* حدث مفصلي وملفت،ذاك الذي تخللته ذكرى ثورة٢٦ سبتمبر الأم ٦١،إذ علاوة على الإحتفاء المعبئ سنويا،رسميا وشعبيا،فقد جاء هذا العام بانتفاضة متزامنة.وهذا ما يجعل الذكرى جد مختلفة،سيما بعد تغييب قسري دام لما يقارب العقد في العاصمة صنعاء،وذلك منذ سطو الحوثية عليها في ٢١سبتمبر٢٠١٤م.
وهنا نحاول تقصي الدلالات والأبعاد والمعاني لهذه الذكرى بانتفاضتها ومباهج احتفاءاتها تلك.
** لا غبار على أن ٦١ عاما في ثورة٢٦ سبتمبر قد خلقت بعدد سنواتها تلك اجيالا ثورية تتناسل بعضها من بعض.إذ لم يعد الجيل هنا مفهوما انثروبولوجيا بحتا،بل ثوريا معياره الثورة نفسها،وهذا يعني أن ما يصل ويربو على ٣٠ مليون إنسان قد أضحت الثورة ٢٦ سبتمبر هوية لهم،وأناهم الثورية هي المحدد لهم وللآخر في قاعدة الحكم على الأشياء.
إذ تصطرع الهويتان،هوية الشعب و"الهوية الإيمانية" الفيزيقية الحوثية،إرادتان،إرادة الشعب والإرادوية الحوثية،والتي تسقط وتختزل وتسف معنى الهوية ومفهوم الإرادة الشعبية. فدينامية الشعب وهويته متحركة،حية،نشطة،ايجابية،ثورية،ثابت سياسي واجتماعي،ووطني...،بينما الحوثية وهويتها الإيمانية وشعبها المختزل ميت،منسلخ من الذات،منشطر بين اللاوعي والأنا المنقوصة.
وبالتالي فانتفاضة الشعب المتزامنة مع هكذا حدث تروم-رامت ونجحت- استعادة الشعب والهوية من اسار المفهوم الحوثي،وتأويلاته الثاوية والعقيمة،وتمايزه وتؤكده من ثم،إذ هي متلازمة لاهوياتية،لا وطنية،لا سياسية،ليست من ثقافة الشعب في شيئ.
إذ هوية الشعب تخاطب البنية الذهنية والفكرية المكونة لها ومنها في الأساس،البنية المفاهيمية الصرفة،البنية القارة في الذهن والوجدان،والشعور الإنساني الخلاق،المبدع لها.
أما الحوثية الإمامية فهويتها الإيمانية ليست سوى ضرب من" فوضى مفردات لا تعكس غير حال من التضخم في اللغو الأيدلوجي، يمتنع منها وضوح"حسب تعبير عبدالإله بلقزيز. هوية لا تتحرج في ومن إعادة قسمة الشعب الواحد إلى تكويناته" الأنثروبولوجية العصبوية"- ما بين القوسين تعبير بلقزيز"،وذلك عن طريق احياء مفردات بغيضة للطائفة،والمذهب،والقبيلة،والعشيرة،والجهة،والإسهال في الحديث عن احتكارية هذا،ومظلومية تلك،أي تحريض الأهل على الأهل! حسب فكرة وتعبير بلقزيز.
وبهذا فالإنتفاضة في بعدها الصاخب رامت استعادة التوازن المجتمعي،النفسي والشعبي،والذي دمرته الحوثية واعتمرته لمواجهة الشعب نفسه،لمناوئته هويته،لنقض مبادئه، وقيمه،واجتثاث ثوابته.إذن فهي انتفاضة واعية بذاتها،تحد واصرار وغضب إزاء امبراطورية الخوف التي استزرعتها واسترعتها الحوثية،وتنظيمها الميلاشوي الإمامي العفن،وكسرا لامبراطورية الخوف تلك في العمق.
إذ الإرادة الجماعية هنا فعل نضال وطني متراكم،ومؤسس على حدث ثورة٢٦ سبتمبر العظيم ذاته،في وجه إرادوية حوثية"=إمامية"،مجتثة لكل ما سواها. وعي جماعي وذاتي بطاقة عالية وبثقة بالشعب وفي الشعب وللشعب نفسه،إذ تؤسس للسياسة المجتثة حوثيا،فالسياسة هي بالشعب وللشعب في الشعب،كما تفصل بين كل ذلك والشعب من جهة ،وبينها والحوثية من جهة اخرى،حيث السياسة في الحوثية ومعها امتناع تام،وشتان بين النقيضين!
وما تمزيق العلم والدوس عليه واهانته سوى تمزيق لروح ونسيج ووحدة اليمن ووطنيته والشعب معا،اهانة لرمز وتجسيد هذه الأمة/الوطنية/اليمنية،تمزيق لإرث ونضال ثوري لقرن كامل،تمزيق لوحدة المجتمع وكليته العينية،تدنيس لذات الشعب الواعية،واستبداد بوعيه السياسي وارهابه،وعقيدته الوطنية.
ومثلما يدل ذلك على التمزيق والإهانة على نجاح الحوثية ومدى تأثيرها وتغلغل ايدلوجيتها ووقاحتها في وعي من قام بفعل التمزيق ذاك،بقدر ما يكشف حقيقة تربيتها وتجنيدها وتعبئتها لميليشيا سرية معادية لكل ماهو يمني،وطني،هوية وشعبا ورمزا،إذ يدل ذلك ويعني في بعده الأكبر أنها لا تنتمي لليمن وليست منه ارضا وشعبا وإنسانا،حتى لو استخدمت اليمني الساذج الجاهل،فهو ضحيتها مثلما اليمن اضحيتها القارة.
فالفعل-اي فعل الإهانة والتمزيق-هو عقيدة إمامية راسخة،هدفها إذلال الشعب وكسر نواميسه الكونية،"حسب مسند الأغريق"،أي قوانينه وخطوطه الحمراء،شرفه وكبريائه،إبائه،نخوته وشجاعته،إرادته وتجريف وعيه،سحق كرامته،كما ترمي تلك السياسة الإستعمارية إلى أن لا تاريخ ولا رمزية،ولا مكانة،لا وعي ولا إرادة،ولا هوية،ولا مستقبل وضاء،او ماضي مجيد لليمني سوى الإمامة ممثلة بحركتها الحوثية.
وكما يؤكد الحراك/الإنتفاضة على تآكل واهتراء بنى الحوثية من الداخل،حتى لو بدت متماسكة للخارج،فهي ضعيفة ومهلهلة وهشة أمام إرادة الشعب الجماعية،إذ تثبت الإنتفاضة بأن لا هيبة سوى للشعب،وما الإمامة سوى التوحش والبدائية والخور والضعف،وأن الشعب بتحركه لن يسمح باضفاء هالة من هيبة،او زعم من وفي مكانة للحوثية،وهي من عملت على اسقاط هيبة الشعب،وصادرت واغتصبت مكانته لتحل محله.
كما تؤكد الإنتفاضة على انعطاف كبير ،إذ ثمة"طاقة فعلية وافتراضية"-عبارة بلقزيز وفكرته-،ولا بد من ان تؤخذ في اعتبار أي حساب سياسي،من السلطة"الشرعية"،أم من الأحزاب،وصولا للخارج الإقليمي والدولي في آن معا.
فطاقاتها الفعلية-أي الإنتفاضة-فقد أفصحت عن نفسها في قدرة تعبوية سريعة وعاصفة وخاطفة وملحوظة ومستمرة،منذ عام-في إب انموذجا-،وعلى حشد قطاعات عريضة والشباب اليمني في تأكيد حضوره ومعركته الوطنية-أعني في محافظات تحت وطأة الميليشيا-،وأما طاقتها الإفتراضية،فقد ادركت"ضم عين ألف ادركت"امكاناتها القوى المادية بين السلطة والشعب،فليس هناك مبررا لسلطة الحوثية اللجوء للسلاح،وإن ظلت تستخدمه اغتيالا،او قمعا واخفاء،ولا امكانية المغامرة به اثناء مواجهتها للشعب المنتفض،إذ أن الإنتفاضة والحركة المجتمعية قد احدثت إخلالا،بالتوازي الذي تقوم عليه وبه الحوثية،إذ التوازي يعني الإنقسام،كما يساوي الضعف،يساوي الاستكانة والصمت،وبهذا فقد استفاقت الحوثية على توازن في الإرادات من نوع آخر،لم تكن تحسب له أي حساب!
إذ هو توازن يضع توازي الضعف أو الإستضعاف،الذي تعب منه الحوثية،توازن يضع الحرية في كفة،كما يضع الميليشيا والإمامة في كفة اخرى،ولذا أصبح ميزان الشعب هو الأقوى ،إذ سد منافذ التوازي الذي كانت تنفذ الحوثية منه وتتسلل.
كما تروم تلك الطاقة والدينامية الشعبيةلتحرير الصورة من النمطية والسلبية التي كونتها الحوثية عنه/ها،وارتسمت في مخيلة الخارج اقليميا ودوليا،على أن ثمة امكانية واحتمال لأن يتماهى الشعب مع الحوثية،او حتى سيتكيف معها كواقع مفروض.فعشر سنوات حرب ،بل ومنذ٢٠٠٤م،أي ما يقارب ٢٠ عاما،لم تستطع الحوثية تدجين الشعب،ولذا فهي في حكم الطوبى والأماني المستحيلة.
إذ الإنتفاضة تضع شروطا للإندماج والتكامل بين العمل والفعل السياسي والعسكري،وملامح التسوية التي تلوح بالأفق،وبين ما يجب الأخذ به كمبدأ ناظم وحاكم لسيرورة ذلك،فالإنتفاضة تقول بأمر تفكيك الحوثية كتنظيم وسلاح وايدلوجيا،وكسياسة لا بد منها،خصوصا إذا أراد الإقليم والمجتمع الدولي النجاح للسياسة تلك،وأن توضع الحوثية كأفراد أو جماعة سياسية ،بعد نزع السلاح وتفكيك البنية الميلاشوية،والذهنية،على قدم المساواة،حالها حال بقية القوى السياسية والحزبية؛فالتناقض الحاصل في الرؤية والسياسة المتبعة ،نتاج لتناقض الواقع،أو بعبارة احرى وأدق،أن تناقض الواقع هو نتاج لتناقض تلك الرؤية السلبية والخاطئة واللاسياسية في العمق،وبذلك فإرادة الشعب المنتفضة تتوخى وضع حد لهذا التناقض الصارخ،تلك السياسة المتناقضة،والتي تريد واقعا لا يساعد على السلام ولا يعزز فرصه،بل ويجعل من مسألة الدولة والمجتمع والسياسة خاضعة لهذا المنطق المتناقض الأهوج،وغير البريئ البتة!
فهذا هو الدرب الذي على الجميع اجتراحه،ولكي يقبل الشعب بالحوثية كقوة سياسية-بافتراض النزع والتأهيل والتفكيك،كما جاء بالفقرة السابقة-،فعليها أولا أن تبلور سياسة أنها من الشعب وبالشعب وإلى الشعب،بثوابته وقيمه،بمبادئه وهويته،بتوجهه واتجاهه،فذلك اساس الإندماج والإعتراف الرسمي والشعبي بها. وهذه هي دلالات وأبعاد ومعاني ظاهرتي الإنتفاضة والإحتفاء المتزامنتين.