كيف تتخذ مليشيا الحوثي من مساعي السلام غطاء لاستعدادها لمعارك عنيفة؟

كيف تتخذ مليشيا الحوثي من مساعي السلام غطاء لاستعدادها لمعارك عنيفة؟

بالتوازي مع مساعي تحقيق السلام في اليمن، تشهد مختلف جبهات القتال في الداخل معارك ومناوشات محدودة منذ مطلع أبريل من العام الماضي، وعادة ما تكون مليشيا الحوثيين الإرهابية هي الطرف البادئ في مختلف تلك المعارك المحدودة وغير المعلنة، والتي بدأت بالتوازي مع الهدنة التي استمرت ستة أشهر، خلال الفترة من مطلع أبريل وحتى بداية أكتوبر من العام 2022، وواصلت المليشيا معاركها بعد انتهاء الهدنة وما زالت مستمرة إلى الآن.

هذه المعارك والهجمات المحدودة والمتقطعة والتي تنشب كل مرة في جبهة مختلفة، ليست سوى تكتيك جديد للمليشيا الحوثية انتهجته بعد فشل معركتها في السيطرة على محافظة مأرب، والتي استمرت نحو سنة كاملة، قبل أن تنسحب المليشيا من أرض المعركة وهي تجر أذيال الهزيمة.

ولجأت المليشيا لهذا التكتيك كونه الخيار الوحيد المتاح أمامها لأنها لم تعد قادرة على خوض معارك عنيفة ومعلنة في وقت ما زال فيه شبح معركة مأرب يلاحقها، وفضلت المعارك المحدودة لتبقي عناصر مليشياتها في حالة من الاستعداد القتالي حتى تتمكن من مراكمة المزيد من السلاح والمقاتلين، استعدادا لخوض معارك جديدة.

- مساعي السلام كغطاء للاستعداد للحرب

عندما تم التوقيع على هدنة إنسانية في اليمن، في مطلع أبريل 2022، كانت تلك المرة الأولى التي وافقت فيها مليشيا الحوثيين على هدنة إنسانية، بعد فشل جميع المحاولات السابقة لوقف إطلاق النار ولو مؤقتا، ولم توافق المليشيا الحوثية على تلك الهدنة إلا عندما رأت أنها المخرج الوحيد المشرف من هزيمتها في معركة مأرب.

ورغم أن الوسطاء الدوليين رأوا في تلك الهدنة اختراقا مهما في جدار الأزمة اليمنية يمكن البناء عليه لتحقيق السلام في البلاد والحل السياسي للأزمة، إلا أن المليشيا الحوثية ظلت تتعاطى مع مساعي السلام لتكون غطاء لنهجها الدموي والاستعداد الدائم للحرب ومراكمة المزيد من الأسلحة وتجنيد مزيد من المقاتلين والدفع بهم إلى جبهات القتال.

وحتى تعاطي المليشيا الحوثية مع مساعي السلام فإنه مجتزأ، حيث تنظر المليشيا للسلام من زاوية المكاسب التي تسعى للحصول عليها بعد أن عجزت عن الحصول عليها بواسطة الحرب، فهي تريد من الآخرين دفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرتها رغم أنها هي من تنهب إيرادات المحافظات التي تسيطر عليها، وترفض إيداعها في حسابات بنكية خاصة لدفع رواتب الموظفين، وفوق ذلك فهي تطالب بنصف إيرادات البلاد من صادرات النفط والغاز، وإلا ستمنع التصدير من خلال الطائرات المسيرة الإيرانية، ولو كانت هي الطرف المسيطر على مناطق النفط والغاز لنهبت إيراداتها بالكامل، ولن تشاركها مع أي طرف، ولن تدفع رواتب الموظفين، وستسخرها في تمويل حروبها على الشعب اليمني.

كما أن جميع ممارسات مليشيا الحوثيين، سواء خلال الهدنة التي استمرت ستة أشهر (من مطلع أبريل وحتى بداية أكتوبر 2022)، أو ممارساتها بعد انتهاء الهدنة وإلى الآن، كلها تؤكد أنها تعد العدة لإشعال معارك جديدة أكثر عنفا وأنه لا نية لها في تحقيق سلام شامل ودائم، وعندما يحين موعد تلك المعارك سيتضح للجميع كيف خدعتهم المليشيا الحوثية بتجاوبها مع مساعي السلام، وأن ذلك لم يكن سوى استهلاك للوقت، حتى يحين وقت المعارك الحاسمة.

ولذا ستظل المليشيا الحوثية تعمل على استمرار تهريب الأسلحة من إيران لتتمكن لاحقا من إشعال معارك عنيفة أملا في تحقيق مشروعها السلالي بقوة السلاح، ومن المحتمل أن إيران ستزود مليشيا الحوثيين بأسلحة حديثة أكثر فتكا وقوة تدميرية لتكون ذراعا قويا لها بعد تنامي التهديدات الأمريكية والإسرائيلية لإيران إثر عملية طوفان الأقصى التي شنتها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني، وتهديد إيران بما وصفته بـ"الرد الخماسي"، أي تحريك مليشياتها في المنطقة إذا تعرضت لأي هجوم.

- الاستعداد المكثف لمعارك قادمة

وخلال الأشهر القليلة الماضية، نفذت المليشيا عددا من العروض العسكرية في صنعاء والحديدة وإب والبيضاء وغيرها، كما سيرت مسيرة مسلحة راجلة من ذمار إلى تعز، كل ذلك ضمن استعداداتها لمزيد من الحروب وسفك الدماء بعد أن تتمكن من زيادة مخزونها من الأسلحة وأيضا زيادة أعداد المقاتلين، أي سد النقص وتعويض خسائرها التي تكبدتها خلال المعارك السابقة في الأرواح والعتاد.

كما أن المليشيا ماضية في تطييف المجتمع وملشنته من خلال المناهج الدراسية ووسائل الإعلام التي سطت عليها ومنابر المساجد، باعتبار ذلك من أهم وسائل استقطاب المقاتلين بعد تطييفهم وشحنهم بثقافة العنف والإرهاب، وتواصل المليشيا تحميل المجتمع دفع فاتورة حروبها وفرض زيادات في الضرائب والجمارك وأيضا زيادة الإتاوات والجبايات واتساع نطاقها لتشمل فئات جديدة مع زيادة مبالغها، وكل ذلك لمراكمة الثراء الشخصي لقيادات المليشيا وتمويل جبهات القتال والإنفاق على التسليح وحشد المقاتلين.

- دلالات معارك الحوثيين المحدودة وغير المعلنة

لم تغامر مليشيا الحوثيين بإشعال معركة كبيرة بعد هزيمتها في معركة مأرب، ومن المؤكد أنها إلى الآن لم تتمكن من تعويض جميع الخسائر التي تكبدتها خلال تلك المعركة، سواء في الأرواح أو المعدات، وأما التصريحات العنترية والتهديدات بإشعال الحرب مجددا منذ توقف معركة مأرب فهي تؤكد ضعف المليشيا، والهدف من تلك التهديدات رفع المعنويات المنهارة لمقاتليها بعد خسارتها معركة مأرب وأيضا خسائرها التي تكبدتها بالتوازي مع ذلك في شبوة وحجة وتعز.

وجراء ذلك فضلت المليشيا الحوثية خوض معارك محدودة ومتقطعة في مختلف الجبهات، ولم تقدم أي عمل أو بادرة حسن نية للتأكيد على رغبتها في السلام مع أنها تُظهِر التعاطي مع مختلف مساعي السلام، ما يعني أنها توظف تجاوبها مع مساعي السلام ليكون ذلك غطاء لاستعداداتها لجولات حرب أكثر دموية وعنفا، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وأما المعارك المحدودة والمتقطعة التي تشعلها من حين لآخر فلها أهداف عدة، منها:

• الاعتقاد أنها معارك استنزاف للجيش الوطني وإرهاقه، مع أن المليشيا تستنزف نفسها أكثر من استنزافها للجيش الوطني، لأن الطرف المهاجم يتكبد خسائر أكثر من الطرف المدافع.

• الاعتقاد أن المعارك المحدودة وغير المعلنة لن تتطلب عودة التدخل العسكري لتحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية.

• المعارك المحدودة والمتقطعة ستعفي المليشيا من خسائر المعارك الكبيرة والمعلنة، مثل معركة مأرب، وما لذلك من تأثير كبير على معنويات مقاتلي المليشيا.

• تلك المعارك ستجعل مقاتلي المليشيا في حالة استعداد دائم للحرب وعدم إهمالهم ليركنوا للراحة والدعة وبالتالي الانسحاب المحتمل لبعضهم من جبهات القتال.

• المعارك الخفيفة والمحدودة تعد تضييعا للوقت في المراوغات وجعل البلاد في حالة لا حرب ولا سلم حتى يحين وقت إشعال معارك عنيفة والتصعيد العسكري الشامل.

• المعارك المحدودة والمتقطعة تعد من وسائل استهلاك الوقت وبالتالي الرهان على متغيرات محلية أو إقليمية أو دولية تصب في مصلحة المليشيا.

وهكذا يتضح مما سبق أن الرهان على إمكانية جنوح المليشيا الحوثية للسلام يعد عبثا بقضية مصيرية تهم الشعب اليمني بمجمله، لأن المليشيا تتخذ من مساعي السلام غطاء لاستعداداتها المكثفة لإشعال معارك جديدة أكثر دموية وعنفا من المعارك السابقة.

ولذلك فإن التعجيل بالقضاء على الانقلاب الحوثي يعد الأساس لتحقيق الاستقرار والسلام في اليمن وجواره الجغرافي، وما عدا ذلك فإن كل زيادة جديدة في عمر الانقلاب ستخلق تحديات مستقبلية كبيرة، وستجعل مهمة استعادة الدولة أكثر كلفة من جميع النواحي.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى