تتفاقم حدة المجاعة في اليمن منذ بداية الانقلاب الحوثي حتى اليوم، ويزيد من المعاناة إجراءات المليشيا التي تحد من تدفق السلع وفرض إتاوات جديدة على السلع والمواد الغذائية مما يزيد من ارتفاع الأسعار.
ويضاف لذلك تهديدات المليشيا للسفن التجارية في البحر الأحمر، مما تسبب بزيادة التأمين على السفن التجارية القادمة إلى اليمن، وهذا بدوره سيضاعف من معاناة المواطنين اليمنيين نظرا للزيادات المتوقعة في الأسعار جراء ذلك.
ويعاني الشعب اليمني أوضاعا معيشية صعبة منذ الانقلاب والحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثيين الإرهابية قبل تسع سنوات، مما دفع الاقتصاد الوطني للانهيار، فاتسعت على إثر ذلك دائرة الجوع والفقر، في وقت اتجه فيه كثير من معدومي الدخل إلى صناديق القمامة بحثا عن طعام يسد جوعهم، وباتت رؤية الفقراء يأكلون من أكوام القمامة في عدد من مناطق سيطرة مليشيا الحوثيين من المشاهد اليومية المألوفة بعد انقلاب تلك المليشيا.
كما تحوّل بعض المواطنين إلى هياكل عظمية بسبب سياسات الإفقار والتجويع الحوثية، والتي تشمل نهب موارد الدولة ونهب رواتب الموظفين ونهب المساعدات المقدمة من منظمات إغاثية أجنبية، وأيضا الإتاوات الجائرة التي تفرضها المليشيا على التجار، مما يتسبب بزيادة ارتفاع الأسعار، وغير ذلك من الإتاوات والنهب بذريعة دعم المجهود الحربي.
- على حافة المجاعة
وتؤكد التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى أن عشر محافظات في اليمن (من أصل 22) وصل فيها الأمن الغذائي إلى حافة المجاعة، في حين دخلت محافظات الحديدة وتعز وصعدة مرحلة الخطر أو المجاعة المعلنة.
وقد تسبب الانقلاب الحوثي بضرب مقومات الاقتصاد اليمني وبنيته التحتية، وتوقف صرف منح الرعاية الاجتماعية ثم الرواتب، وأغلقت معظم مؤسسات القطاع الخاص والمصانع والشركات، مما أدى إلى تفاقم البطالة وبالتالي ضعف القدرة على تحصيل المستلزمات اليومية.
وتشير الأرقام التي أوردتها الأمم المتحدة إلى أن هناك نقصا في المواد الغذائية وارتفاعا في أسعار الغذاء والوقود وانقطاعا في الإنتاج الزراعي، فضلا عن عوامل أخرى أدت إلى انعدام الأمن الغذائي لنحو 19 مليون شخص، أي ما يقرب من 80% من سكان اليمن.
كما تؤكد تقارير برنامج الغذاء العالمي أن أربعة من كل خمسة يمنيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، أي يعتمدون على وجبة واحدة في اليوم ولا يؤمّنون طعامهم لليوم التالي.
وكانت الأمم المتحدة قد أفادت، في يونيو 2022، بأن أكثر من 19 مليون شخص يعانون من الجوع في اليمن، بما في ذلك أكثر من 160 ألف شخص على حافة المجاعة.
- تحذيرات من التبعات
في أغسطس الماضي، حذرت الحكومة اليمنية من تبعات الحرب الاقتصادية التي تشنها مليشيا الحوثي على الشعب اليمني، معتبرة أن فرض جبايات مضاعفة على حركة السلع في المنافذ الرابطة بين المناطق المحررة والمناطق الخاضعة بالقوة لسيطرة الحوثيين، خطوة تصعيدية.
جاء ذلك خلال لقاء جمع وزير الخارجية اليمني أحمد بن مبارك مع جروندبرج. وحذر بن مبارك من تبعات الحرب الاقتصادية لمليشيا الحوثي على الوضع الإنساني المتردي وضرورة اتخاذ موقف أممي ودولي حازم إزاء تلك الممارسات.
وفي السياق، قال وزير الإعلام، معمر الإرياني، إن فرض مليشيا الحوثي جبايات مضاعفة على حركة السلع والبضائع في المنافذ الرابطة بين المناطق المحررة والمناطق الخاضعة لسيطرتها، توازي الرسوم الضريبية والجمركية التي تفرضها على السلع المستوردة عبر ميناء الحديدة، خطوة تصعيدية جديدة تندرج ضمن الحرب الاقتصادية المعلنة التي تشنها على الحكومة والشعب اليمني.
وأضاف: "هذه الخطوة الخطيرة التي تهدف إلى إجبار شركات الاستيراد والتجار على وقف الاستيراد عبر ميناء عدن، والاتجاه لميناء الحديدة الواقع تحت سيطرتها، يهدف إلى الإضرار بإيرادات الحكومة، والحيلولة دون قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها بما في ذلك دفع رواتب الموظفين في المناطق المحررة، امتدادا لسياسات الإفقار والتجويع التي تنتهجها بحق المدنيين".
وجدد الإرياني التحذير من استمرار مليشيا الحوثي في مسارها التصعيدي الذي يفاقم المعاناة الإنسانية، وينذر بانهيار الأوضاع الاقتصادية، مؤكدا أن الحكومة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذا التصعيد الخطير، وستضطر لإعادة النظر في التسهيلات المتصلة بإعادة تشغيل ميناء الحديدة، واتخاذ الإجراءات والتدابير التي تحفظ مصالح ومقدرات الشعب اليمني.
- ارتفاع التأمين البحري
وفي أحدث إجراء حوثي يفاقم من معاناة اليمنيين، ارتفعت أسعار التأمين البحري على السفن التجارية القادمة إلى اليمن، جراء تهديدات الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر، مما سيؤثر على المستهلكين ويزيد من معاناتهم.
وقال رئيس مجلس إدارة مؤسسة موانئ خليج عدن، الرئيس التنفيذي، محمد علوي أمزربة، إن رسوم التأمين البحري، الذي تفرضه نوادي الحماية الملاحية، على السفن والناقلات الواصلة إلى الموانئ الحكومية في اليمن، ارتفع إلى 200%، عما كان عليه الوضع قبل عمليات القرصنة وخطف السفن في مضيق باب المندب ومياه البحر الأحمر (من جانب مليشيا الحوثيين).
وأضاف في تصريح صحفي أن "ما بين 50 إلى 60 في المئة من التجارة الدولية باتت تعتمد على ممر رأس الرجاء الصالح الملاحي في جنوب قارة أفريقيا، بدلا من المرور بمضيق باب المندب ومياه البحر الأحمر، وهو ما أدى إلى ارتفاع رسوم التأمين على السفن المارة بباب المندب، كونها منطقة عالية المخاطر، وبالتالي فإن شركات الملاحة رفعت أسعار الشحن، لتعويض خسائرها المدفوعة للتأمين".
ولفت إلى أن "هذه الإجراءات ستضيف مزيدا من الأعباء على التجار اليمنيين وملاك البضائع، وستنعكس على المستهلكين، نتيجة ارتفاع أسعار السلع"، مشيرا إلى أن "الحرب التي خلفها انقلاب الحوثيين على الدولة في 2015، كبدت القطاع الخاص في اليمن خلال السنوات الماضية ما بين 400 إلى 500 مليون دولار، لتغطية الكلفة التأمينية المدفوعة لإقناع ملاك البواخر بالقدوم إلى الموانئ اليمنية، باعتبارها منطقة نزاع مسلح".
وأكد أمزربة أن "الإجراءات بشأن خفض كلفة التأمين التي فرضتها الحرب، لا تزال جارية، وهناك وفد حكومي يجري مباحثات في لندن مع نوادي الحماية البريطانية، لاستكمال الترتيبات المتعلقة بخفض كلفة التأمين المرتفعة، التي تشمل في مرحلة تنفيذها الأولى ميناء عدن، وتليها المرحلة الثانية التي ستشمل ميناء المكلا".
وكانت الحكومة اليمنية الشرعية قد وقعت اتفاقية تفاهم أولية مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، في أغسطس الماضي، لخفض كلفة التأمين البحري على السفن المتجهة إلى الموانئ الحكومية في اليمن، بعد أن تضاعف حجمها 16 ضعفا عن الأوضاع الطبيعية، بسبب الحرب التي أشعلتها مليشيا الحوثيين قبل تسع سنوات، بيد أن المعاناة ستزداد جراء ارتفاع رسوم التأمين البحري إلى اليمن بسبب مزايدات الحوثيين وزعمهم نصرة غزة من خلال تهديداتهم للسفن التجارية في البحر الأحمر، مع أن ذلك خدمة لإيران، وهي الخدمة التي سيدفع اليمنيون ثمنها من قوتهم اليومي.
- حرب اقتصادية شاملة
وبشأن حرب الحوثيين الاقتصادية على اليمنيين، أشار تقرير الخبراء المعني باليمن المقدم لمجلس الأمن في نوفمبر 2023، إلى أن الحوثيين طبقوا مجموعة مدروسة من التدابير الاقتصادية القسرية المتعلقة بالقطاعات البحرية والبرية والجوية لشل نشاط الحكومة اليمنية ومنعها من أداء وظائفها، وما الهجمات على الأصول البحرية والحظر المفروض على صادرات النفط الخام، وتحويل مسار التجارة الدولية من عدن إلى الحديدة، وإغلاق الطرق، والحظر المفروض على أنشطة التجارة المحلية الرئيسية مثل تجارة غاز الطهي، وما حدث مؤخرا من تجميد لأموال شركة الطيران الوطنية، اليمنية، إلا بعض المؤشرات الدالة على استراتيجية الحوثيين.
ولفت التقرير إلى تعرض الاستقرار النقدي والاقتصادي في اليمن للخطر بسبب استمرار حظر سلاسل معينة من الأوراق النقدية الصادرة عن البنك المركزي اليمني في عدن، وإمكانية استخدام الأوراق النقدية وجوازات السفر المزورة التي تطبعها مليشيا الحوثيين.
وذكر تقرير الخبراء أنه في أعقاب الهجمات على محطة الضبة النفطية تخسر الحكومة اليمنية إيرادات تبلغ حوالي 2 بليون دولار سنويا، موضحا أن التحول في الواردات من عدن إلى الحديدة أدى إلى خسارة فادحة في الإيرادات قدرها 637,36 بليون ريال يمني منيت بها الحكومة اليمنية خلال الفترة من أبريل 2022 إلى يونيو 2023، في حين حقق الحوثيون مكسبا كبيرا.
ووفق تقرير الخبراء، يقدر مجموع الخسائر في الإيرادات بسبب الحظر المفروض على شراء غاز الطهي من الحكومة اليمنية بنحو 64 بليون ريال يمني سنويا. وفي ظل الآلية الجديدة التي بدأ تنفيذها في مارس 2023 لتحصيل الإيرادات في منافذ الجمارك البرية، بدأ الحوثيون يتعاملون مع المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة باعتبارها أرضا أجنبية للأغراض الجمركية، مما أدى فعليا إلى تقسيم اليمن إلى بلدين، حسب وصف التقرير.
- تبعات الحرب الاقتصادية
وقد رفعت الحرب الاقتصادية الحوثية من حدة التحذيرات الدولية من انعدام الأمن الغذائي وازدياد أعداد الجوعى، إذ ارتفعت كلفة الغذاء نحو 300 في المئة، خاصة في ظل توقف عملية تصدير النفط من ميناءي الضبة والنشيمة في محافظتي حضرموت وشبوة بفعل هجمات مليشيا الحوثيين.
وتسبب الحصار النفطي وتحول الواردات عن ميناء عدن في انخفاض إيرادات الحكومة بحسب تقديرات البنك الدولي إلى نحو 40 في المئة خلال عام 2023، قبل أن تعلن الحكومة مع نهاية العام توجه السفن إليه للتفتيش بدلا من ميناءي جيبوتي وجدة.
وفي المقابل، تمكنت مليشيا الحوثي من مضاعفة إيراداتها، دون أن تلتزم بتسليم رواتب الموظفين أو تعكس تلك الإيرادات على شكل خدمات، بل إنها واصلت للعام التاسع المتاجرة بالخدمات الأساسية وبيعها للمواطنين وتوجيه الإيرادات العامة إلى جيوب قادتها.
- دوافع سياسة التجويع الحوثية
ليست سياسة التجويع الحوثية عملا يعكس الشراهة والطمع والإجرام المالي والاقتصادي فقط، وإنما هي عمل مدروس وممنهج ومن صميم عقيدة التسلط الطائفي، أو ما يمكن وصفه بالإبادة الطائفية والثقافية للمخالفين للمليشيا عقائديا وطائفيا وسياسيا.
فمثلا، المليشيا الحوثية نهبت رواتب الموظفين الحكوميين والمتقاعدين، وضيقت عليهم سبل العيش، وأغلقت أمامهم كل أبواب الرزق، وفي المقابل فتحت باب التجنيد والالتحاق بالجبهات كخيار مغرٍ لكل من فقد دخله، ويريد عائدا ماليا، أو مساعدات غذائية تقدمها المنظمات وتتحكم المليشيا بتوزيعها، وتحت سطوة الفقر والجوع فالمليشيا تجبر الآباء على الدفع بأبنائهم إلى الجبهات مقابل مبالغ مالية تمنحهم قليلا من الطعام الذي ينقذهم من الموت جوعا، لأن العائلة إذا كانت ميسورة الحال فمن المستحيل أن يذهب ابنها إلى القتال بل ستقوم بتعليمه وستحافظ عليه.
كما أن تركيز الأموال والأعمال في السلالة الهاشمية العنصرية سيمكنها من الهيمنة والتسلط وفرض رؤاها على المجتمع. وبنفس الوقت فإن سياسة التجويع والإفقار ستمكن الحوثيين من تطويع كثير من الأسر، وجعلها أكثر استعدادا للتخلي عن معتقداتها مقابل توفير ما يمكنها من العيش، وهذا يحقق هدف "الإبادة الطائفية" بواسطة سلاح التجويع، فالموظف الذي نهبت رواتبه مجبور على حضور الدورات الطائفية للحوثيين من أجل نصف راتب كل ستة أشهر، ومن أجل ذلك النصف راتب فالمعلم في المدرسة مجبور على تدريس طلابه ملازم الحوثيين ومناهجهم الطائفية، وعلى ذلك قس بشأن مختلف فئات المجتمع.
وهكذا تسعى مليشيا الحوثيين الإرهابية من وراء سياسة التجويع والإفقار والحرب الاقتصادية الشاملة على اليمنيين إلى تكديس الثروة في سلالتها الطائفية العنصرية حتى تكون الأغنى والأكثر ثراء في المجتمع اليمني بما يسهل التحكم به مستقبلا.
ولذلك فقد ربطت المليشيا مصالح اليمنيين في مناطق سيطرتها بمدى استجابتهم وتعاطيهم مع مشروعها المليشياوي الإرهابي، وهو ما دفع بكثير من اليمنيين إلى المغادرة والاستقرار في مناطق لا يسيطر عليها الحوثيون، أو الهجرة إلى خارج الوطن.