أهانت مليشيا الحوثي أعلام الجمهورية اليمنية، ومنعت المواطنين من رفعها وصادرتها، وداسها عناصرها تحت الأقدام مع ترديد صرخات الموت في وجه بضعة شباب خرجوا مساء الخامس والعشرين من سبتمبر، يجولون شوارع صنعاء، ويرددون أغاني أيوب.
اعتقدت قيادات المليشيا أن لا صوت يعلو فوق أسلحة عناصرها، ولا صرخة أقوى من "الموت.."، فأوغلت في عداء اليمنيين والانتقاص من جمهوريتهم، وزجت بالمئات من الشباب في سجونها، وأطلقت الرصاص على المحتفلين، واعتدت بصفاقة على مسيراتهم، فجاء رد الشعب الصامت والصابر، عاصفا بالمليشيا ومحاولاتها لطمس الهوية وسلخ اليمنيين من انتمائهم الوطني.
خرج الشباب كالسيل الجارف في كل شارع وحارة في صنعاء، وفي الحديدة وفي إب، رافعين العلم الوطني، صارخين بصوت كل الغيورين على الوطن بـ"الروح بالدم نفديك يا يمن".
مشاركون في تلك التظاهرات الغير مسبوقة، تحدثوا لـ "الصحوة نت"، عن مشاعرهم، وعن انطباعاتهم، كما رصد "الصحوة نت" مشاعر جياشة انعكست أصداؤها على مواقع التواصل الاجتماعي، وتشير في مجملها إلى رأي عام واحد سيعيد تشكيل المشهد اليمني، خلاصته تؤكد أن ردة الفعل العفوية، والحراك الوطني العام، الذي شهدته صنعاء ومدن أخرى، مقدمة طبيعية، "للانفجار الشعبي الوشيك" ضد المليشيا الإرهابية ومحاولاتها إعادة اليمن إلى عصور التخلف والجهل والإمامة الكهنوتية البغيضة.
فخر واعتزاز
يقول خالد لـ"الصحوة نت"، وهو أحد المشاركين في الاحتفال بجولة ريماس، "حين رفعت العلم الوطني أمام مسلحي الحوثي خالطتني مشاعر لم أحس بها من قبل ما بين الفخر والاعتزاز والغضب"، مضيفا "شعرت لأول مرة بأني أفعل شيئا مفيدا لبلدي، ووسط الحشود عدنا بالذاكرة إلى يمن ما قبل الحوثي، بصراحة الشعور لا يوصف".
وأكد حسن، وهو شاب في بداية العقد الثالث، أنه "شعر لأول مرة بقيمته كمواطن، وليس كعبد للحوثي، وللمرة الأولى كسرنا حاجز الخوف والصمت، ولو عاد الحوثي لإهانة العلم والتطاول على ثورة ٢٦ سبتمبر، فسنعود ونخرج بعدد أكبر".
ويضيف الشاب لـ"الصحوة نت": "قبل بضعة أيام أقام الحوثي استعراضا عسكريا لزرع الخوف والرهبة في نفوس الناس وبالذات الذين يطالبون برواتبهم، وعشية 26 سبتمبر، ذهبت محاولاتهم تلك أدراج الرياح، وخرج الشباب واشتبكنا مع الحوثيين في السبعين، وشاهدنا عددا من مسلحيهم يهربون، حدث هذا ونحن عدد محدود من الشباب خرجنا بشكل عفوي فما بالك إذا قرر الشعب أن يثور ضد هذا الحكم الفاشي القاسي".
وتحدث هلال، وهو صاحب محل في أحد الشوارع التي كانت مسرحا للتظاهرات لـ"الصحوة نت"، قائلا "عندما رأيت الشباب قادمين نحوي والصيحات تتعالى والرايات مرفوعة وجدت نفسي أصرخ معهم بدون وعي، وعيوني تذرف الدموع في لحظة لن أنساها ويعجز لساني، ويخونني تعبيري في شرحها... أخذت أرش المياه المعدنية على الوجوه الفتية الطاهرة، وأنا أصرخ معهم بالروح بالدم نفديك يا يمن".
يضيف هلال "أيقنت أن هذا الشعب منصور مهما حاول الطغاة الدوس عليه، وشاهدت الذل والانكسار في وجوه الحوثيين الذين أهانهم الشعب حتى وهم في ذروة قوتهم وجبروتهم".
رسائل قوية
تلك التظاهرات العفوية، جاءت أصداها أقوى من عروض المليشيا وفعالياتها الطائفية، وهذا ما أكده الانتشار الواسع للمقاطع المصورة والصور التي يجهل غالبية من أعاد نشرها، من هو مصورها وناشرها الأول، وتحت وسوم متنوعة ومتعددة تم تداولها، تصدرت بعض تلك الهشتاجات ترند مواقع التواصل داخل اليمن وخارجها، كما ألهبت مشاعر الكثير من المسؤولين السابقين ورجال الفكر والثقافة والمغتربين والطلاب والمحاصرين في منازلهم داخل صنعاء وخارجها.
وفي تغريداتهم ومنشوراتهم، اعتبر الجميع أن ما شهدته صنعاء، رسالة إنذار قوية للمليشيا، ويقول وزير الثقافة السابق خالد الرويشان عن ذلك، "صنعاء الجمهورية ترد! شوارع صنعاء 26 سبتمبر ترد على تمزيق العلَم الوطني ومنعه، شعبُنا السبتمبري الجمهوري لم يمُت رغم التجويع والتجهيل".
وخاطب الرويشان زعيم المليشيا عبد الملك الحوثي إن “القوّة الحقيقية أن تحكم البلاد باختيار الشعب وانتخابه لك من سقطرى والمهرة حتى صعدة، القوّة الحقيقية ألاّ يضيع منك شبرٌ واحد من البلاد! هذه ألف باء الوطنية".
وكتب الدكتور مروان الغفوري "غداً، في يوم مماثل، ستهب العواصف من كل البيوت سيخرج من كل قرية ألف، من كل زقاق ألفين، ومن كل مدينة مائة ألف. سيصعدون إلى الطيرمانات ويهبطون إلى الجحور، سيركضون وراء تيس مران الأشرم، من حفرة إلى أخرى حتى قيام الساعة والساعة هي الشعب"، موضحا "ما يجري الآن في اليمن هي البروفة الأخيرة كم أنت وحدك الليلة، يا تيس مران، كم أنت وحدك".
بذرة أمل لليمنيين
وقال عبد السلام الحاج، إن ثوار سبتمبر كانوا "قلة، ولكن لم يكونوا أذلة، كانت شجاعتهم تكفي لسحق الظلم والانتصار عليه، وقد أبقوا ذيله ليرى الناس شيئا يسيرا من جرائمه فكيف لو بقي الرأس إلى الأبد لكانت اليمن في خبر كان، ولكنها اليوم ورغم المعاناة تسير نحو الخلاص بتضحيات جسيمة وعزيمة لا تلين".
وأضاف: "ما احتفالات شعبنا في الداخل والخارج ابتهاجا بثورة 26 سبتمبر المجيدة إلا تجديدا لعهد المضي في طريق الأحرار الذين كسروا قيود العبودية، وأسسوا للحرية وللمواطنة المتساوية، وأنهَو عهد الجهل، وأشعلوا ثورة الوعي في عقول اليمنيين".
وتابع الحاج: "مزيدا من الاحتفالات وبصور مختلفة تخليدا للثورة وشحذا للهمم وسدا منيعا لليأس الذي يحاول التسرب من ثقوب الذاكرة الجمعية بفعل عوامل التجريف للهوية السبتمبرية الخالدة".
بداية ثورة
وأمام محاولات التبرير والتحجج والنفي، اعترف الحوثيون على أرض الواقع، وكّذب عناصرهم ما حاول قادتهم تبريره، عن الاعتداءات ودوس الأعلم، لتتضح الحقائق للجميع بصوت ساسة الجماعة قبل مسلحيها، ولسان حال الجميع يقول "أسقطنا علمكم ودسناه، بس اللي خرجوا عملاء للخارج".
ويؤكد المحامي بشير الروحاني، أن "ما قام به الحوثي ليس عملا فرديا، بل توجه فكري سلالي حاقد يحمله كل فرد في هذه الجماعة المقيتة"، مضيفا "بدر الدين الحوثي كان من أشد المقاتلين ضد الجمهورية وأولاده نشأوا على بعض ثورة ٢٦ سبتمبر ورموزها، ويرون الفرصة الآن مناسبة لمحو هذا التاريخ من كتاب اليمن، ولكنهم خابوا وخسروا عندما شاهدوا رد الشعب المزلزل"
وأشار الروحاني إلى أن "الشعب اليمني لن يعود إلى عهد الإمامة والقطرنة وتقبيل الركب. قد يشغله الجوع وظروف الحياة القاسية مؤقتا، ولكن عند الاقتراب من الخطوط الحمراء، فسيتحول إلى طوفان جارف".
وغرد الصحفي المحرر من سجون المليشيا، هيثم الشهاب، قائلاً: "صنعاء بالأمس غير صنعاء التي عرفها عبد الملك الحوثي في ٢٠١٤، ورسالة الأحرار في صنعاء وإب هي أن للصبر حدوداً يا حوثيون".
وتحدث الآلاف، من ضمنهم بعض المحسوبين على الجماعة، في منشوراتهم وتغريداتهم، عن وعي الشعب وقدرته على تغيير واقع الحال وقلب الطاولة على المتاجرين بالدين، والمزايدين على اليمنيين بشعارات الوطنية والدفاع عن السيادة، ومحاولة تكريس كل مقدرات الدولة لصالح جماعة وأفراد انتهازيين، استغلوا غفلة بعض رجال السياسة، والمنهزمين للمطامع الشخصية، فحاولوا أن يطوقوا رقاب اليمنيين، واستعباد الشعب وإعادته للعصور الحجرية.
وأرفقت تدويناتهم بصور وفيديوهات تداولوها، واستحضروا معها، أبيات أبو القاسم الشابي "إذا الشعب يوما أراد الحياة · اذا الشعب يوما أراد الحياة · فلا بُدَّ أنْ يَسْتَجيبَ القدرْ · ولا بُدَّ للَّيْلِ أنْ ينجلي · ولا بُدَّ للقيدِ أن يَنْكَسِرْ."، وقصائد عبدالله البردوني، وخطابات الزبيري، لتضاف لتلك الصور والمشاهد، تفاصيل هامة كالغضب والتمسك بالجمهورية، وتطبيق الشعار بالروح بالدم الذي غطى بعض الأعلام الوطنية التي رفعها الشباب، وقد غرقت بدمائهم، مؤكدين على حقيقة واحدة أن جمهورية اليمنيين أقوى من أسلحة المليشيا، وأن الشعب فوق كل الجماعات والأحزاب والأحقاد والمشاريع الصغيرة، ومهما طال الليل، فإن شمس الحرية والكرامة ستبدد الظلمة المخيم على صنعاء ومناطق سيطرة المليشيا الإرهابية، والغيث يبدأ بقطرة.