام ارهابها الذي يفوق القاعدة وداعش،باسم محاربة الإرهاب تارة،وباسم محور المقاومة والممانعة تارة اخرى،واخيرا باسم الأمن والسلم الدوليين وحرية التجارة البحرية،ودعم غزة وهلمجرا،وهي بهذا تعمل على زعزعة عوامل مناهضة هذه الاستراتيجيات المتخفية في ثنايا كل ذلك،أي تسعى لتدمير استراتيجي للإستراتيجية السياسية والأيدلوجية المناهضة لاستراتيجيات الظلام الأمبراطورية التي تعتمرها عربيا.
إذ أن قانون الإمبراطورية يتلخص في أنه إذا لم يكن من الممكن ضمان الاستقرار الذي يساير مصالح الدول الكبرى عالميا أو المركزية والقائدة والمهيمنة إقليميا ويضمنها؛فليس هناك وسيلة أفضل لتأكيد القوة وتحقيق السيطرة والاستمرار من نشر الفوضى وتعميمها.
ومثلما يختزل نظام الأمبراطورية الإيرانية اجندات ثلاث ويشير لأولوياتها التي هي :تأكيد القيادة الإيرانية،والإحتفاظ بالقوة ،وبسط النفوذ والتوسع الخارجي؛فإنها تسعى بتعميم تلك الفوضى إلى اجبار الحلفاء انفسهم على الإلتحاق بها والقبول بمشروعها واجنداتها الاستراتيجية،والسعي من خلال جرهم إلى حروب تعزلهم عن الآخرين،وتفضي إلى الإلتفاف حول طهران عينها،وصولا لتحويل اذرعها لتنفيذ سياسات قومية واستخدام الإرهاب للتدخل في النزاعات،واحتلال موقع القيادة فيه،وتعزيز المصالح القومية المتطرفة والأمنية والاستراتيجية من ثم. بعبارة أدق تبتغي نقل الصراع من كونه صراعا تناقضيا،إلى كونه صراعا داخل نظام سيطرة الأمبراطورية الموحد ذاته،وبهذا فهي عمليا تبتغي نقل القيادة الإيرانية للإقليم"=اقليم الشرق الاوسط او العالم العربي" من حالة المشروع إلى حالة الممارسة الفعلية التاريخية،أي نظام الأمبراطورية.
وهذا هو مايفسر علاقاتها مع القاعدة ابتداء من العراق وتحالفها والتقائها مع نظام بشار الأسد الذي استخدما القاعدة ونسختها المحدثة"داعش"هناك لزعزعة النفوذ والغزو الأمريكي وفتح مقر للقاعدة في طهران منذ اكثر من ٢٠عاما،واستخدامها تلك الفصائل والمنظمات الإرهابية في تعميم فوضاها داخل سوريا إبان ثورة السوريين ٢٠١١،وفي لبنان لتطويع الطبقة السياسية والخضوع للسيطرة الإيرانية،وتبادل المواقع والدعم واللوجيست هناك،وكانوا ادوات واذرع للنظامين الايراني والسوري ضد الفصائل السورية واللبنانية المناهضة لكليهما،وصولا لتفسير علاقة الحوثية والقاعدة يمنيا،إذ أن نظام الأمبراطورية الإيرانية يتطلب ذلك، ناهيك عن تفسير الإنقلاب في عقيدة الجهاديين بشقيهم سنة وشيعة،كما اسلفنا توضيحه،علاوة على كون هذا التعاون والحلف الموضوعي والتنسيق الاستراتيجي بين الجهاديين بشقيهم السني والشيعي هو اساس الخطة الجديدة لاختراق امن ومجتمعات الدول العربية،واجبار الدول الكبرى على الالتفاف حول طهران والاعتراف بمشروعها وقيادتها وهيمنتها الظلامية ككل.
وكما أن لحجم ووزن إيران وموقعها في النظام الدولي من أثر وتأثير فإنها تبتغي إلقائه في خضم زعزعة التوازنات الدولية وبث الفوضى والاضطراب فيها،ذلك لأن حجمها ووزنها وموقعها قادر على تغيير وجهة الوقائع،وتجميد الأوضاع،أو تبديلها لصالح فئات وتنظيمات ومليشيا عنف وجماعات ومنظمات ارهابية تدور في فلكها،وبالتالي تجعل من نفسها قيمة على السياسة الدولية والإقليمية،الأمر الذي يجبر الدول والنظام الدولي ومنظمات الأمم المتحدة على أن تعمل وفقا للوقائع والحقائق على الأرض،أي مايسمى سلطات الأمر الواقع،الذي هو اسم ملطف وحركي لحقيقة النفوذ والهيمنة والسيطرة الإرهابية والظلامية.
كما ترمي تلك الأمبراطورية الإيرانية ونظامها الظلامي إلى افقاد العالم العربي لاتساقه ووحدته وتحوله إلى إمارات متناقضة ومتنافسة على تقديم الولاء والخدمات للقوة الأمبراطورية الجديدة والصاعدة في المنطقة.فضلا عن كل ذلك فإن الاستخدام غير القانوني وغير المشروع للعنف والارهاب في سبيل اقامة سلطة سياسية مرتبطة بها او تابعة لها هو جوهر منطق الاستعمار الذي طبع تكوين الدول والنظم السياسية،فإخضاع الشعب اليمني وبقية الشعوب العربية وتحييد إرادتها وكسر ناموسها يتطلب اندماج واندغام كامل لكل مصادر القوة المنفلتة التي كانت تستنقعها القاعدة مع الجهادية الشيعية العالمية والحوثية واحدة منها،خصوصا بعد ما بدت الحوثية واخواتها عاجزة عن فعل ذلك بالمطلق،وهذا يعني تعميم لمفهوم القيادة الإيرانية وتغيير في طبيعة وممارسة هذا الدور،أي فرض الرأي واملاء الإرادة الإيرانية على الجميع.
وعلى ضوء نتائج هذا الصراع وتلكم الحروب الدائرة والفوضى المعممة،واتساع حجمها ورهاناتها وتعبوية اهدافها،والإمساك بخيوط لعبة الإرهاب بشقيها يتوقف مصير إعادة تأكيد القيادة الإيرانية من حيث المضمون ومن حيث المشروعية،أي فرض التبعية الاستراتيجية على جميع الدول المنافسة أو المحتملة وابقائها تحت السيطرة،فانتزاع المبادرة السياسية والايدلوجية هو من اجل تصفية جميع المقاومات القائمة والمحتملة للسيطرة الإيرانية،وفرض الطاعة والخضوع على المجتمع الذي تتضارب مقاومته مع اهداف استراتيجية بسط النفوذ الأمبراطوري الإيراني.فإيران أضحت تنافس اسرائيل على أن تكون المدرسة الإقليمية والإستعمارية لتعليم الإرهاب وتعميم استخدامه،إذ ترمي وتدفع بذلك المجتمعات والقيادات العربية والوطنية إلى موقف الإستقالة السياسية،وضرب قاعدة القانون والحق والسيادة الدولية،وبالتالي ترتيب اوضاع العالم العربي الجيوسياسية والسياسية بما يسمح لها بالبقاء الدائم والمنفرد على حساب الدول الإقليمية الأخرى وتحويله إلى مسرح اضافي من مسارح حرب السيطرة الإقليمية والكونية على حد سواء،وتحديد اجندة السياسة العالمية في المنطقة.
ملحوظة:اغلب الأفكار هنا محورة ومقتبسة ومستلة من افكار وكتابات عالم الإجتماع المعروف برهان غليون،مع الإضافة والتحوير مني احيانا.
كما أن الجهاد هنا نستعمله بوصفه شكلا من اشكال الحرب.