اليمنيون والكهنوت الإمامي.. تاريخ طويل من الثورات ومحاولات الانعتاق والتحرر

اليمنيون والكهنوت الإمامي.. تاريخ طويل من الثورات ومحاولات الانعتاق والتحرر

إن الحديث عن تاريخ الإمامة في حكمها اليمن هو حديث طويل عن محاولات يمنية متكررة وبأساليب متعددة على طول خط التاريخ الإمامي في سبيل الانعتاق من ظلامية هذا الحكم الكهنوتي والتحرر منه.

 

في هذه القراءة، سوف نحاول التعريج بصورة عامة ومختصرة على التاريخ الإمامي في اليمن واستدعاء المحطات الثورية التي دونها اليمنيون بدمائهم وأرواحهم على مدى امتداد الوجود الإمامي في اليمن.

 

- نبتة الإمامة:

في العام 897م، قدم يحيى الرسي من أرض الحجاز إلى مدينة صعدة مدَّعيًا انتمائه إلى سلالة الرسول عليه الصلاة والسلام، ليصبح هذا الانتماء عقيدة دينية تمنح الرسي وسلالته من بعده الأفضلية على جميع اليمنيين وأحقية حكمهم بالقوة، وهو ما رفض اليمنيون قبوله والانصياع له، كونه مشروع سلالي عنصري يقوم على مبدأ الأفضلية والطبقية بين البشر. ونتيجة هذا الرفض اليمني، دخلت اليمن في دوامة من الحروب والمواجهات المستمرة مع هذه السلالة منذ ذلك الحين وحتى اليوم.

 

- رفض التواجد الإمامي:

إنه من الجدير بنا ونحن نتحدث اليوم عن ظلم الإمامة وقُبح تاريخها أن لا نغفل عن استذكار المحطات الثورية المزدانة بالوطنية، والتي انتفض فيها اليمنيون الأحرار ورفعوا صوتهم الرافض للوجود الإمامي منذ الوهلة الأولى لمحاولة إقامة دولة إمامية في اليمن.

 

في كتابه "الزهر والحجر" يذكر الكاتب "عادل الأحمدي" أن الإمام شرف الدين وجميع من تقدَّمه من الأئمة قد فشلوا بدايةً في إقامة الدولة الإمامية، وأُحبِطت جميع محاولاتهم، حيث طُرد شرف الدين من صنعاء على يد الدولة الطاهرية، بمجرد وصوله إليها، وأرغمته على الاحتماء في حصن "المظفر" أحد حصون "حجة"، والاستكانة التامة لها، حينها ادعى شرف الدين أن الدولة الطاهرية تنتسب إلى بني أمية، وحشد الأتباع على هذا الأساس، علمًا أن الأسرة الطاهرية يمنية العرق والنسب، واستجلب شرف الدين الجراكسة المصريين ليساعدوه في حربه ضد الطاهريين.

 

أما خلال فترة حكم الدولة القاسمية وبعدها المتوكلية، فالأمر لم يكن مختلفًا عن سابقه، والرفض اليمني للحكم الإمامي لم يخفت أو يهدأ، حيث شهدت الساحة اليمنية سلسلة من الثورات التي دوَّنها اليمنيون الأحرار في أنصع صفحات التاريخ اليمني، أبرزها ثورة الفقيه سعيد بن صالح ياسين سنة 1256هجرية في محافظة إب، وثورة العقاب بقيادة الشيخ محمد عايض عقاب ومعه كافة مشائخ لواء تعز وإب في العام 1919م.

 

- ثورة الدستور:

بعد خروج الدولة العثمانية من اليمن عام 1917م، وعودة زمام الحكم للإمامة مجددًا، أوغل الكهنوت الإمامي في فترة حكم الإمام يحيى حميد الدين في ظلمه واستبداده واستعباده للناس، كما عمد على تجهيل الشعب وعزله عن العالم وكل ما له صلة بالحضارة كي يضمن بقائه على سدة الحكم وانصياع المواطنين له وتصديق الخرافات التي كان ينشرها بين أوساط الشعب، حتى وصل الأمر إلى اعتقاد فئة كبيرة من المواطنين حينها بأن الإمام متصل بالسماء، وبأنه خالد لا يموت.

 

وفي وسط هذه العتمة الكهنوتية الكبيرة المحاطة باليمن واليمنيين، وتحديدًا في منتصف فترة الثلاثينات، بدأت تتشكل سرًّا من وسط العاصمة صنعاء أولى طلائع المعارضة من النخبة المثقفة وقيادات من الجيش وشيوخ القبائل والعلماء والأدباء والأكاديميين.

 

في أواخر 1947، وبعد اكتمال نضوج هذا الحراك الوطني المعارض للحكم الإمامي المستبد ومشروعه السلالي، اتجه نشاط الأحرار نحو الإطاحة بحكم الإمام يحيى، وإقامة حكومة دستورية، وتحقيق جملة من الإصلاحات ثم تثبيتها في الميثاق الوطني.

 

في 17 فبراير من عام 1948م، كان اليوم الموعود، حيث قرر الأحرار تخليص الشعب من هذا الكابوس من خلال القضاء على الإمام يحيى حميد الدين والإطاحة بالنظام الإمامي إلى الأبد. وبالفعل، تمكن الثائر الحر "القردعي" من قتل الإمام يحيى حميد الدين عبر كمين محكم في منطقة حزيز بالعاصمة صنعاء حسب الخطة المتفق عليها، وقام الثوار الأحرار بالثورة في صنعاء، وأعلن عبد الله الوزير إمامًا دستوريًا، وتم تشكيل الحكومة ومجلس الشورى، لكن هذه الثورة لم تستمر سوى عشرين يومًا، فقد تمكن الإمام أحمد ابن الإمام يحيى من اقتحام صنعاء في 13مارس من العام نفسه، وألقى القبض على زعماء الحركة الدستورية في اليوم التالي، ثم أعلن نفسه إمامًا.

 

- محاولات الانعتاق:

رغم إخفاق ثورة الدستور 48 في القضاء على حكم الإمامة المستبد، وإفحاش الإمام أحمد في ارتكاب أبشع الجرائم بحق مئات اليمنيين بعد مصرع والده، إلا أن الثورة نجحت في دق المسمار الأول والأصلب في نعش الإمامة،كما نجحت في كسر هيبة الكهنوت الإمامي وإسقاط خرافاته التي بثها بين الأوساط الشعبية طيلة فترة حكمه، وقضت تمامًا على الأساطير والادعاءات وهالة القداسة التي كان يرسمها الإمام حول شخصيته أمام الشعب.

 

مثلت ثورة الدستور حينها نقطة نور ونافذة ضوء لليمنيين جميعًا، فتحت لهم آفاق الحرية والخلاص ومهَّدت الطريق أمام الثوار لمواصلة الدرب وإكمال ما تبقى في سبيل التحرر والانعتاق من كابوس الإمامة المؤرق للجفن اليمني على مدى قرونٍ طويلة، وهو بالفعل ما تم بعد سنوات قليلة.

 

لم تتوقف محاولات الانعتاق والتحرر بعد تاريخ 48م رغم كل المنعطفات والعوائق والإخفاقات التي منيت بها الثورة، ففي العام 1955م حاول الأحرار تنفيذ عملية انقلاب بقيادة الثائر أحمد الثلايا ومجموعة من رفاقة ضد نظام الإمام أحمد، لكنها باءت بالفشل وأُعدِم بعدها جميع من شارك في محاولة الانقلاب. وتلى هذه المحاولة عدة محاولات عسكرية ومدنية للإطاحة بنظام الإمام أحمد ومنها محاولة الاغتيال التي قام بها سعيد ذبحان في قصر السخنة بالحديدة 1960م وانتهت بالفشل وإعدام منفذها، ومن المحاولات المدنية حركة حاشد وخولان عام 1959م والتي انتهت بإعدام الشيخ حسين الأحمر وولده حميد.

 

العام 1961م، وهو التاريخ الذي حدثت فيه المحاولة الثورية الأكبر خطرًا على الإمام أحمد، وكانت بداية نهاية حياته، حيث قام الضباط "العلفي واللقية والهندوانه" بعملية اغتيال في مستشفى الحديدة انتهت باصابة الإمام أحمد بطلقات نارية في أنحاء متفرقة من جسده جعلته قعيد الفراش، ليموت بعدها بعامٍ واحدٍ متأثرًا بجراحه في 19 من سبتمبر 1962م.

 

- ميلاد النور:

كانت اليمن على مقربة من موعد يومٍ مشرقٍ لم يعهده اليمنيون على مدى ألف عام، يوم السادس والعشرين من سبتمبر المجيد عام 1962م، اندلعت ثورة الخلاص الأكبر في صبيحة الخميس 26سبتمبر، هبت براكين غضب الثوار الأحرار وأُعلِن سقوط الملكية في اليمن وانجلائها إلى غير رجعة وقيام نظام جمهوري عادل.

 

لم تكن ثورة سبتمبر مجرد ثورة عابرة، لقد كانت أشبه بالحلم حينها، لا سيما بعد طول القرون التي عاشها اليمنيون تحت حكم الكهنوت الإمامي، وتجرعوا فيها شتى صنوف الويلات والعذابات، ليصير سبتمبر تاريخًا خالدًا في الوجدان اليمني، يحتفل الشعب بذكراه كل عامٍ بعنفوانٍ وطنيٍّ منقطع النظير ويتفاخر به تمجيدًا وانتماءً.

 

اليوم، ومع عودة الإمامة مجددًا عبر أحد فروع سلالتها المتمثلة بالمليشيات الحوثية وانقلابها على السلطة، يحاول الحوثي يومًا بعد آخر إخفات بريق ثورة 26سبتمبر من ذاكرة اليمنيين ومحو الروح الجمهورية. وبدأب أكبر، يكبر الانتماء وتتعالى النزعة الجمهورية لدى الشعب ويتمسك اليمنيون بثورتهم ويلتفون حولها ويحتفلون بها بشكلٍ لم يكن معهودًا عليه قبل الانقلاب الحوثي، وما هذه إلا صورة من صور الرفض الشعبي لهذه الجائحة الكهنوتية، ورسالة واضحة يقدمها اليمنيون لكل من لا زالت تراوده أحلام ممارسة الولاية والوصاية على هذا الشعب، مفادها باختصار: لا إمامة بعد سبتمبر.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى