تسع سنوات عجاف مرت على المعلمين كعمر كامل، جراء انقطاع مرتباتهم وتعرضهم للإهمال والاستبدال والعديد من الممارسات التعسفية التي لا تنتهي بالفصل النهائي والطرد من وظائفهم السامية.
وكان المعلمون أكثر الفئات احتجاجا وتنظيما ومطالبة بالحقوق، ولا يزال صوتهم هو الأعلى في وجه ميليشيا الحوثي التي هربت من حراكهم الأخير، إلى افتعال حروب خارجية، تقيها غضب المعلمين ومعهم عموم الشعب الرافضين لممارساتها الإرهابية.
ومنذ حوالي أربعة أشهر، نفذ المعلمون في صنعاء، وقفات احتجاجية وفعاليات وإضرابات مطالبة بصرف مرتباتهم.
ورفع المعلمون في وقفاتهم واحتجاجاتهم لافتات مناهضة لسياسة التجويع، ورددوا شعارات تطالب بصرف كافة رواتب التربويين في مناطق سيطرة جماعة الحوثي المتوقفة منذ أكتوبر 2016م.
فصل تعسفي
وبدلا من الاستجابة لمطالب المعلمين، ردت جماعة الحوثي على هذه الاحتجاجات بعدة إجراءات منها القيام بفصل 8 آلاف معلم بشكل تعسفي دون مبرر قانوني في أغسطس ٢٠٢١.
وفي أغسطس ٢٠٢٢ أقدمت على فصل أكثر من 20 ألف معلم بحسب مصادر تعليمية في صنعاء، واستبدلت غالبيتهم بكوادر موالية لها غير مؤهلة، وهو ما اعتبرته مؤسسات تربوية وحقوقية " عبث بمستقبل اليمن ستكون له تبعات اجتماعية وإنسانية كارثية.
وفي السياق قال مصدر في مركز الإعلام التربوي بصنعاء، لـ"الصحوة نت"، إن عقوبة الفصل صارت مؤخرا تتخذ لأتفه الأسباب مثل الغياب لأيام أو عدم حضور محاضرات زعيم الجماعة "عبد الملك الحوثي" أو تفويت فقرة من الكتب تمجد شخصية حوثية".
وأضاف بأنه في حال اتخاذ قرار الفصل، فإن "البديل" غالبا ما يكون جاهزاً، ويكون من الموالين للحوثي.
وأوضح المصدر الذي طلب عدم كشف هويته لدواعي أمنية "أن سياسة الفصل التعسفي واتخاذ الإجراءات العقابية المشددة قد ساهم بشكل كبير في اهتزاز صورة المعلم لدى التلاميذ، حتى أصبح محل سخريتهم، وصار من السهل على أي طالب أن يتطاول على المعلم باللسان أو الضرب، وهو بالضبط ما تريده قيادة وزارة التربية الحوثية.
وتابع: "نحن في مركز الإعلام التربوي صار لدينا قناعة بأن هذه السلطة التي على رأس الوزارة حاليا تريد تدمير المعلم والتعليم تماما كي تفسح المجال للتعليم الموازي المتمثل في المراكز الصيفية والدورات الطائفية".
اختطافات
كذلك استخدمت جماعة الحوثي المصنفة "جماعة إرهابية" الحل الأمني لإسكات المعلمين المطالبين برواتبهم، فاعتقلت رئيس نادي المعلمين اليمنيين "أبوزيد الكميم" من منزله بصنعاء في أكتوبر 2023 بعد محاصرته وترويع أسرته، وتم اقتياده لجهة مجهولة في ظل أنباء تتحدث عن تدهور حالته الصحية، وجاء اعتقال الكميم بعد شهرين من تأسيس " نادي المعلمين" وهو الكيان الذي تصدر الاحتجاجات، ووجهت الميليشيا له تهمة التخابر مع "العدوان" وهي التهمة التي ترميها لجميع المعارضين والرافضين لسياساتها التدميرية بحق اليمنيين.
وعلى ذمة الاحتجاجات قامت الميليشيا الإرهابية في أغسطس ٢٠٢٣ باقتحام عدد من المدارس في محافظة المحويت وتحديدا في مديرية بني سعد، واعتقلت المعلمين المضربين عن العمل بعد مطالبتهم بتسليم مرتباتهم.
جمود يقتل
ومؤخرا دخلت احتجاجات المعلمين مرحلة "الجمود" بحسب وصف الأستاذ "جميل العزي" الموجه في مكتب التربية والتعليم بمحافظة مأرب، وأرجع العزي سبب الجمود إلى الغلظة التي واجهت بها جماعة الحوثيين احتجاجات المعلمين، ومنها كثرة الاعتقالات وطول مدتها، والتعقب الأمني، والفصل لأي عضو مشارك في الفعاليات، وكذلك استغلال الحوثيين لأحداث غزة لضرب مناؤيهم واتهامهم بأنهم عملاء يريدون النيل من أحد أعمدة المقاومة المزعومة خدمة لليهود، وهو الاتهام الذي رغم سخافته، إلا أنه للأسف يلاقي قبولا عند البسطاء والجهلة".
ويعتقد العزي بأن فترة الجمود مؤقتة، وستعود شرارة الاحتجاجات للاشتعال مجددا إذا استمر التجاهل الحالي لمطالب المعلمين من قبل سلطات الأمر الواقع.
تدهور العملية التعليمية
من جانبه، قال مصدر في منظمة "اليونسيف" بأن أكثر من 200 ألف معلم ومعلمة في مناطق سيطرة الحوثيين تأثروا جراء انقطاع رواتبهم.
وقال المصدر في تصريح للـموقع الصحوة نت " بأن اليمن يعاني من تدهور العملية التعليمية؛ بسبب الأوضاع السيئة التي يعيشها العاملون في المجال التربوي.
وأوضح المصدر كذلك إلى أن عدم وصول المستحقات للمعلمين والمعلمات سببه الرئيسي استخدام "بعض الأطراف" موضوع الرواتب كورقة ضغط على دول الجوار والمنظمات المانحة، وأدى انقطاع الرواتب إلى تسرب 30 في المئة من المدرسين والتربويين من المدارس للاشتغال في أعمال أخرى لا علاقة لها بالتدريس الأمر الذي انعكس سلبا على سير العملية التعليمية في اليمن.
واختصر أحد المعلمين الذين فصلوا من وظائفهم، المسألة قائلا للـموقع الصحوة نت (لا تنتظر ممن لم يدخل مدرسة في حياته أن يقدر حق المعلم، أو يعرف قيمة التعليم).