"كان وداعا حزينا لكافة طلابه ومن عرفوه عن قرب، لقد عاش في الوجدان كمنارة علمية واجتماعية" ففي موكبٍ جنائزي مهيب، ودعتْ مدينة عدن، الخميس 23 نوفمبر/ تشرين ثاني 2023 الشيخ والعلامة أمين سعيد عوض باوزير (1937- 2023)، بعد حياة كانت مؤثرة وملهمة.
شُيع جثمانه في مدينة عدن، التي انتقل اليها في ريعان شبابه، من مسقط رأسة بمدينة "غيل باوزير" في محافظة حضرموت، حيث كانت أولى خطواته في المعرفة، والتي صقلت شخصيته العظيمة وجعلت منه فيما بعد أحد أهم الأعلام بمدينة عدن، التي احتضنته وودعته.
كانت حياة العلامة "أمين باوزير" ثرية بالعطاء وكان إماماً ومرشداً وخطيباً في مسجد الإمام الذهبي بمدينة عدن، وعرفه كل رواد المسجد، وهو الوريث لشيخة الإمام محمد بن سالم البيحاني، حيث بدأ تدريس القرآن منذ ستينات القرن الماضي.
وقال وزير الأوقاف محمد بن عيضة شبية "إن مسيرة الشيخ حافلة بالعطاء والخير، فقد استخلف شيخه الإمام محمد بن سالم البيحاني، في تدريسه لحلقات القرآن الكريم بمسجده بعد وفاته؛ وجمع بين التأليف في العلوم الشرعية والأدب والتواضع والزهد والورع".
وفي برقية عزاء لأسرته، اعتبر شبيبة "إن الوطن خسر برحيله عالماً جليلاً عمل في خدمة كتاب الله ومدراس تحفيظ القرآن الكريم بمدينة عدن والمحافظات المجاورة".
من هو الشيخ امين باوزير؟
ولد الشيخ أمين بن سعيد باوزير في رمضان 1356 هـ 1937م، في مدينة غيل باوزير بحضرموت، ودرس بالمعهد الديني في مدينة غيل باوزير في منتصف 1950 م، وتتلمذ فيه على يد العلامة محسن بن جعفر أبي نمي، والأستاذ عبد الباقي يوسف والأستاذ صالح عبد الله اليماني وغيرهم.
وفي عام 1375هـ، قدم باوزير إلى عدن ولم يكن يومها أكمل العشرين من عمره، فأخذ عن مشايخ عدن وفي مقدمتهم الشيخ العلامة محمد بن سالم البيحاني، والشيخ كامل عبد الله صلاح، والشيخ علي بن محمد بن صالح باحميش وغيرهم.
وخلف باوزير بعد ذلك شيخه البيحاني في حلقته التي أسسها في مسجد العسقلاني في عدن وواصل فيها حتى صدر قرار تعيينه إماماً وخطيباً لمسجد مذيهب (الذهيبي) عام 1413هـ، فنقل حلقته القرآنية معه إلى مسجده.
وفي عام 1413هـ انتدبه المعهد العلمي ليعمل مدرساً لتحفيظ القران الكريم بمساجد عدن حيث أثمرت جهوده المباركة عندما دخل طلابه محك المسابقات العلمية في الداخل والخارج ومنها في بلاد الحرمين عام 1407هـ، وذلك بحصول عدد من طلابه على المراكز الأولى، ومنها مسابقات رئيس الجمهورية اليمنية وغيرها.
وفي عام 1415هـ أسس مدرسة الفاروق لتحفيظ القرآن، واتسع نشاطها لتشمل عشرات الحلقات لتدريس القرآن الكريم في عدد من المساجد بمدينة عدن، وتشمل الذكور والاناث. وأقام بعض الأنشطة المشتركة مع جامعة عدن.
لم يدخر الشيخ جهداً في خدمة المجتمع، فكانت له عدد من الأنشطة والأعمال الخيرية واتخذ من مسجد الذهيبي مركزاً للنشاط الخيري الاجتماعي، في مدينة عدن.
كان من أبرز مؤلفات الشيخ امين باوزير المختار المفيد في علم التجويد وهو من أوائل كتب التجويد المنتشرة في المناطق الجنوبية لليمن منذ طبعته الأولى بدار العليان بجدة عام 1988م تقريباً. هذا الكتاب طبع ونشر قبل الوحدة اليمنية، وسدَّ ثغرةً في هذا الجانب أصبح مقبولا بشكل كبير وصار مقرراً لبعض دور القرآن في حضرموت وعدن وغيرها.
وله مؤلفات قيّمة ومن أبرزها: "المختار المفيد في علم التجويد، أعلام التربية والإعلام، "من أبرز أعلام الدعاة في عدن خلال 100 عام" و "صفحات من تاريخ الحياة التعليمية والأدبية في حضرموت"، و"غيل باوزير يجري في عدن"، و "أوراق من حياة فضيلة الشيخ البيحاني"، "صفحات من تاريخ عدن".
مؤرخ وأحد أعمدة النور
وقال القيادي في إصلاح عدن، نضال باحويرث "الشيخ أمين أحد أعمدة النور والبركات والخيرات في عدن يعود له الفضل، في إيصال رسالة القرآن الكريم التي زرعها بذرة فنمت وأشرقت وأورقت وأثمرت حتى جاءت منها جامعة القرآن الكريم والعلوم الإسلامية في عدن".
وأضاف – في منشور بصفحته على فيسيوك – "طلابه شاركوا في معظم المسابقات المحلية والدولية وحققوا أعلى الدرجات في السعودية والبحرين والكويت وليبيا، وكل ذلك في ميزان حسناته".
من جانبه قال الدكتور نادر العمري " كان الشيخ "أمين باوزير" عَلَمًا من أعلامها، ورجلًا من رجالها الأفذاذ، وأحد الصالحين المصلحين والمربين الذي زرعوا في نفوس الأجيال الحديثة غرسًا مثمرًا من العلم النافع والعمل الصالح والتربية الإسلامية الوسطية السامية".
وأضاف – في مقال بعنوان "في وداع الأمين" – "كان فقيها، ومؤرخا، وداعيا، ومربٍّيا، وكاتبا، ومصلحا اجتماعيا بارزا، وولد لأسرة علمية معروفة، فأبوه المؤرخ والأديب سعيد عوض باوزير، وعمه الأديب والصحفي أحمد عوض باوزير، وأخوه الأصغر الأديب والصحفي والمترجِم نجيب سعيد باوزير".