في الذكرى الستون لثورة 14 أكتوبر 1963، ضد الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن، والذي ظل جاثماً على البلاد 128 عاماً، وعمل على تعزيز الانقسامات، وبالعودة إلى مناضلي الثورة برز دور المرأة اليمنية بشكل لافت في تضحياتها الجسيمة بمعركة التحرير التي استمرت أربع سنوات.
وسجل التاريخ للمرأة دورًا نضاليًا مشرفًا، في بروز أسماء مناضلات لعبن دوراً قيادياً ومحورياً في ثورة 14 أكتوبر ضد المستعمر البريطاني، وكانت كيانات النضال للنساء مصدر قوة في تلك المعركة الخالدة في وجدان الشعب اليمني، حتى طرد آخر جندي بريطاني في 30 نوفمبر 1967.
ظهرت الحركة النسائية اليمنية بشكل كبير في جنوب الوطن بعكس الشمال، لأسباب عدّة منها أن المرأة في الجنوب نالت نصيبها من التعليم خلال الأربعينات والخمسينات، إضافة إلى وجود الحياة المدنية والجمعيات، وكانت أول نقابة للمرأة اليمنية في تاريخ البلاد باسم "جمعية المرأة العدنية" برئاسة أم صلاح محمد علي لقمان.
ساعد هذا المناخ والظروف المرأة في أن تسهم في نشر الوعي بين النساء بأهمية تحرير الوطن، حيث كان وضع المرأة في جنوب اليمن متقدماً مقارنة بكثير من الدول العربية وكانت القوى الثورية منفتحة على المشاركة الواسعة سواء في المظاهرات أو مساندة العمل المسلح وهناك الكثير من الفدائيات.
دور بارز
كان حضور المرأة اليمنية في ثورة 14 أكتوبر متميّز، حيث قادت مظاهرات حاشدة عام 1959، وشاركت في التنظيمات السياسية بمختلف أطيافها القومية واليسارية، وجسدت تاريخاً نضاليًا بارزًا في مقاومة السلطة الاستعمارية بمدينة عدن وغيرها.
وسجلت أول فعالية احتجاجية ضد السلطات الاستعمارية في كلية البنات بخور مكسر عام 1962م، وكانت بمثابة الشرارة الأولى لانطلاق ثورة 14 أكتوبر التي اشتعلت فيما بعد ذلك حمماً وبركاناً في وجه المستعمر.
وقالت الإعلامية أمة الرحمن عارف "إن ما يميز ثورة أكتوبر هو الحضور الثوري البارز للمرأة، والمتتبع لمسار النضال التحرري ضد الاستعمار البريطاني لجنوب اليمن يلحظ تعدد الأدوار البطولية التي اضطلعت بها الحركة النسائية اليمنية بمختلف تياراتها".
وأضافت لـ"الصحوة نت"، "أن المرأة اليمنية مارست دور كبير في التنوير والتثوير في أوساط النساء من خلال الأندية والجمعيات النسوية، إلى الاشتراك في تنظيم الإضرابات وقيادة المظاهرات".
ولفتت "أن النساء كان لهن مشاركة فاعلة في النقابات العمالية وقيادة العمل الطلابي، إلى الانخراط في الخلايا السرية للعمل المسلح، إلى المشاركة العلنية في المعارك المسلحة ضد الاستعمار وأعوانه".
بطولة وعمل سياسي
وسياسياً، بدأت الأنشطة النضالية المنظمة للمرأة جنوب اليمن بنشوء الجمعيات النسائية، فقد أسست أول جمعية للنساء في الخمسينات وهي الجمعية العدنية للنساء.
وتلاها ظهور أول صحيفة نسائية كانت ترافق العمل النضال في التوعية والتوثيق وهي صحيفة "فتاة شمسان" وقد أسستها الصحفية المعروفة في سماء عدن "ماهية نجيب".
وقالت الناشطة السياسية غيداء الناخبي، "شاركت المرأة اليمنية في تنظيم الجبهة القومية منذ نشوء التنظيم، كما شاركت المرأة بمختلف أشكال النضال السلمي من خلال النقابات العمالية منذ تأسيس مؤتمر العمال 1956م".
وأضافت في حديث لـ"الصحوة نت"، "هذا الأمر دفع بالعديد من النساء المناضلات بالانضمام إلى جمعية المرأة العربية لممارسة نشاطاً عاماً داخل هذه الجمعية سمح لهن بالعمل علناً، ومن أوائل المناضلات كانت زهرة هبة الله وعائدة علي سعيد ونجوى مكاوي وفتحيه باسنيد، وأنيسة محمد سعيد الصائغ".
وأوضحت "لا يمكن اغفال الدور البطولي الذي لعبته المرأة في مراحل حرب التحرير وتحقيق الاستقلال في جنوب اليمن، حيث كانت تساعد الثوار والمقاتلين في تنقلاتهم إلى القرى والجبال العالية، وتزودهم بكل ما يحتاجونه من طعام ومياه في منازلهم، وتقدم لهم الإسعافات الأولية".
فدائيات ومقاتلات
ولم يقتصر دور المرأة على العمل التوعوي والسياسي وتنظيم المظاهرات وحماية ظهور الفدائيين بشجاعة وبسالة، بل كانت المرأة شريكة في الكفاح المسلح، إذ شاركت في العمليات العسكرية والمعلوماتية واللوجستية.
ولعبت دوراً بارزاً في تسهيل تنقّلات الثوار، وإيصال الأسلحة والذخيرة إلى المقاتلين في الجبهات، وتزودهم بما يحتاجونه من غذاء وفي اسعاف ومداوة الجرحى، بل أن البعض حملت السلاح وقاتلت المستعمر البريطاني. وكانت منخرطة بشكل كلي في عملية النضال الشامل.
كانت النساء في ثورة 14 أكتوبر تحرض وتتظاهر وتجمع التبرعات وتوزع المنشورات، وصولا الى تهريب الأسلحة والاشتراك في القتال، واللافت أنهن كُن قيادات فاعلات ويقمن بأدوار حقيقة ومؤثرة في مسار الكفاح المسلح.
وقالت امة الرحمن عارف "حملت المرأة اليمنية البندقية وشاركت في العمليات المسلحة وفي خنادق القتال بكل بطولة واقتدار، لتصنع غدها المشرق وتطرد الاحتلال عن أرضها، وتصنع لأجيالها ملحمة بطولية فذة".
وتابعت "ليس هذا فحسب بل نالت المرأة في ثورة 14 أكتوبر شرف الاستشهاد فهناك الشهيدة خديجة الحوشيبة، والشهيدة عائشة كرامة ونجوى مكاوي، وفوزية محمد جعفر".
وأشارت عارف، إلى أهمّية تذكر مظاهر التلاحم الشعبي وواحدية الثورة والإرادة الوطنية على مستوى الشطرين في ذلك الحين وقالت: "ما إن انطلقت ثورة الـ26 من سبتمبر في صنعاء ضد الاستبداد والكهنوت حتى هبت الجماهير في عدن لتأييدها والدفاع عنها، لتنطلق بعدها مباشرة ثورة الـ14 من أكتوبر لتطوي حقبة الاستعمار وتتوّج بتحقيق الوحدة الوطنية".