في ال 14 من اكتوبر 1963م اطلق الثوار الشرارة الاولى لثورة تحرير جنوب اليمن المحتل من قبل الاستعمار البريطاني منذ دخوله الى عدن عام 1839م، ولم تكن ثورة ال 14 من اكتوبر وليدة اللحظة ولا ردت فعل شعبية على موقف ما من نظام حاكم بل تعتبر من الثورات العربية القلائل التي انطلقت في حينها دون ان تحدد ساعة الصفر لإنطلاقها من قبل الضباط الاحرار كما حدث في اغلب الثورات العربية، فقد تميزت ثورة التحرير هذه او كما يطلق عليها البعض ثورة الاستقلال عن غيرها بأنها لم تطلق رصاصتها الاولى الا بعد تهيئة ظروفها الموضوعية والذاتية وعلى رأس ذلك تحقق النضوج الكبير لقادتها الذين انخرطوا في حركة القوميين العرب كما كان لقيام النظام الجمهوري في صنعاء واسقاط الملكية في ال 26 من سبتمبر 62م اثر كبيرا في انطلاقها في الجنوب اليمني فقد شكلت المواقف الاخوية لحكومة صنعاء في حينها عاملاً رئيسيا في انطلاقها وعلى سبيل المثال فقد كانت البندقية التي اعلن من خلالها الشهيد راجح بن غالب لبوزة انطلاق الثورة احدى البندقيات التي استلمها الشهيد اثناء مشاركته بالدفاع عن النظام الجمهوري في شمال الوطن ومن ثم عاد بها الى ردفان ومن هناك اعلنت الثورة وسقط لبوزة كأول شهيد بعد اعلان الكفاح المسلح ضد الامبراطورية العظمى التي لا تغيب عنها الشمس كما كانت توصف في حينها.
نقول للتاريخ انه كما هب ابناء جنوب اليمن للدفاع عن الثورة في شماله نجد ان الارض في شماله كانت هي الجغرافيا الاولى للثوار وبها موطىء الاقدام التي انطلقوا منها الى الجنوب وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على واحدية الهدف والمصير على الرغم مما يحصل من سلبيات واخطاء مشوهة لذلك.
لقد كان النضج الفكري والسياسي لقادة الثورة في الجنوب اثرا كبيرا ابتداءً من عملية التخطيط لها وحتى اعلانها بعد استكمال مقوماتها وتهيئة ظروفها الموضوعية كسقوط الملكية في الشمال وايضا ارتباط قادتها بالحركات التحررية العربية وعلى راسها حركة القوميبن العرب، وكذلك تهيئة الظروف الذاتية من خلال التلاحم الكبير بين ابناء الشعب وقواه السياسية والثورية والشعبية من مختلف الفئات والشراىح حتى الطلاب والفلاحين وواحدية الهدف العام للقوى الثورية وهو اخراج المحتل البريطاني من جنوب اليمن المحتل، كما ان استراتيجيات الثورة لم ترتكز على الكفاح المسلح فقط وهذا ماتميزت به ثورة ال 14 من اكتوبر عن سواها من الثوارات العربية في عدد من الدول حيث ان الثورة سلكت استراتيجية النظال السلمي الى جانب المسلح كالمظاهرات والمسيرات والاضرابات عن العمل والاعتصامات السلمية وهذا دليل على ثقافة الثورة ونضجها الكبير على المستويين القيادي والشعبي وساعد في ذلك المستوى التعليمي الجيد الذي كانت تتمتع به محمية عدن وبعض السلطنات والامارات الجنوبية بل وصل الامر ان هناك من السلاطين والامراء من شارك في الثورة وكان يرى ان اخراج الانجليز من ارض الجنوب واجب ديني ووطني ومن هذا المنطلق وكما اخبرني احد المناظلين قائلا ( كان الثوار عندما ينفذون بعض العمليات الفدائية ضد معسكرات الانجليز كان بعض الجنود العرب العاملين في معسكرات مدعومة من الانجليز يسهلون دخول الثوار الى المعسكرات وخروجهم بعد التنفيذ لانهم يرون ان الثوار مجاهدون ضد .. المحتلين).
اننا هنا وعند الحديث عن ثورة ال 14 من اكتوبر ومن باب الانصاف وكما تحدث بذلك رواد الثورة الاوائل حين اشادوا بمواقف ثوار ال 26 من سبتمبر الذين كانوا نعم السند لاخوانهم في جنوب اليمن فقد كانت تعز منطلقا رئيسيا للثوار وكان الرئيس الراحل قحطان محمد الشعبي يقود العمل السياسي من هناك ومنها قال الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر في كلماته الثورية الخالدة اثناء زيارته لليمن عام 64م ( الشعب اليمني اقوى، وعدن أقوى من بريطانيا، ولابد ان تحمل عصاها وتخرج من عدن، لابد ان تحمل عصاها وتخرج من الجنوب فإن عدن عربية)، وهو ماتم بعد 3 سنوات وبالتحديد في ال 30 من نوفمبر 67م عندما غادر آخر جندي بريطاني لأرض الجنوب اليمني المحتل واعلان الاستقلال بعد مرور 129 عاما من الاحتلال.