أدهى من الجـــــــهل علم يطمئن إلى
أنصاف ناس طغوا بالعلم و اغتصبوا
قالوا: هم البـــــشر الأرقى و ما أكلوا
شيئا كما أكلوا الإنسان أو شـــــــربوا
هكذا قال الشاعر البردوني-رحمه الله- في قصيدته الشهيرة: أبو تمام و عروبة اليوم؛ و هو يُعرّج إلى وصف دول الاستعمار و طغيانها المتوحش، و تحاول أن تخفي توحشها و ستر بغيها و طغيانها في حق الإنسانية بمزاعم تدعيها في الرقي، و بإكراه مفردات اللغة لتصف كذبا نفسها بالعالم الحر ؛ بينما هي غارقة في أوحال الظلم و الجبروت.
إن من يدّعي شيئا ينبغي أن يكون حاضرا في حياته، ماثلا للناس في سلوكه و تعامله، و معاملاته. و القوم في عواصم الاستعمار أدركوا ما مثلته الممارسات الاستعمارية من توحش ضد الإنسان، و تكريس العبودية، فكان لا بد لها لإخفاء ذلك السقوط الأخلاقي و الإنساني أن تستعين بمساحيق التجميل لتواري سوءتها، و قبحها، بأوصاف تدّعيها لنفسها؛ لخداع البُلْه من البشر. فراحت تروّج لنفسها أنها الأرقى، و أنها العالم الحر، فبدت أضعف حيلة، و أسوأ وسيلة، من الشاعر ذي الرمة، عندما قال:
في وجه مَيّةَ مَسْحة من مَلاحة
و تحت الثياب القبح لو كنت تعلم
و إنما عمد ذو الرمة لهذا التعريض بالقبح توسلا ليستفز من يذمها لتكشف له عن محاسنها !
لكن من يزعمون أنهم البشر الأرقى، و العالم الحر توسلوا بالكذب و الخداع ليجمّلوا تاريخا قبيحا و واقعا أقبح في توحشه، و عنصريته، و سيئاته، و ما علموا أن ثياب الرياء، لا تغطي المساوئ ، و أقنعة الخداع بالمسميات لا تستر ، و صدق الشاعر:
ثوب الرياء يَشِفُّ عما تحته فإذا التحفت به فإنك عارِ
تكشّفت اليوم عواصم الاستعمار، و ظهرت بأقبح ممارساتها، و أسوأ مواقفها،و هي تمول القتل، و تسلّح القتلة، و تجعل من نفسها مظلة سياسية، و عسكرية داعمة لإجرام الكيان الصهيوني الآبق في قتله للأطفال و النساء و الشيوخ.
الطفل، المرأة، الشيخ، المستشفى، المسجد، المدرسة، المنزل، الجامعةو الكنيسة... كل هذه صارت أهدافا للقتل و الدمار ! فأين الرقي يا.. أيها العالم الحر ..!؟
هنا، تلوح متألقة، نقية، ظاهرة إنسانية أبي بكر الصديق، بل إنسانية الإسلام، و أبو بكر يوصي الجيش: لا تقتلوا امرأة و لا طفلا، و لا شيخا... وضحايا عواصم الاستعمار بتأييدها للكيان الصهيوني المجرم معظمهم من النساء و الأطفال و الشيوخ:
قم أبا بكر و شاهد رِدّة بزّت الأمس ضلالا و اجتراما
على العرب و المسلمين شعوبا و أنظمة أن يدركوا أن حائط الصد للجميع غزة، فإما أن يعيش الجميع في مستقبلهم، و من أجله كراما بروح غزة، أو سيعيشون بضعف و ذلة و هوان؛ بما تخطط له الصهيونية العالمية.
غزة تقاتل اليوم وحدها في الميدان، و لا تخدع أحدا حركات الأفلام السينمائية، و عنتريات الجماعات المصنّعة استعماريا و عنصريا، فإنما جاءت هذه من العواصم الاستعمارية، و لا ينخدع بها إلا عمي، أو ردة فعل غير سوية.