أكدت دراسة بحثية صدرت حديثاً، أن وقوف اليمنيين إلى جانب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطينية وحقوقه المشروعة، وحركاته المقاومة للاحتلال، ثابت مِن الثَّوابت التي أجمعت عليها القوى بكلِّ أطيافها.
وأوضحت الدراسة الصادرة عن مركز المخا للدراسات، تحت عنوان "طوفان الأقصى وموقف اليمنيين منها.. المسار التاريخي والاستجابة الراهنة" أن هذا الموقف انعكس في سياسة الدولة وحراك المجتمع لنصرة فلسطين وشعبها، وتقديم الدعم المالي والإغاثي والإسناد الإعلامي، وعلى مستوى المحافل الدولية والحراك الجماهير.
وقالت إن هذا الموقف سيظل مبدئيًّا وحاضرًا في الوعي الجمعي لليمنيين، رغم كلِّ ما أصابهم مِن أزمات ومآسي، تعبيرًا عن وحدة الجسد والشعور، وحتى ينال الفلسطينيون حقوقهم ويحرِّروا أرضهم ومقدَّساتهم.
وأشارت إلى أنه ورغم أن الشعب اليمني الذي حُرِم التَّعبير عن خياراته وإرادته بطرق سلمية وحضارية، إثر انقلاب مليشيا الحوثي وحربها ضد الشعب اليمني وتدمير مقدراته، واحتكارها للمشهد العام بقوة السلاح، فإن الشعب ظلَّ وفيًّا مع قضية فلسطين رغم كلِّ جراحته، يتألَّم لها ويبذل لنصرتها؛ فقد خرج اليمنيون متظاهرين في عدد مِن المحافظات، كتعز وعدن وصنعاء ومأرب وغيرها، للتَّعبير عن تضامنهم مع غزَّة، ونصرتهم لأهلها، وتأييدهم للمقاومة الفلسطينية.
وبينت الدراسة إلى أن هذا التعاطف العارم والطاغي لليمنيين مع القضية والمقاومة الفلسطينية، فرض على جماعة الحوثي التناغم معه، وقيامها ببعض العمليات التي مِن شأنها أن ترفع مِن أسهمها في الداخل، بغض النظر عن أجنداتها التي تخفيها، وتحالفاتها التي تتحكَّم بمشهد تلك العمليات وقواعد الاشتباك فيها. غير أنَّهم استغلُّوا هذه الأحداث لصالح جمع التبرُّعات لصالح الجماعة تحت مسمَّى دعم فلسطين، وفرضوا عددًا مِن الجبايات على المواطنين لدعم الصواريخ التي تطلق على إسرائيل.
موقف رسمي واضح
واستعرضت المواقف الرسمية لليمن، بدءً من كلمة رئيس مجلس القيادة الرئاسي أمام القمة العربي والإسلامية بالرياض، ودعوته مليشيا الحوثي إلى عدم استثمار مأساة الشعب الفلسطيني، بتصعيدها المتزامن على كافَّة الجبهات مع المحافظات المحرَّرة، وإلى إنهاء حصار المدن، والتوقُّف عن زرع الألغام المحرَّمة دوليًّا، واستمرار استهداف المدنيين بالصواريخ والطائرات الانتحارية.
دعا رئيس الجمهورية اليمنية، في كلمته أمام القمَّة العربية الإسلامية التي عقدت بالرياض، لدعوة الجماعة إلى عدم استثمار مأساة الشعب الفلسطيني، بتصعيدها المتزامن على كافَّة الجبهات مع المحافظات المحرَّرة، وإلى إنهاء حصار المدن، والتوقُّف عن زرع الألغام المحرَّمة دوليًّا، واستمرار استهداف المدنيين بالصواريخ والطائرات الانتحارية؛ إضافة إلى موقف مجلس النواب الذي أدان بشدة العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مجدداً وقوف اليمن إلى جانب حقِّ الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه، وانتزاع كامل حقوقه، وإقامة دولته المستقلَّة وعاصمتها القدس؛ كما أدانت التواطؤ الغربي -الأمريكي والأوربِّي- المستمرِّ مع إسرائيل في هذه الجرائم ضدَّ الإنسانية.
ومرة أخرى أكد الرئيس العليمي، على موقف اليمن الثابت والداعم لحقِّ الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتلبية حقوقه المشروعة، وفي طليعتها إقامة دولته المستقلَّة ذات السيادة، وأنَّ فلسطين ستظلُّ هي قلب وجوهر الوجدان العربي والإسلامي، ومحور أمنه القومي، موضحًا أنَّ ما يحدث في فلسطين اليوم هو نتيجة متوقَّعة لـ"تجاهل قوَّة الحقِّ لمصلحة حقِّ القوَّة، وعند رفض جميع مبادرات السلام، ولجوء الاحتلال المستند على فائض القوَّة الى فرض سياسات الأمر الواقع، وعندما يتخاذل المجتمع الدولي عن دوره الأخلاقي والقانوني، والسياسي في حل القضايا العادلة، مقارناً ما يجري في فلسطين بما وقع في اليمن المنكوب إثر انقلاب مليشيات جماعة الحوثي، المدعومة إيرانيًّا على الشرعية الدستورية والوفاق الوطني.
ولم يكن موقف رئيس الحكومة معين عبدالملك إلا معززا للموقف اليمني، حينما دعا إلى تحرُّك عاجل لنصرة الشعب الفلسطيني، والذي يتعرَّض "لعدوان سافر"، و"جريمة حرب مكتملة الأبعاد"، مِن قبل قوَّات الاحتلال الصهيوني، تجاوزت كلَّ المواثيق والقانون الدولي الإنساني؛ مشدِّدًا على موقف اليمن -قيادة وحكومة وشعبًا، الثابت، تجاه القضية الفلسطينية.
ونوهت الدراسة بتصويت اليمن في الجمعية العامَّة للأمم المتحدة، في 28 أكتوبر (الماضي)، على مشروع القرار العربي بشأن عدوان إسرائيل على غزَّة، وما ابداه مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتَّحدة، السفير عبدالله السعدي، من استنكار اليمن الشديد للعدوان الإسرائيلي الغاشم والمستمر على الشعب الفلسطيني في قطاع غزَّة، وما أسفر عنه مِن تدمير للبنية التحية، واستهداف للمدنيين العزَّل، خاصَّة النساء والأطفال، ودون تمييز، وقطع الماء والكهرباء والغذاء عن سكَّان القطاع، معتبرًا ذلك جريمة حرب مكتملة الأركان، وجريمة تطهير عرقي، وانتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وقانون حقوق الإنسان الدولي والقانون الإنساني الدولي، وكلَّ الأعراف والمواثيق الدولية والأخلاقية؛ وجدَّد الدعوة إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية دون عراقيل أو قيود، وحماية المدنيين والبنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات والأطقم الطبية ودور العبادة، وعبَّر عن رفض اليمن للتهجير القسري للفلسطينيين خارج قطاع غزَّة.
وقالت الدراسة أن عدد كبير من اليمنيين تعاطف شعبيًا مع عمليات جماعة الحوثي ضدَّ إسرائيل بإيجابية، داعين الجماعة إلى تعديل مسارها الداخلي، ومعالجة الأوضاع المحلِّية، ليستردَّ اليمن مكانته وتأثيره الإقليمي والدولي، بعيدًا عن أجندات وحسابات إيران ومحور الممانعة التابع لها.
ضد التطبيع
وتطرقت الدراسة إلى موقف اليمنيين مِن التطبيع مع إسرائيل، الذي بدأ منذ أواخر التسعينيات مِن القرن الماضي، حينما ظهرت بوادر تطبيع مع الكيان الصهيوني مِن قبل الحكومة اليمنية، ما قاد إلى موجة احتجاجات رسمية، عبر مجلس النوَّاب، وشعبية مِن خلال المظاهرات والمسيرات والحملات الإعلامية الرافضة لهذا التوجُّه. من كافَّة أطياف العمل الحزبي والسياسي والفكري والمجتمعي ما أجبر الحكومة في حينه للتراجع عن هذا التوجُّه. ومنذ ذلك الحين أغلق هذا الملف بشكل نهائي.
لكن الدراسة ذهبت إلى أنَّ المجلس الانتقالي الجنوبي وفي ظلِّ المكايدات السياسية، والاستعانة بالقوى الأجنبية ضدَّ شركاء الوطن، توجُّه لإبداء مواقف مغايرة لإجماع اليمنيين، بالرضا عن مشهد التطبيع، معتبرة هذا الانحراف والشُّذوذ عن مواقف القوى اليمنية المختلفة، السِّياسية والاجتماعية والمذهبية والفكرية، لقي استهجاناً واستنكاراً واسعًا؛ بما في ذلك رموز الحراك الجنوبي.
التعاطف الشعبي
واستعرضت الدراسة صوراً من التَّعاطف الشَّعبي اليمني مع فلسطين والفلسطينيين، الذي يعدُّ مِن أكثر الشُّعوب العربية تعاطفًا مع القضية الفلسطينية والفلسطينيين، حيث ترجموا هذا التَّعاطف بالاهتمام والحراك والدَّعم المادي والمعنوي. حيث لا يخلوا عام مِن مهرجانات لنصرة الأقصى الشَّريف، أو مظاهرات جماهيرية تطالب بالدِّفاع عن الشَّعب الفلسطيني، أو وقفات تضامنية، أو جمع تبرُّعات مالية في المدارس والمحلَّات والجوامع وعبر الحصَّالات.
وقالت إن الاهتمام الشَّعبي اليمني بالقضية الفلسطينية انعكس في قيام جمعية الأقصى، والتي ساهم بتأسيسها، عام 1990م، الشِّيخ محمَّد المؤيَّد، ورأس إدارتها خلال الفترة 1997م- 2002م. وقد أسهمت الجمعية في تنفيذ العديد مِن المشاريع الخيرية التي تلامس الاحتياجات الإنسانية، داخل فلسطين وفي مخيَّمات الشَّتات، خاصَّة في لبنان والأردن. وشملت المشاريع المسجد الأقصى والجوانب الإغاثية والصِّحِّية والتَّعليمية والاجتماعية والتَّنموية، فقد قامت بتمويل بناء "مستشفى اليمن السَّعيد" في غزَّة، وسعت لتوفير الدَّواء للمرضى، وتأسيس مصنع محاليل طبِّيَّة، وكفلت مئات المقعدين، والمئات مِن اسر الشُّهداء، و(2.600) يتيم في داخل فلسطين؛ كما عملت على رعاية مشروع زراعة خمسة دُونم مِن الأرض المحرَّرة في قطاع غزَّة، ومشروع مزرعة الزَّيتون، ومشاريع أخرى، وقد أكد أمين عام الجمعية، شاكر هبة أنَّ جمعية الأقصى احتلَّت المرتبة الأولى مِن حيث تقديم الدَّعم للفلسطينيين واللَّاجئين ومخيَّمات الشَّتات، على مستوى العالم العربي والإسلامي.
القضية الفلسطينية في الوجدان
وتحدثت الدراسة باستفاضة عن الاهتمام الشعبي والرسمي بالقضية والمقاومة الفلسطينية، منذ مطلع السِّتينيَّات وحتَّى أواخر السَّبعينيَّات مِن القرن الماضي، حين تشكَّلت حركات المقاومة الفلسطينية، كجهود شعبية ترمي إلى تحرير فلسطين، ومقاومة الاحتلال الصُّهيوني. وقد اعتمدت معظم هذه الحركات النِّضال المسلَّح كوسيلة لمقاومة الكيان الصُّهيوني المحتل.
وتعبير اليمنيين المستمر عن مواقف متضامنة مع فلسطين وشعبها، خصوصًا في ظلِّ الانفتاح الإعلامي الذي بدأ يغزو المنطقة العربية، ويتيح اطِّلاع الشُّعوب على الأحداث المستجدَّة وتفاعلهم معها، علاوة على استقبال اليمن للاجئين الفلسطينيين، في مراحل مختلفة، ومنحهم امتيازات كبيرة.
ولفتت الدراسة إلى قيام الهيئة الشَّعبية لنصرة الشَّعب الفلسطيني في اليمن، والتي شاركت فيها جميع أطياف العمل السِّياسي والهيئات والمكوِّنات الاجتماعية والنَّقابات والرُّموز الشَّعبية، تجسيدًا للاصطفاف الوطني اليمني خلف القضية الفلسطينية وخيار المقاومة ضدَّ العدوان الإسرائيلي والاحتلال الصُّهيوني، باعتبارها قضية عربية يمنية مشتركة. وخلال فترة حضورها ونشاطها أسهمت الهيئة في الكثير مِن الفعاليات الدَّاخلية والدُّولية نصرة لفلسطين، وقدَّمت العديد مِن التَّبرُّعات والمعونات والمساهمات العينية لفلسطين وشعبها.
وبينت الدراسة البحثية أن القضية الفلسطينية حضرت في اهتمامات رجل الشَّارع وجمهور الشَّعب اليمني، فقد كانت حاضرة لدى النُّخب الفكرية والثَّقافية، وسجَّلت حضورًا بارزًا في السَّاحة الأدبية بشكل أبرز، باعتبار الأدب القالب الأكثر قدرة على التَّعبير عن عواطف ومشاعر ووجدان المجتمعات. وهنا نعرض لبعض رموز الأدب والشِّعر اليمني واهتماماتهم بالقضية الفلسطينية.