ستون عاما مضت على انطلاقة ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام 1963م التي اندلعت لمواجهة الاستعمار البريطاني في جنوب الوطن واستكمالا لأهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر التي كان هدفها الأول التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما ، فإذا كان الاستبداد الكهنوتي قد أسقطه ثوار سبتمبر فرديفه الاستعمار الأجنبي قد فقد بهذا السقوط عاملا مهما في بقائه فكان السقوط هو المصير الحتمي له.
منحت ثورة سبتمبر دافعا قويا للثوار في الجنوب لإعلان ثورتهم على المستعمر البريطاني بعد تأمين ظهرهم وأصبحت لديهم مساحة واسعة للتحرك والمناورة والاسناد وعلى الرغم من أن الحكم الإمامي بقي يقاوم السقوط ويحاول الاستفادة من الظروف الإقليمية للعودة من جديد ووجد في نكسة العرب في حزيران فرصته للانقضاض على النظام الجمهوري إلا ان انتصار ثورة اكتوبر ونيل الاستقلال الوطني جنوبا قد قضى على أحلامه بالعودة فالجنوب حسم أمره بأن تكون دولة الاستقلال جمهورية تبنى على انقاض السلطنات المتناثرة فضاقت خيارات الملكية وسقطت بعد أن كادت تحاصر وتخنق الجمهورية في صنعاء.
لقد كانت الثورتان نهجا واحدا فكرا وسلوكا وواحدية في المصير والقرار فسقوط الامامة عجل بسقوط المستعمر ورحيله وجلاء المستعمر أسقط خيارات العودة للكهنوت وطوى صفحتهم وبدد احلامهم.
هذه المعادلة بقيت ملازمة لتاريخينا السياسي كل نقطة ضعف في جدار الجمهورية او مساحة ينفذ منها الاعداء تعني تهديدا للوطن كله إذ ان عهد الحكم الإمامي كان بالنسبة لليمنيين أقرب الى الموت منه الى الحياة بعد أن سدت في وجه الشعب كل منافذ الحياة والتواصل مع العالم ليعيش معزولا يصارع فقره ومرضه والجهل الممنهج الذي كان يستمد منه الكهنوت البقاء.
منذ فجر الثورتين سبتمبر واكتوبر لم يتوقف العداء الثأري لأهدافها والخطر المحدق كان ياتي دوما من القوى التي لم تستوعب بعد ان تكون هناك دولة تقوم على قاعدة المواطنة المتساوية التي تنسف فكرة فرز المجتمع الى طبقات أو مناطق تشتته وتضعفه ، صحيح ان هذه القوى استطاعت التسلل والنفاذ ونسف مؤسسات الدولة لكنها في الحقيقة أظهرت لأبناء اليمن سلوكها التدميري للقيم الوطنية وهو ما يدفع ابناء اليمن شمالا وجنوبا الى الإدراك العميق ان ثورتيه كانتا منجزا خالدا لا يمكن التفريط به.