خمس و سبعون سنة، و القضية الفلسطينية أوراق تتداولها أروقة الأمم المتحدة، في ظل تعاطٍ أقل ما يقال فيه أنه تداول لا يتجاوز مناورة دول الاستكبار، بغرض اللعب على الوقت الذي سيكون هو الحل المبيت الذي يرجوه يهود، و يعمل عليه بصورة ممنهجة زارعو الكيان الدخيل على الأرض العربية.
ركَن الكيان و حلفاؤه أن جيل النكبة سيجد نفسه لاجئا مشتتا، بين أن يدافع عن أرضه و بين أن يرتب تبعات الأوضاع التي جاءت فوق طاقته و قدراته، و بالتالي فإن مقاومته للاحتلال ستكون مهيضة ضعيفة، و أن الجيل الذي سيله ستكون مقاومته للكيان أضعف؛ ليصل مَن وراءه إلى حدد الهوان و الاستسلام.
و باختصار ؛ أثبتت الأيام و الأعوام أن العكس كان هو الأصل، و أن الشعب الفلسطيني كان يتمدد رأسيا و أفقيا بالروح المقاوِمة، و أن كل جيل كان أقوى رفضا، و أشد مقاومة للاحتلال ممن سبقه، دون هضم لسابقيه.
الجريمة التي زرعت الاحتلال ظلت ترعى إجرامه، و تدافع عن همجيته، بمناورات مخادعة أحيانا، و بمواقف عدائية مجاهرة في الأغلب.
كل عدوان، و إجرام و قمع و بطش الكيان الصهيوني الغاصب، لا يتجاوز تعبير أسياده تجاه جرائمه الوحشية إعلان القلق، و هكذا طيلة الخمس و السبعين سنة.
في السنوات الأخيرة تمادى الكيان الصهيوني في عربدته، و وصل إلى انتهاك المقدسات و القتل بدم بارد، و طغيان العبث و الإفساد المجاهر والمتعالي باستكبار، و أسياد الكيان يراوغون بكلمات غاية في الرقة و اللطف فيما يوجهونه من نقد باهت، أو لوم كليل ..!!
و جاء طوفان الأقصى محتقنا، غاضبا، هادرا، مزمجرا، و في ذهنه و على رأسه مظالم السنين التي لم يُعرها من يسمي نفسه العالم الحر أدنى التفاتة، و لن أقول إنسانية؛ لأن الأقنعة قد سقطت بالتمام، و تعرت كل المزاعم.
جاء طوفان الأقصى، بعملية أذهلت الدول الكبرى قبل الصغيرة، و وضعت راعي غنم في صحراء نائية و استخبارات ماوراء النجوم و البحار و الأفلاك على حد سواء من الجهل.
و فجأة ..!! و بلا حياء، و لا إنصاف، و لا احتمال عذر، انهالت الإدانات و التنديدات ضد المقاومة الفلسطينية المدافعة عن حقها في الحياة، من دول ذكّرتنا باصطفافها الأول أيام زرعها لهذا الكيان الدخيل.
يفتش، و ينقب، و يتحرى المواطن العربي، و كل إنسان حر منصف في العالم؛ ليجد موقفا واحدا وقفته هذه الدول تضامنا مع الفلسطينيين، أو تنديدا واحدا يدين، أو يستنكر، أو يرفض العنت و الإجرام الصهيوني.
نريد يا عالم .. يا إنسانية .. يا عالم حر: نريد فقط إدانة واحدة ، تنديدا واحدا ، استنكارا واحدا يدين جريمة من كل جرائم الكيان الصهيوني طيلة خمس و سبعين سنة ..!!؟
فما بالكم اليوم جن جنونكم ! و قد كان العدل، و الإنصاف، و القانون، و لوائح الأمم المتحدة، و أنظمتها، و قرارات مجلس الأمن، وراء الظهور، و ربما تحت الأقدام من أجل طمس و منع أي حرف يقترب لإدانة الكيان الصهيوني الغاصب ..!!