كشف تحقيق بثته شبكة بي بي سي البريطانية، تورط شركات مرتزقة أجنبية، بالاشتراك مع عناصر بتنظيم القاعدة في جرائم الاغتيالات التي استهدفت شخصيات اجتماعية وسياسية مؤثرة في جنوبي اليمن، بما في ذلك قادة بحزب الإصلاح ونشطاء في حقوق الإنسان.
وعززت المعلومات التي تضمنها التحقيق الذي أجرته الصحفية نوال المقحفي، ما تضمنته التقارير الدولية والأممية، عن تورط مرتزقة أجانب وشركات أمنية وعناصر في تشكيلات مسلحة خارج إطار المؤسسات الحكومية، في سلسلة من الاغتيالات التي استهدفت العديد من قادة الإصلاح، والدعاة والشخصيات الاجتماعية والسياسية في محافظة عدن، وما جاورها، منذ تحريرها من مليشيا الحوثي الإرهابية، عام 2015م.
وكشف التحقيق، أنه رغم أن الهدف المعلن للمرتزقة الأمريكيين هو القضاء على الخلايا الإرهابية للقاعدة وتنظيم داعش في جنوب اليمن، فإن ذلك الهدف ذهب أبعد من ذلك، حيث تم تجنيد عناصر سابقة في القاعدة وداعش، لصالح تشكيلات مسلحة خارج مؤسسات الدولة اليمنية، من ضمنه، جهاز أمني يدعي محاربة الإرهاب للقيام بالاغتيالات.
وقال التحقيق إن ذلك الجو المشحون بالموت في مدينة عدن، أدى إلى تثبيط جهود العودة الدائمة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا، وساهم في تقوية الحوثيين المدعومين من إيران - والذين عادوا إلى دائرة الأخبار بسبب شنّهم هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر.
وأوضح التحقيق أن عمليات الاغتيالات بدوافع سياسية ساهمت في تفاقم النزاع في اليمن ، وعدم توحد القوات المناوئة للحوثيين، والذين ظهروا مؤخرا كتهديد عالمي، صنفتهم على إثره الولايات المتحدة الأمريكية مؤخرا ضمن الجماعات الإرهابية.
وأشار التحقيق إلى أن غالبية الأشخاص المستهدفين في الاغتيالات التي حدثت في مدينة عدن من أعضاء حزب الإصلاح، الذي يعد واحدا من أكبر التنظيمات السياسية .
وأفادت الصحفية المقحفي التي أعدت التحقيق في مقال لها، أنها "حصلتُ على مشاهد مسرّبة من تسجيلات أول عملية اغتيال، فكانت نقطة انطلاق لتحقيقاتي في شأن عمليات القتل الغامضة تلك".
وتعود المشاهد بحسب معدة التحقيق إلى "شهر ديسمبر/كانون الأول سنة 2015، اقتفيت آثار مصدرها حتى وصلت إلى شركة أمنية خاصة أمريكية تدعى (Spear Operations Group) مجموعة عمليات سبير".
وأضافت أنها "تمكّنت أخيراً من الوصول إلى أحد الأشخاص الذين كانوا خلف العملية المصورة في تلك المشاهد، التقيته في أحد مطاعم لندن عام 2020. كان "إسحق Isaac جيلمور"، وهو عنصر سابق في وحدة غطّاسي البحرية (الأمريكية)، قد أصبح الرجل الثاني في مجموعة Spear Operations، وهو من بين العناصر الأمريكيين الذين يقولون إنهم وظِّفوا لتنفيذ عملية الاغتيال" في اليمن.
وأوضحت أن الرجل رفض التحدث عن أي من الأفراد الذين وردت أسماؤهم على لائحة تتضمن أسماء الشخصيات التي كُلفت مجموعة Spear، بتصفيتهم باستثناء "أنصاف مايو"، رئيس الإصلاح في عدن والنائب في مجلس النواب اليمني.
وفي مداخلته قال النائب إنصاف مايو إنه "متفاجئ أنهم أرسلوا مرتزقة لقتلنا في داخل بلادنا"، مضيفا "أسأل لماذا يريدون قتلنا؟ وما هي المصوغات الأخلاقية والقانونية التي أتت بهم من أطراف المحيط ليقتلونا في عدن؟".
ونقل التحقيق عن موظفين سابقين في مجموعة Spear، قولهم إن العمليات التي نفذوها في جنوبي اليمن، انتهت في عام 2016م.
لكن وتيرة الاغتيالات زادت وفقا لمحقّقي منظمة Reprieve في مجال حقوق الإنسان، والتي نظرت "في مئة وستين عملية اغتيال نُفِّذت في اليمن بين عامَي 2015 و2018، ووجد (محققوها) أن غالبيتها وقعت بعد عام 2016، وأن أكثرها حدث في 2016، ما عدا ثلاثة وعشرين عملية من أصل المئة والستين استهدفت أشخاصاً على صلة بالإرهاب، ونفذت تبعاً للتكتيك ذاته الذي تتبعه "سبير" - تفجير عبوة ناسفة بهدف صرف الانتباه، يتبعه قتل الهدف بإطلاق النار.
ونقلت معدة التحقيق عن المحامية هدى الصراري أن آخر عملية اغتيال سياسي في اليمن، وقعت الشهر الماضي - واستهدفت أمام مسجد في لحج بالأسلوب ذاته الذي نفذه مرتزقة مجموعة Spear.
وأشارت المقحفي نقلا عن مخبر محلي إلى أن المرتزقة دربوا التشكيلات المسلحة خارج مؤسسات الدولة، والتي انطوت عام 2017 تحت مسمى المجلس الانتقالي، وأن تدريب تلك العناصر لم يكن مقتصرًا على القتال في الجبهات الأمامية. واحدة من تلك الوحدات على وجه الخصوص، قوة النخبة لمكافحة الإرهاب، دُرّبت على الاغتيالات كما نقلت المقحفي عن المبلِّغ.
وذكر التحقيق أن المحامية الصراري التي كانت تحقق في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها التشكيلات المسلحة في عدن، تلقت "تهديدات بالقتل. إلا أن ابنَها محسن البالغَ من العمر ثمانية عشر عامًا دفع الثمن بحياته".
وأكد تحقيق البي بي سي أن "التحقيقات التي قام بها المدعي العام (للجمهورية اليمنية) في عدن وجدت أن محسن قُتِل على يد أحد عناصر وحدة النخبة لمكافحة الإرهاب (..) ولكن السلطات لم تستكمل إجراءات الملاحقة قضائيًّا".
ونقل عن "عدد من موظفي مكتب المدّعي - ممن لا يمكن تسميتهم حفاظًا على سلامتهم - أن الاغتيالات التي انتشرت على نطاق واسع خلقت جوًّا من الذعر أدى إلى شعورهم بالخوف من المضي في طلب العدالة" في القضايا التي تتعلق بالتشكيلات المسلحة خارج مؤسسات الدولة.