أولا:في معنى الهوية وأهم صفاتها:
إذا كانت الهوية لغويا،أن يكون الشيئ هو هو،وليس غيره،اي قائم على التطابق والإتساق في المنطق؛فإنها مفهوم الهوية يتداخل مع الماهية،والماهية أن يكون الشيئ ما هو بزيادة "ما" ،حرف الصلة،على الضمير المنفصل"هو".
أي موضوع الهوية خاص بالإنسان والمجتمع،الفرد والجماعة،موضع انساني خالص،نسق من القيم في مقدمتها الحرية والكرامة...،الهوية هي التاريخ،والتطابق مع التاريخ،الهوية تطابق الحاضر مع الحاضر،عيش اللحظة الراهنة،الإدراك المباشر للنفس،والرؤية المباشرة للواقع،أي ليست ماضوية،بل تتعلق بالشخصية وبالعدد،وبالتفرد،وبالكيف كما تقول المعاجم.
ليست موضوعا نظريا ،بل موضوعا تاريخيا،يتعلق بوجود اليمني/العربي في التاريخ،بوطنه،بعلمه ورموزه وقيمه،بثقافته،بمبادئه،بنضاله وتراثه،بواجباته الفردية والجماعية،بوجوده ككل،إذ الهوية"هي المحافظة على الوجود توترا ذاتيا"كما يقول حسن حنفي.
وإذا كانت الهوية هي الماهية،؛فإن الوجود يسبق الماهية-وليس كما هو الحال عند الفلاسفة المثاليين،الذي يقول بأن الماهية تسبق الوجود-،الوجود يخلق الماهية،والماهية تخلق الوجود،لا توجد ماهية مسبقة على الوجود،والماهية هي الحرية ،والهوية هي تحقيق هذه الماهية كفعل حر،كما يذهب لذلك سارتر.
بهذا لا تكون الهوية موضوعا ثابتا،أو حقيقة واقعة،بل هي امكانية حركية تتفاعل مع الحرية،فالهوية قائمة على الحرية لأنها احساس بالذات،والذات حرة.والحرية قائمة على الهوية لأنها تعبير عنها،والحرية تحررا،إنها امكانية لأن يكون الإنسان حرا،الهوية امكانية على امكانية،أي ليست شيئ معطى،بل شيئ يخلق.
أما صفاتها:فهي العموم والشمول،تستند إلى المعقول،لا إلى المنقول،تقوم على العقل،لا على النص-كما يذهب لذلك حسن حنفي-،أي أن الهوية عامل تجميعي لاستنادها إلى نسق عام للقيم،والا أضحت عنصر تفريق،وانقسام،هويات خاصة،هويات قاتلة وعدمية وفقا لتعبير أمين معلوف وعزمي بشارة بالترتيب نفسه.
فما هي الهوية الإيمانية وخطرها!؟
إنها خاصة،أي انقسامية،لجماعة بعينها،لتنظيم ميلاشوي،لعلاقات عابرة الحدود،ومغتالة لكل دوائر الإنتماء الوطني والحضاري،إيمانية"=طائفية/مذهبية"أي قائمة على الطائفة والمذهب،والعلاقات المسمومة،اللاوطنية،ليس لأنها تحول الإسلام/الدين،من عقيدة توحيد إلى أيدلوجيا تقسيم فحسب،بل وأن لفظ الهوية الإيمانية المزعوم،ليس مبدأ دينيا وإنما مبدأ عصبوي،تتولد منه جماعات وتنظيمات ميلاشوية وعنفية وإرهابية،تضامنية مغلقة،تقع من تاريخ الإجتماع موقع ما قبل ميلاد المجتمع الوطني.
الهوية الإيمانية طائفية ومذهبية،وسلالية عنصرية بالتعريف،والمذهبية والطائفية،لا تقترح على المجتمع الا الفتنة،التفرق،فالدين يجمع ويوحد،لذا فالطائفية والمذهبية ليست من الدين،بل ضدا عليه،وليست من السياسة،بل محو لها وإعدام لكل مجالاتها،وترسيخ للعنف والإرهاب،وللتكفير والإقتتال.
والهوية الإيمانية تكريس لروابط الطائفة بديلا عن روابط الإنتماء الوطني ودوائره الحضارية والإنسانية.
اشاعة ثقافة العنف السياسي،واستدراج التدخلات الأجنبية وركن اساسي في ايدلوجية الإستعمار الإيراني وامتداد له،مأسسة للمذهبية والطائفية،نحر لخصوصية الأمة التي تعتبر تلك الخصوصية عنصرا من عناصر هويتها الوطنية"=القومية".
محوا لسياق الثقافة بوصفها فعلا اجتماعيا يخلق لحمة وطنية،ومنعا لتكون أي نوع من التضامن الجماعي داخل المجموعة الوطنية،ضرب" سلم القيم الذي يضمن تخليد مجمل النسق الإجتماعي وتوازنه الداخلي،الذي بواسطته حفظ للإستقرار الإجتماعي،والمراتب الإجتماعية،والتماسك الإجتماعي ككل،الثقافة بوصفها سياقا اجتماعيا مرتبطا بتكوين الأمة،أو الكيان السياسي"كما يقول غليون.
واخيرا:ضرب لهوية الدولة وأيدلوجيتها والمجتمع،أي تهديد اركانها الأساسية،الرمزية والثقافية،الإجتماعية والسياسية معا،وسعيا لإخضاع المجتمع،عبر تدمير ثقافة هويته الوطنية،واستخدام الهوية الإيمانية المزعومة كشكل من اشكال الحرب الوقائية ضد بقية الشعب،مما ينجم عن ذلك اختفاء الروابط والمشاعر الوطنية ووحدتها.أي تحويلها إلى عنصر رئيسي من عناصر استراتيجية شاملة،بمعنى السيطرة على مجمل المجال الإجتماعي الثقافي،سيطرة شاملة على ممارسة وفكر الأفراد ومجموع المواطنين برمتهم.
وهذا هو مجمل أخطار الهوية الإيمانية المزعومة،وهويتها وحقيقتها،وليست أي شيئ آخر مزعوم!