ذكريات ثورة 26 سبتمبر كما يرويها المناضل الراحل "على الواسعي" (1-2)

ذكريات ثورة 26 سبتمبر كما يرويها المناضل الراحل "على الواسعي" (1-2)

يعيد موقع "الصحوة نت" نشر ذكريات المناضل الوطني الراحل، علي عبد الله الواسعي (1930- 2020)، ليلة اندلاع ثورة 26 سبتمبر 1962والأيام الأولى للثورة المجيدة والتي كان أحد المناضلين من الكُتاب والمثقفين اليمنيين.

هذه الذكريات كتبها الراحل "الواسعي" لصحيفة الصحوة في العدد (١٠١) في مقال مطول بعنوان "ذكريات من ليلة الثورة" ونشر في 21سبتمبر/أيلول 1987م بمناسبة الذكرى الـ 25 لاندلاع الثورة اليمنية وإعلان الجمهورية.

وعُرف "علي عبد الله الواسعي" بنضاله الوطني والقومي، فقد شارك في ثورتي 1948، و1962 في اليمن، كما تطوع في المقاومة الشعبية في مصر بمواجهة العدوان الثلاثي عام 1956، وتطوع في حرب 1967، ضمن الطلبة العرب حين كان في سوريا.

وكان كاتبا منتظما في أسبوعية "الصحوة" وله دور كبير في تدوين أحداث ملحمة السبعين، كما حرر وأعد للنشر مذكرات العزي صالح السنيدار "الطريق إلى الحرية"، الذي وثق مرحلة مهمة من تاريخ اليمن. وكان كاتباً وأديباً، وصدرت له عدة مؤلفات.

نعيد نشر المقال في جزأين وإليكم الجزء الأول: -

 

ذكريات من ليلة الثورة | علي الواسعي

بالرغم من أنني كنت على صلة ببعض ضباط الثورة قبل الثورة، وكانت تجري الاجتماعات في منزلي حيث كان يجتمع بعض المدنيين (عبد العزيز المقالح، وصالح عبد الله الحبشي، ومحمد عبد الله الفسيل، وكاتب السطور. وكان يمثل العسكريين في اجتماعاتنا الاخوة عبد اللطيف ضيف الله واحمد الرحومي، والمرحوم صالح الرحبي)، لذا فلم أفاجأ بالثورة، فقد كنت على علم بها، الا أنني لم أكن أعلم أنها ستكون تلك الليلة بالذات لأن هؤلاء عقدوا عدة اجتماعات في منزلي وفي غير منزلي وقبل الثورة، بيومين انقطع عنا ممثلو العسكريين فكنا على علم بالثورة، وأنها على قاب قوسين او أدنى.

 

أول طلقة

وأذكر انه في تلك الليلة كنا نسمع الاذاعة والبرقيات تذاع مهنئة للبدر الامام الجديد، فقالت لي حماتي: لماذا لا تهنئ البدر، فقد هنأه كثير من الناس وربما يستنكر عدم تهنئتك له.

فقلت لها: كلا لن أهنئه.

فردت علي الكلام.

فقلت لها: انني لا أخافه.

 

فذهبنا كلا لمرقده فاذا بنا نسمع اول طلقة دبابة فحينئذ علمت أن ساعة الصفر قد حانت، فجاءت حماتي تسأل، ما هذا؟ ثم قالت لعلهم يهنؤون البدر فأجابت ابنتها: كيف يهنئونه بمثل هذه الطلقات المدوية والمتتابعة؟ قلت لها: هذا البدر الذي كُنتما تخوفانني به وتُلحان على بإرسال برقية لتهنئته قد كفانا الله أمره.

فسألت زوجتي: ما معنى ثورة؟ فأفهمتها معناها.

 

وبقيت معتمدا على النافذة أسمع دوي طلقات الدبابة واحدة إثر أخرى وكان لها أصوات تهز الارض في سكون الليل، يتخلل ذلك طلقات متتابعة من الرشاشات.

وكنت اسمع تساؤل الجيران الكثير منهم يسأل: ما هذا؟ وماذا جرى؟ ويجيب على السؤال من يجيب اجابات كلها تخمين، وأغلبهم لا يخطر بباله انها ثورة، لأنهم لا يتصورون ان يثور الناس ضد الامام.

 

وكان البعض يتصور أن ذلك صادر من الامام الجديد قد يكون من باب الاستعراض، قد يكون من باب تجربة الأسلحة قد يكون.. قد يكون.

وكنت أسمع إجاباتهم فأعجب لها كما أعجب لسؤال من يسأل.

 

وبقينا على ذلك الى الفجر لا نريد ان ننام وكيف ننام ونحن سنصبح على يوم ليس كالأيام، وطالما عشنا حياة رتيبة العام يشبه العام لا جديد ابداً، اما الآن فان اليوم لا يشبه اليوم الذي قبله.

 

وكنت اذكر كيف يعيش الناس في غير بلادنا، فابشر نفسي بأن ذلك سيتحقق من صباح غد، ربما نكون نمنا بعد الفجر قليلا وما ان بزغ ضوء الصبح حتى انطلقت اقطع الشوارع كالسهم اريد الوصول الى (قصر البشائر) اريد ان أرى إثر الطلقات التي ظلت تدوي طوال الليل ولأرى ماذا حدث بالتفصيل.

 

ورغم ان المشي في ذلك الوقت فيه مخاطرة فقد انطلقت لا ابالي.

 

ماذا حدث؟

واذكر انني عندما وصلت الى قرب جامع البهمة وهناك بيت كانت تسكن فيه عائلة سيف الحق ابراهيم فسمعت امرأة تكلمني من البيت من خلف الشباك، ماذا حدث؟

قلت لها: ثورة.

وعندما وصلت الى ميدان التحرير من الجهة التي تقع شرق قصر البشائر رأيت بعض الضباط واقفين على الديانات فقالوا: ان التجول ممنوع، ولكنهم افهموني انه قد يتسامح مع مثلي.

 

فتقدمت الى باب القصر الشرقي فشاهدت حطاما في الداخل كما رأيت جثثا لميتين، ثم انتقلت الى الباب الشمالي للقصر ووقفت هناك فرأيت الاخ صالح العروسي وهو داخل القصر ثم خرج من الباب الذي أقف بجانبه وبعد قليل خرج عبد الله طميم وهو يتلفت يمينا وشمالا ويبحث عن ناس لعلهم يقاتلون بجانبه أي يدافعون عن إمامه! وهو يصيح أين الناس؟ السلاح موجود.. الفلوس موجودة.

 

ثم نزل الى قاع العلفي، قاع الناصر آنذاك فجمع ثلة من الناس وأتى بهم الى القصر، ولم ألبث الا قليلا حتى وجدت أحدهم شخص اعرفه من الجيران وكان من ضمن من لبوا نداء طميم وجدته عائدا الى بيته فقلت له: ماذا وجدت؟ فقال: ان الامر ليس بالسهل لذلك انسحب عائدا الى بيته.

 

عدنا الى البيت بعد تلك الجولة لنجد الاذاعة قد بدأت تذيع وتنادي: اذاعة الجمهورية العربية اليمنية، وقد ارتبك المذيع فقال: اذاعة الجمهورية اليمنية العربية.

 

وكان على قاسم المؤيد يذيع البيانات يتخلل ذلك بعض الاناشيد: "يا إلهي الحمد لك والشكر لك" بصوت محمد عبد الوهاب، و"دعى الفجر هيا رجال الغد" لفريد الأطرش.

 

وقد سمعت كلمة الشيخ عبد الله بن علي المقداد وهو ينادي مشايخ حاشد وبكيل ليلتفوا حول الثورة اما القاضي عبد الله الشماحي فلم يجد سوى ان يعلق على الاغنية "دعى الفجر هيا رجال الغد".

 

وبقينا حول الراديو حتى اننا لم نفكر ماذا نتغدى او نحاول ان نحضر بعض الحاجات للغداء. وكنت أفكر فيها لو فشلت الثورة، كما فشلت سابقتها في (1367هـ - 1948م) ولكنى كنت اقول: غير معقول ان تفشل هذه كما فشلت تلك ولا بد أن الثوار قد وعوا اسباب الفشل في تلك وسيعملون على تداركها.

 

انكسر البدر

وجاءنا شخص نعرفه وكان من حرس البدر وهو متألم على مصير سيده البدر وكان يحمل لوحة بها صورة البدر، فاعتبرت ذلك تحديا لي فقمت الى اللوحة فكسرتها غير مقدر لنفسيته وانه لشدة ألمه وتأثره قد يثور فيقاتل، ولكني اعتبرت ذلك تحديا لي واهانة فقابلته بالعنف ولما كان الوقت بعد العصر خرجت الى ميدان التحرير (شرارة سابقا) لأرى ماذا جد والى اين وصلت الأمور فوصلت الى باب القصر ووجدت اناسا كثيرين اغلبهم جاء للفرجة وللاطلاع وبعضهم جاء للنهب فقد كنت أجد بعضهم يخرج من القصر وهو يحمل على ظهره شيئا.

 

ووجدت عبد الله الراعي ويده معصوبة اذ اصابته طلقة من المقاومة التي انطلقت من دار الشكر أحد قصور الامام وقد اسكتوا تلك المقاومة.. وطبعا كان اغلب وقتنا التحلق حول الراديو نسمع البلاغات والتعليقات والاناشيد الحماسية، وكنا نسمع كل ذلك فتكبر آمالنا ويتجدد سرورنا.

 

وفي يوم الجمعة صباحا ذهبت الى القيادة العامة فوجدت الشيخ ناجي بن علي الغادر فصافحته وتبادلنا التهنئات، ولكني وجدته شارد الذهن لم اعرف ساعتها فيم يفكر. وفي مساء يوم السبت وجدت المرحوم صالح الرحبي وقد جاء الى بيته ليقضي ساعة مع اهله ويعود بعدها الى قصر السلاح، حيث يمارس مهمته وهي الإشراف على القصر وما فيه.

 

وقد ابديت له دهشتي لبعض تفاصيل حدثت في تنفيذ الثورة فقال: هذا مؤقت والمسألة في اليد ونستطيع أن نعدل ما نشاء حينما نشاء، ولم يعلم حينها أن ذلك اليوم هو آخر أيامه في الدنيا.

 

فقد حدث في يوم الاحد ان طلب من اهل الاهنوم الذين كانوا معينين بالقصر إذ جاء بهم الامام احمد من الاهنوم لثقته بهم فاختلف معهم الشهيد الرحبي وتطور الامر الى مشادة وكأنهم ما زالوا يعتبرون أنفسهم حماة للقصر، وهو يرى غير ذلك فتطور الأمر الى القتال بينه وبينهم فسقط من جراء ذلك قتيلا وقتل منهم عددا لا اذكر كم هم بالضبط.

 

وجاء بعد ذلك مجموعة من الطلاب الذين كانوا يدرسون في القاهرة وكانوا يتصدرون المظاهرات وكانوا يمثلون احزابا معروفة وقد جاءوا يحملون تلك العاهات التي ابتلوا بها في القاهرة.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى