بعد 9 سنوات من حربها المدمّرة ضد اليمنيين، تواصل مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران، إخفاء واختطاف آلاف اليمنيين في سجونها السرية، وتمارس ضدّهم أبشع أنواع التعذيب.
جرائم الإخفاء القسري والتعذيب والحرمان الحوثية طالت مئات النساء اليمنيات، يتعرّضن للمعاملة القاسية والتعذيب وصولاً إلى إصدار أحكام الإعدام.
لتسليط الضوء على معاناة المختطفين والمخفيين قسرياً في سجون مليشيا الحوثي، أجرى موقع الصحوة نت" حواراً مع توفيق الحميدي، رئيس منظمة سام للحقوق والحريات.
فإلى نص الحوار :
بداية أستاذ توفيق.. هل لدى منظمتكم إحصائية بعدد المختطفين في سجون مليشيا الحوثي؟
لا توجد إحصائية دقيقة حيث وأن الاختطافات مستمرة لم تتوقف منذ اسقاط العاصمة صنعاء، لكن بالمجمل العدد ما بين 7 إلى 10 آلاف مختطف بما فيهم مختطفي وادي "ال بو جبارة" في معركة ال جبارة شمال صعدة في أغسطس 2018، هذه الاعتقالات ترافقها حالات تعذيب مروعة وقاسية، انتهت بالعشرات إلى الموت تحت التعذيب.
هناك العديد من الإشكاليات تواجه هذا الملف تتمثل في التوثيق، وعدم وجود بلاغات منتظمة من الضحايا، إضافة وجود وساطات محلية أو علاقات عامة، وأحيانا "سماسرة" بالمال تطلق اعداد معينة من المحتجزين، إضافة إلى عدم وجود هيئة أو جهة رسمية تتولي قضية الاحتجاز التعسفي والاخفاء القسري، فهناك اهمال
كبير للأسف في هذا الملف من قبل الحكومة، ولذا طبيعي ان تجد تضارب في الأرقام لدى المنظمات لأسباب تتعلق بالمنهجية، والحضور والانتشار.
كيف تتعامل مليشيا الحوثي مع المختطفين داخل سجونها؟
لا أكون مبالغا أو متجنيا اذا قلت إن كل المحتجزين تعرضوا للتعذيب، سواء جسديا أو نفسيا، وتختلف طريقة التعذيب ومستواه، من سجن إلى آخر ومن "مشرف" إلى آخر، وحتى من محتجز إلى آخر، لكن الواضح أن التعذيب يتم بأسلوب منهجي، في طريقته، توفي العشرات من المحتجزين ين تحت التعذيب، وآخرين مخفيين قسرا منذ سنوات،
يصاب المحتجزون بالكثير من الصدمات النفسية أو الأمراض الجسدية، وتتفاوت طرق التعذيب مثل حرق الجسد، أو تكسير الأصابع أو شقّها، والتعليق لساعات طويلة والتحقيق الليلي، وغيرها من وسائل التعذيب التي ضمناها في عدد من التقارير التي اصدرناها كالغيبة الطويلة .
هل جميع المختطفين يقبعون في سجون معروفة لدى مليشيا الحوثي أم أن هناك سجون سرية؟
ليس جميعهم، لكن الواضح أن هناك منهجية كانت متبعه في بداية الامر عامي 2016، و2017، حيث يحتجز الضحايا في سجون سرية وغير قانونية، كالكونتينات الحديدية، ومنازل خصوم، وكهوف، وبدرومات، ووحدات صحية، ومساجد، قبل احالتهم إلى معتقلات وسجون معروفة.
حادثة وفاة الجندي في الجيش الوطني، محمد أحمد عبد الله وهبان، الأسير لدى مليشيا الحوثي؟ هل أعدمته المليشيات؟
لا يوجد أي شفافية في تصريحات مليشيا الحوثي بشأن المحتجزين الذين يتوفون في السجون، وبحسب الافادات والشهادات يتعرض المحتجزين خاصة الجنود الذي قاتلوا في الحدود اليمنية السعودية إلى تعذيب قاسي.
وثقنا العديد من حالات الوفاة للمجندين في سجون مليشيا الحوثي، حيث يحتجزون في ظرف قاسية في بدرومات تحت الأرض ويحرمون من حقوقهم الطبيعية، ويتعرضون للإهمال الطبي، كما يتم استغلال أسر المحتجزين ماديا عبر تواصل المحتجزين مع أسرهم لتحويل مبالغ مالية يأخذ المسؤول عن السجن نصفها.
كل يوم يمضي يفقد المحتجزون جزءا من صحتهم الجسدية والنفسية، لذا يجب أن يعطى هذا الملف أولوية في أي مفاوضات قادمة غير قابل للمزايدات،
وعلى الحكومة ان ترتقي في تعاملها مع هذا الملف إلى مستوي متقدم، بحيث تتشكل هيئة مستقلة تتابع قضاياهم وحالتهم بعد الافراج، الكثير مصاب بالإحباط من الإهمال، وعدم قدرتهم على علاج أنفسهم.
كم عدد المختطفين الذين قضوا في سجون الحوثي نتيجة للتعذيب؟ وكذا عدد الإصابات أو الإعاقات؟
عدد المتوفين تحت التعذيب في سجون جماعة الحوثي يزيد عن 150 مختطفاً، وأما بالنسبة لعدد الإصابات والإعاقات لا توجد لدينا احصائيات، لأننا لا نتابع حالات المحتجز بعد خروجه، لكن الأكيد ان الكثير من المختطفين يعاني من تداعيات كبيرة أو متوسطة بسبب التعذيب أو بيئة السجن، وهؤلاء بحاجة إلى عناية.
أحالت مليشيا الحوثي مؤخرا 49 مختطفا للمحاكمة الصورية، ما التهم الموجهة لهم؟
عمدت جماعة الحوثي منذ البداية إلى إعادة هيكلة القضاء، والتحكم في مساره، ففقد استقلاليته، وتحول إلى أداة من أدوات الانتقام للخصوم السياسيين والمفكرين لجماعة الحوثي، فشكّلت مجلس القضاء والمحكمة العليا ووزارة العدل الخاصة بها بالإضافة الى تعيين نائب عام وقضاة المعهد العالي للقضاء، وأصبحت أكثر فشلاً وهشاشة في الوفاء بمعايير " المحاكمات العادلة" بل تحولت إلى أداة من أدوات الصراع، وظهر جليا في عدد أحكام الإعدام التي صدرت ضد الخصوم.
هل هناك إحصائية بمن تمت محاكمتهم صوريا؟
بحسب إحصائية لمنظمة سام وصلت أوامر الإعدام إلى 500 ، شملت سياسيين وقيادات أحزاب، وصحفيين ونساء وتجار وموظفين وعسكرين، ويرافق في الغالب احكام الإعدام، الحكم بمصادرة الأموال والتي تنفذ بصورة سريعة وعاجلة
هل لديكم إحصائية بعدد النساء المختطفات في سجون مليشيا الحوثي وما وضعهن؟
ما وصلنا من اسماء مختطفات بلغ 350 امرأة. وبحسب إفادات من افرج عنهن فإن عدد المختطفات كبير، سواء في السجن المركزي أو المعتقلات الأخرى.
لكن لا توجد إحصائية دقيقة، لأنني عندما أقول لك إحصائية، ينبغي ان يكون لدي المستوى الأول من التوثيق، وهو الرصد، أي الاسم، تفاصيل أوليه عن واقعه الاحتجاز، كالتاريخ والمكان وطريقة الاعتقال وغيرها.
المختطفات في سجون الحوثي يعاملن للأسف بطريقة قاسية وتعذيب ممنهج، دون أي احترام لأوضاعهن أو الأعراف أو القوانين، بعضهن معتقلات مع أطفالهن، في أوضاع مزرية، وتحت اشراف قيادات مما يسمى "الزينبيات" يجبرن على ممارسة الطقوس الخاص بالجماعة في الاحتفالات المذهبية الخاصة، يمارس رعب نفسي عليهن باسم الشرف والأخلاق، ما يجعل مستقبل النساء ووضعها في يد الجماعة.
هل لدى منظمة "سام" أية معلومات جديدة حول الأستاذ محمد قحطان وظروف اختطافه؟
اعتقد حالة الأستاذ قحطان من الحالات النادرة التي لم يفصح فيها المستبد أو الانظمة التي اتسمت بالفاشية عن خصمه السياسي، وهي جريمة احتجاز تعسفي واخفاء قسري مستمرة.
إخفاء الأستاذ قحطان، لم يمارسها حتى نظام الاحتلال البريطاني في الهند بحق غاندي، ولا نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا بحق مانديلا، ولا حتى الاحتلال الإسرائيلي بحق المعتقلين الفلسطينيين.
انتشر الاخفاء القسري في زمن المليشيا في العراق وليبيا واليمن، وقد أصدرت العفو الدولية تقرير عن العراق بعنوان "ليسوا موتى ولا أحياء" فالقضية ليست متعلقة بمحمد قحطان فقط، بل بغرس نهج مخيف في التعامل مع السياسيين والمعارضين مستقبلا ولذا يجب ان تكون هذه القضية قضية اليمن كله لوقف هذا السلوك المخيف الذي سيكون له اثر مستقبلا، خاصة اننا سكتنا عن وقائع مشابهه في الشمال والجنوب والحروب الوسطى، لذا لابد من انهاء هذا الملف نهائيا.
اختطفت مليشيا الحوثي مواطنين بتهمة رفع العلم الوطني هل تم اخلاء سبيلهم؟
أصبح العمل الحقوقي في العاصمة صنعاء محفوف بالمخاطر وأيضا ينطبق على نفس الشي على عدن، في ظل انتهاك المنظمات خط الحياد، والانحياز للضحايا، ولذا ما حدث في احتفالات ثورة الـ26 من سبتمبر ورفع العلم اليمني، انتهاك جسيم للحق في التعبير والتجمع بموجب الدستور اليمني والقوانيين اليمنية، ولا يوجد احصائيات دقيقة، لكن العدد كبير بالمئات بحسب التتبع وبعض الافادات.
هل قامت منظمات حقوقية دولية ومحلية بعمل زيارات للمختطفين في سجون المليشيا؟
لا اعتقد ان هناك زيارات حقيقية سوى لمنظمة الصليب الأحمر، بقية الزيارات تكون لمنظمات منسقة مسبقا للخروج بشهادة براءة مما ينسب لهم من انتهاكات، والحقيقة ان البيئة الأمنية غير ملائمة، حيث مازالت الأطراف التي تمارس الاعتقال والانتهاك تتحكم بالوضع القانوني كالتصريحات والحسابات المالية ومعلومات عن النشطاء وغيرها، وبالتالي يجب أن ندرك أنّ دور المنظمات هو دور كاشف وضاغط في حال استطاعت التشبيك، القدرة على توجيه المسار، وفي هذا الجانب اعتقد ان النشاط الحقوقي في اليمن استطاع تحريك الكثير من المياه الراكدة، وكشف العديد من الانتهاكات مما ساهم في التخفيف من حده الانتهاكات، والافراج عن الكثير من المعتقلين رغم ضعف الإمكانيات وكثرة التحديات.
جريمة الاتجار بالبشر جريمة ضد الإنسانية، هل لديكم معلومات عن استخدام مليشيا الحوثي المختطفين للإثراء المالي وكيف يتم ذلك؟
هذه قضية مؤرقة، أصبح للأسف هناك سماسرة في هذه القضية الإنسانية خاصة مع تأخر تحريك هذا الملف، وهنا نقف أمام طريقتين الأولى متاجرة "المشرفين" الحوثيين على المحتجزين من خلال السماح لهم بالاتصال بأهاليهم لأجل الطلب منهم تحويل مبالغ مالية، خاصة المجندين، مقابل أخد نصف المبلغ، والثانية شبكة سماسرة تمتد من مناطق الضحية في أي محافظة لأجل دفع ما يمكن نسميه فدية قد تصل إلى 15 أو 20 ألف ريال سعودي، بعضهم تذهب أموالهم دون الافراج عن أقاربهم.
هذه جريمة يجب فتح تحقيق فيها في مقابل تحرك جدي لإنهاء الملف، لأن عجز الحكومة والمجتمع الدولي تحريك الملف جعل اليمنين عُرضة لنهب اللصوص الجدد الذين يتاجرون بمعانتهم، وفي التفاصيل هناك شبكة من المحتالين يلعبون على وتر الافراج عند الأهالي بعد الحصول على بعض المعلومات عن ذويهم ومكان اعتقالهم، يجب ان يكون هناك تحرك جاد لإنهاء الملف وملاحقة هؤلاء اللصوص.
ماذا عن مصادرة مليشيا الحوثي لأملاك الخصوم ؟
مصادرة أموال الخصوم أحد الأساليب التي ابتدعتها جماعة الحوثي للانتقام من الخصوم، وتشمل الأملاك العينية والنقدية والعقارية، وأسست لهذا العرض جهاز أسمته "الحارس القضائي" يترأسه صالح الشاعري لديه فروع وموظفين، ويعمل على غرار جهاز "بنياد" الإيراني الذي أُسس بعد الثورة الإيرانية، لمصادرة أملاك خصوم الثورة الإيرانية.
في وقت سابق أصدرنا في منظمة سام تقريرا بعنوان "الحارس القضائي اكثر من 10 مليار دولار، إضافة إلى نهب غير مباشر متعلقة بفرض اتاوات تحت مبررات غير قانونية الاحتفالات التي لم ينص بها قانون، والرسوم والضرائب غير القانونية، وهي جرائم تتعارض مع النصوص التي تصون الملكية الفردية، ويمكن وضعها في اطار السرقة وفقا للقانون اليمني.
هذه القضية تشكل ملف مهم يجب ان يحظى باهتمام خاص كملف المعتقلين والبيوت المفجرة، وتعويض الضحايا واستعادة أملاكهم، ويجب ان تكون ضمن ركائز أي عملية سلام قادمة، مثل البيوت المفجرة التي تذكرنا بممارسة السلطات الاحتلالية بحق الفلسطينيين، حيث أن هناك أكثر من 750 منزلا ومدرسة ومسجد تم تفجيره بالديناميت من قبل جماعة الحوثي ضد خصومهم، وتشكل معضلة كبيرة ترتب عليها تشريد الاسر والأطفال، وهذا الملف مهم جدا ويجب ان يحظى باهتمام خاص أيضا، وهي جريمة محرمة بموجب اتفاقية جنيف وغيرها من الاتفاقيات.
تواجه اليمن كارثة الألغام المزروعة ماذا تقول بهذا الخصوص؟
اليمن من الدول الموقعة على اتفاقية "اوتاوا" لمكافحة الألغام الفردية، إلا أنه تبين للأسف الشديد ان الآلاف من هذه الألغام التي من المفترض أنه تم التخلص منها في حكم صالح، مازالت مكدسة في مخازنه، وقد أضافت مليشيا الحوثي اسلوبها في انتاج الغام فردية مموهة، استخدمتها الجماعة على نطاق واسع وفي مناطق مأهولة بالسكان، وتسببت في معاناة كبيرة جدا للمدنيين خاصة الأطفال والنساء الذين بُترت أقدامهم، وهي من جرائم الحرب التي ينبغي محاسبة مرتكبيها، والتخلص منها يحتاج لجهد وامكانيات وزمن طويل، خاصة في ظل تحديات كبيره كالخرائط وضعف الإمكانيات الفنية والمادية.