اعتاد اليهود على استغلال حدث المحرقة النازية المزعومة كشماعة يعلقون عليها إجرامهم بحق البشرية ، وممارستهم جميع الجرائم والانتهاكات بحق سكان الكوكب ، وبها نالوا الكثير من الامتيازات التي ليس لهم الحق بها ، كما كسبوا بها التأييد من كثير من دوائر القرار في العالم ، ودغدغوا بها عواطف الشعوب الغربية والأوربية ، وقولبوا الأفكار وحجروا على العقول ، وباسمها مارسوا لازالوا يُمارسون أنواعا من الإرهاب الفكري، والتسلط السياسي والإعلامي .
ولو سلمنا جدلاً انهم تعرضوا للاضطهاد من النازية مع أن هذا الزعم مبالغٌ فيه حجماً وتفاصيلاً فلا يحق لهم تحويله إلى خطيئة يتحمَّل العالم كلّه وزرها ، ثم يمارسون ما هو اسوأ منها وأنكى بحق إخوتنا الفلسطينين قتلاً وتدميراً وحصاراً منذ أكثر من سبعة عقود لم يشهد له التاريخ مثيلاً ، كل هذه الانتهاكات يمارسونها ضاربين عرض الحائط بكل المقررات الدولية والقوانين والأعراف الإنسانية التي لا تبيح ترحيل شعب من أرضه ، ولا تجيز أي من الجرائم التي يرتكبونها أمام سمع وبصر العالم .
عطفاً على اسطورة الاضطهاد المزعومة صنع اليهود تهمة بالغة الخطورة والبشاعة لكل من يخالفهم سمّوها "معاداة الساميَّة"، وكل من ينقد الكيان الصهيوني يوصم بِها ، ولو كان صادقاً ولو كانت حججه دامغة ، وبهذه التركيبة المعقدة تمكن الصهاينة من صنع معادلة ملخصها الجلاد الذي يتقمّص دور الضحيَّة، وتحت هذا التقمص يسمح لنفسه بكل التّجاوزات والجرائم البشعة ، وياتي هنا دور الإعلام الموجه الذي يؤدي دوراً مهماً فلا يترك مجالاً لظهور وجه الجلاّد القبيح ، وإنما يمرِّر له صورة الضحيّة المعتدى عليها الموجودة دائمًا في حالة دفاع عن النَّفس! ، بل يصور هذه الضحية في حالة تسامح وعفوٍ عن الجلادين العرب والمسلمين المتحالفين معهم!
هذه الصورة المشوهة للحقيقة عمل الصهاينة على إقناع العالم الغربي بها عبر استخدام نفوذهم الواسع في وسائل الإعلام ومؤسسات صناعة الرأي ، وقدموا للمجتمع الغربي والأوربي تصورهم الخاص للصراع العربي الإسرائيلي ليتحول رويداً وكأنه حقائق ثابتة لاجدال حولها ، لكن الأسوأ في الأمر أن هذا التركيز الإعلامي ترك أثراً في الساحة السياسية والثقافية العربية لأسباب كثيرة ومتشابكة تأتي على رأسها حب التقليد وهوس التبعية ، ثم صادف هذا التغرير هوىً لدى البعض فلم يكتفوا بالاقتناع به ، وإنما تبنّوه هم كذلك ، وأصبحوا يبشرون به ويقدمونه كواقع لا مفرّ منه ، ثم انتقلوا للتسويق له كحق وصواب يجب التعامل معه كوجه من وجوه العدالة ، وللأسف شكل هذا التحوّل مدخلاً أساسياً للتطبيع بصورتيه الظاهر والمستتر .
اليوم وبعد التطورات الأخيرة كسرت المقاومة الفلسطينية كل هذه الأوهام التي عمل الصهاينة على صناعتها طوال العقود الماضية ، وأثبت أصحاب الأرض ثباتهم على مبادئهم التي انطلقت لأجلها حركة التحرر رافضة الاعتراف للصهاينة بأي من أوجه الحق ، وتبخرت كل جهود إلغاء القضية تحت مبررات السلام والتعايش المزعوم ، وأمام هذا النموذج الرافض من الحكمة أن تتوجه الجهود الإعلامية نحو ابراز الحقيقة الكاملة للمحتل وخاصة أن عولمة المعلومة بامكانها تجاوز حدود الزمان والمكان وكسر قيود النشر وكشف التعتيم الإعلامي الذي مارسه الصهاينة لاخفاء حقيقتهم وأطماعهم وجرائمهم .
كما أن هذه الأحداث تمثل فرصة ذهبية لاقتحام الإعلام العربي والإسلامي الحرّ ساحةَ المعركة بكلِّ قوّة يعرّي فيها العدو الصهيوني بالأرقام والصور والأدلة ، ويظهر من جديد الصورة الحقيقية لصراعنا معه ، لتتجد روح المقاومة لدى الأجيال ، ويعاد طرح قضية المظالم التي أصابت فلسطين والعرب والمسلمين من قبل الصهاينة ومن يوفر لهم الدعم والحماية والسند العسكري والسياسي .
بالمقابل هناك مهمة أخرى مكملة لهذه وملازمة لها وتتمثل في هي تدعيم الأوساط الإعلامية والثقافية الغربية التي تحرَّرت من الإرهاب الفكري الصهيوني ، وأصبحت تنتصر لقضايانا وتكتب عن حقيقة اليهود قديماً وحديثاً ، فهذه معركتنا الجديدة مع اليهود التي تستحق منّا الاهتمام المناسب، والجهد الكافي اليوم .
دمتم سالمين ..