سقوط النظام وبقاء الفكرة.. كيف تابع الباحث البتول محاولات انبعاث الإمامة في اليمن؟

سقوط النظام وبقاء الفكرة.. كيف تابع الباحث البتول محاولات انبعاث الإمامة في اليمن؟

في كتابه "خيوط الظلام.. عهد الإمامة الزيدية في اليمن" تناول الكاتب والباحث الراحل عبدالفتاح البتول، تاريخ الإمامة الزيدية في اليمن، مستعرضاً بالتفصيل الدقيق الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والإنسانية التي عاشها اليمنيون طيلة هذه الفترة.

صدرت الطبعة الأولى من الكتاب في مطابع وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" عام 2007م، فيما صدرت الطبعة الثانية عن مركز نشوان الحميري عام 2021م، بعد وفاة مؤلفه البتول.

وفق مقدمته للكتاب، قال نقيب الصحفيين اليمنيين السابق نصر طه مصطفى، إن البتول "وضع النقاط على الحروف، وفصّل وأجمل في كثير من الأمور التي كانت محل التباس، فأشبعها بحثًا حتى خرج... بنتائج أحوج ما تكون إليها أجيالنا الجديدة التي لم تعد تعرف عن تاريخها إلا أقل القليل.

معتبراً "هذا الكتاب أحد أهم المراجع التي ستنير الطريق لشبابنا وستبين لهم ما لم يعرفوه ويقرؤوه عن تاريخنا الطويل الملبد بالغيوم والأحزان والمكلل بالانتصارات والأمجاد العظيمة".

ويشير اسم الكتاب "خيوط الظلام" إلى طبيعة الحياة خلال حكم الإمامة، والتي اشتهرت بالظلام والظلم والطغيان والجهل والجوع والتخلّف وسفك الدمار والعزلة الرهيبة عن العالم وحركة العصر.

 

بداية النهاية

وفي الجزء الأخير من الكتاب، تناول الباحث البتول، فترة حكم أسرة بيت حميد الدين (1889-1962م)، وبداية نهاية حكم الأئمة في اليمن. متتبعاً نمو حركة التحرر الوطني وصولاً إلى الانعتاق الكامل من بطش الإمامة وصلفها.

عن وضع اليمن هذه الفترة، يقول البتول: بينما كان ركب البشرية جاوز في مسيرته عصر النهضة واقتحم أبواب العصر الحديث، كانت اليمن في عهد الإمام يحيى ما زالت في أوهام القرون الوسطى وتتخيط في متاهات من الضلال لا حدود لها".

وأما الشعب فكان "حي كالميت وميت كالحي، حرم الشعب من كل شيء". وكانت "كل دقيقة في سنين حكم الإمام يحيى الطويل طاحونة هائلة تسحق عظام الشعب، وتنهش لحمه وتفري جلده".

ووفقاً للبتول، "كان باستطاعة الإمام يحيى، أن يحلّق باليمن في آفاق عالية، وأن يحقق منجزات غالية، ولكن منعه من تحقيق ذلك: عقله المنغلق وفكره الجامد، وظلمه البائن، وبخله الفاحش، مما جعله يسير باليمن نحو الهاوية، ويجعلها قرية نائية".

 

همسات الأحرار وصرخات المناضلين

أدت "سياسة الإمام يحيى المستبدّة والظالمة، خلال سنوات حكمه المظلمة إلى تكوين معارضة وطنية، تكونت من قوى متباينة. وصدرت- لأول مرة- المنشورات التي تكشف مفاسد الإمام "وتفضح مساوئه وخاصة نظام الرهائن".

فرغم كل المتغيرات التي شهدتها المنطقة وشهدها العالم، "كان حكم الإمام يحيى يتسم بالفردية والظلم المطلق، والجمود والجور، والعزلة والانغلاق الكامل".

وبدأت مراحل النضال مع الهمسات الأولى للمناضل الحاج محمد المحلوي.. وصرخات الزبيري وكلمات النعمان وغيرهم من الطلائع الأولى للأحرار والمناضلين الذين أجمعوا على "نسف حكم الإمام يحيى وأسرته".

 

إمام البخلاء

كان الإمام يتصف بالبخل الشديد. يقول البتول، إنه "لم يكن يهتم بأمر من أمور الإسلام وأركانه مثل اهتمامه بالزكاة، وكأن بقيّة الأركان ليست من الإسلام".

وكان همه الوحيد "جمع المال من حلة ومن غير حلة، ويأخذ الزكاة في القليل والكثير، وكان يشرف بنفسه على خزن الأموال النقدية في المخازن والأقبية، فإذا امتلا المخزن أقفل عليه بمغاليق وأقفال محكمة، ثم يأمر بسد الباب بالأحجار".

وأيضاً كان "غريباً إلى أبعد الحدود، وكان يحكم اليمن بطريقة غريبة وعجيبة، وتصاب بالدوار عندما تفكر أن اليمن في منتصف القرن العشرين ولا مدارس أو جامعات أو طرق" وفق البتول.

وإجمالاً، يقول البتول: ورث الإمام يحيى حميد الدين كل مساوئ ومفاسد ومظالم الأئمة السابقين، وتميز في مسألة الظلم والبخل".

نهاية طاغية

بعد أن "أصبح وجود الإمام يحيى أمراً لا يطاق، وحكم هذه الأسرة لا يعقل، كانت ثورة 48م الدستورية، التي يقول البتول إن الأحرار ارتكبوا "الخطأ التاريخي" باختيارهم الوزير إماماً دستورياً بديلاً عن الإمام يحيى.

لافتاً إلى الأخطاء التي أعقبت ذلك وأدت إلى فشل الثورة ونجاح الطاغية أحمد حميد الدين في إسقاط صنعاء واعتقال الوزير وأنصاره "بسهولة ويسر".

ويرى البتول، أن الوزير كان من الأسباب الرئيسية التي عجلت بسقوط صنعاء. فإضافة إلى كونه "متزمتاً ومتعصباً وأكثر تقليدية وضيق أفق من الإمام يحيى، كان أيضاً متردداً ومستبداً، وكان يشك في الأحرار ولا يتفق مع آرائهم".

بدأ الإمام أحمد، حكمه بقتل وإعدام ثوار 48م، دون محاكمة أو استجواب، وعلى فترات متباعدة حتى يبث الخوف والرعب بين الناس". وقد أمر بإعدام الوزير، ونقل رأسه مع ثلاثة آخرين إلى صنعاء.

وكان الإمام أحمد "معروفاً منذ صغره بالطيش، وسرعة الانفعال، وكثرة الغضب، حتى اشتهر عند عامة الناس بأنه أحمد يا جناه. وكان "سفاحاً فتاكاً، لا يتورع عن سفك الدماء".

حركة 55م

اعتقد الإمام أحمد أنه "بسياسته الدموية وإدارته الاستبدادية وممارساته الخاطئة قد أصبح في أمان وسلام، فلا معارضة تجرؤ على التصريح، ولا منافسة تقدر على التوضيح.

وبينما كان مطمئنا، لم يدر إلا بالمقدم أحمد الثلايا وهو يحاصر قصره ويطالبه بالتنازل عن الإمامة لأخيه عبدالله. وهكذا أعلن عبدالله بن الإمام يحيى نفسه إماماً بعد تنازل أخيه".

وفي غضون 5 أيام، استطاع الإمام أحمد، فك الحصار والخروج من قصره والاتصال بعدد من أنصاره. ونقل أخويه عبدالله والعباس إلى حجة وقام بإعدامهما بلا رحمة.

وبنفس الوحشية، أعدم المشاركين في حركة 55م وكان يشرف بنفسه على هذه الإعدامات التي يحشد لها الجماهير والحضور الشعبي في ميدان العرضي بتعز.

رصاصة الرحمة

وبسبب تراجع صحته وإدمانه المهدئات، ظل الإمام أحمد "متنقلاً بين حمام السخنة بتهامة والحديدة، معتقداً أنه قضى على كل ثورة وحركة".

وأثناء زيارته إلى مستشفى الحديدة في مارس 1961م أطلق ثلاثة من الأحرار النار عليه، وهم: اللقية، والعلفي، والهندوانة، وتعرّض لإصابة مباشرة وجعلته سجين قصره حتى وفاته متأثراً بجراحه في 19 سبتمبر 1962م.

وهنا، أعلن البدر نفسه إماماً وألقى خطاباً نارياً بالمناسبة أكد فيه السير على نهج أبيه، وأنه سيضرب بيد من حديد كل من تسول له نفسه مناهضة الحكم الجديد. وهو ما دفع الأحرار للإسراع بإسقاط النظام الإمامي.

الوثبة الكبرى والثورة العظمى

أثناء ذلك، يقول البتول: قام تنظيم الضباط الأحرار بمساندة جميع القوات الشعبية والعسكرية والمدنية بما في ذلك الهاشميون الأحرار بالوثبة الكبرى والخطوة العظمة.

وأصدرت قيادة الثورة ليلة 26 سبتمبر 1962م، الأوامر بالهجوم على مقر إقامة الإمام البدر، بعد رفضه الاستسلام وإصراره على المقاومة.

وفي ساعات الصباح الأولى ليوم الخميس 27 سبتمبر، فر البدر متخفيًا ومتنكرًا مع بعض أقربائه، واستطاع الوصول إلى الحدود السعودية.

سقوط الحكم وبقاء الفكرة

كلل كفاح الشعب اليمني بنجاح ثورة 26 سبتمبر، إلا أن ذلك وفق البتول "كان سقوط الإمامة كدولة ونظام بينما استمرت كفكرة ومنهج". مضيفاً أن القوى الإمامية استطاعت "عقب قيام الثورة أن تجمع صفوفها وتوحد كلمتها... وتشن حربا عسكرية ضد النظام الجمهوري" من 62- 70م.

وقد حصلت القوى الإمامية والظلامية على الدعم والمساندة من بعض الدول العربية والغربية بما فيها إسرائيل حيث تم تجنيد المرتزقة ودعم الإمامين بالأسلحة والعتاد الحربي والخبراء والمدربين.

ووفقاً للبتول، فقد كان "المرتزقة من الخبراء العسكريين والسياسيين الأجانب هم العمود الفقري لجيش الإمام البدر". وضاعفوا "أعداد المرتزقة من أفريقيا وأوروبا وأمريكا وأغدقوا عليهم الأموال والأسلحة" مع صمود القوات الجمهورية.

ملحمة السبعين

تكونت المقاومة الشعبية في مختلف المدن اليمنية للدفاع عن صنعاء مع القوات المسلحة ورفع الجميع شعار (الجمهورية أو الموت).

وكانت ملحمة السبعين يوماً التي بدأت في الأول من ديسمبر 1967م وانتهت في الثامن من فبراير 1968م، بانتصار النظام الجمهوري ودحر القوات الإمامية وهزيمتها.

وبذلك، "أدركت القوى الإمامية استحالة المواجهة العسكرية لإسقاط الثورة والجمهورية وبرز من ذلك الوقت الكلام حول المصالحة الوطنية، حيث أراد النظام الجمهوري وقف المعارك الدموية".

ويقول البتول، إن الإماميين دخلوا المصالحة "رهبة لا رغبة وضرورة لا قناعة، وكان دخولهم في الجمهورية أفواجاً لنقل المواجهة من الحرب العسكرية إلى الأعمال الفكرية".

الإمامة وعودة الروح

مع قيام الوحدة اليمنية في مايو 1990م وإعلان الديمقراطية والتعددية السياسية، وجد التيار الإمامي "الفرصة مناسبة للانبعاث من جديد، من خلال تأسيس بعض الكيانات والخروج من العمل السري إلى العلني، والمجاهرة ببعض الأفكار الإمامية، ونشر الثقافة السلالية والعنصرية".

الحوثية من الفكرة إلى الفتنة

تطرق البتول، إلى بداية نشوء الحوثية، وصولاً إلى تحوّلها إلى "تنظيم مسلح"، متخذًا من حزب الله اللبناني مثالاً في الاستعداد العسكري، وشعار الصرخة "الموت لإسرائيل.. الموت لأمريكا".

ومن خلال أنشطتها العنيفة وصولاً إلى التمرّد على الدولة المركزية والسلطة المحلية في صعدة، يقول البتول: أثبتت الحوثية بجميع خيوطها واتجاهات استمرار الفكرة الشيطانية والثقافة الظلامية، بالتميز السلالي والتعصب المذهبي، وأن سقوط النظام الإمامي كدولة لا يعني سقوطه كفكرة".

مضيفاً: إذا كان يوم 26 سبتمبر قد أنهى البنية السياسية لنظام عنصري استمر أكثر من ألف عام، فإن البنية الفكرية لهذا النظام لم تنته.

ويؤكد الباحث البتول، أن الإمامة نكبة اليمن التاريخية وما "نعانيه اليوم امتدادا لتلك العصور المظلمة".

وقال إن "الذين حكموا اليمن بعد الثورة لم ينزلوا من السماء.. إنما هم من أبناء هذه الأمة، ولا نظن وقتاً قصيراً هو عمر الثورة إلى الآن يمكن أن يمحي كل قرون المسخ والتجهيل والاستعباد والاستبداد".

دعوة لثورة ثقافية

وتطرق البتول، إلى محاولات "قوى الهدم التاريخية" للانبعاث من جديد. وقال: تنبعت الإمامة بتلك النفسية والخصائص والنزعة التي تغلب الدم على القيم وأواصر الطين على أواصر الدين.

مستعرضاً الأشكال التي تتخذها الإمامة للعودة ومنها "في شكل أحزاب متعددة الوجوه موحدة الوجهة والهدف" أو "نشاط علمي يكرس الفكر الإمامي ويعمق التعصب المذهبي" أو من خلال "التغلغل بجهاز الدولة المالي والإداري" أو "داخل الأحزاب وتوجيهها وتأجيج الصراع فيما بينها".

وأيضاً في شكل "التآمر على المناهج الدراسية التي كرست الخط السني البعيد عن التعصب". وكذا "التشكيك التيار الإسلامي الذي هو امتداد للخط التجديدي لعلماء اليمن من أمثال المقبلي والوزير والأمير والشوكاني، ووصمه بالوهابية". وفي شكل "الحملات الإعلامية التي تتحدث عن الفساد، ومدى تدهور الأوضاع، وتعقد المقارنات بالنظام الإمامي وأنه كان أرحم وأخف".

لافتاً إلى براعة الملكيين في "إطلاق الإشاعات وتوظيف الغير لصالحهم". وأيضاً انتهاجهم "هدم الأخلاق والقيم، وإباحة الكذب والخداع والتآمر وكل ذلك تحت ستار (التقية)".

وقال إن "ثورة سبتمبر التي هدمت الإمامة نظاماً تحتاج إلى ثورة ثقافية لهدم الإمامة: فكرة وعقيدة محرفة. ما لم فإن مستقبل اليمن سيكون مجهولا".

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى