بمجرد أن يعتلي خطيب مليشيات الحوثي منبر الجمعة، يغادر غالبية كبيرة من المصلين المسجد، هذا الأمر صار مألوفا ويتكرر بشكل أسبوعي في أكثر من مسجد بمحافظة إب، ضمن رسائل رفض مجتمعية للمليشيات الانقلابية، ولخطابها الطائفي الهادف لنشر سموم المذهبية في أوساط المجتمع.
ومنذ سيطرتها على محافظة إب في أكتوبر 2014م، تواصل مليشيا الحوثي استغلال المساجد ودور العبادة لنشر أفكارها ومعتقداتها الطائفية والمذهبية في أوساط المجتمع الرافض لها ولأفكارها، وعمدت لاستغلال المساجد وفق رؤيتها الخاصة المناقضة لرسالة المسجد وأهداف دور العبادة.
ولتمرير أهدافها قامت المليشيات بتغيير خطباء المساجد وفرض خطباء وأئمة من أتباعها وخطفت المئات من الخطباء والدعاة وشردت آخرين، ومنعت حلقات التحفيظ وأغلقت مدارس التحفيظ وفجرت دور القرآن الكريم، ومع كل ذلك، فشلت المليشيا في نشر أفكارها أو إيجاد حاضنة لها أو حتى تقبل الأهالي لسماع خطابها الطائفي.
عزوف جماعي
وتشهد مساجد مدينة إب عاصمة المحافظة ومراكز المديريات، عزوفا عن حضور صلاة الجمعة، وهو الأمر الذي بات واضحا وجليا لدى أبناء المحافظة الذين يمتنعون عن الحضور هربا من خطاب الكراهية والطائفية الهادف لتمزيق النسيج الاجتماع لأبناء محافظة إب.
ظاهرة عزوف المصلين عن حضور الجمعة وسماع الخطب الحوثية، بدأت منذ سنوات وتوسعت بشكل كبير خلال الأشهر والسنوات الماضية، كما يقول المواطن حميد التويتي الذي قال إن الكثير من أبناء مدينة إب عزفوا عن حضور خطبة الجمعة نتيجة فرض خطباء من مليشيا الحوثي.
وأكد التويتي أن خطباء مليشيا الحوثي نفّروا المجتمع في إب من المساجد ولم تعد صلاة الجمعة بذات الحضور والاهتمام لدى الكثيرين، كونهم يرون رسالة منبر الجمعة انحرفت كليا عن وظيفتها وصارت توجه ضمن استغلال بشع لإجبار الناس على تقبل أفكار مذهبية وطائفية وسط مجتمع لا يعتنف ولا يؤمن بأفكار ومعتقدات المليشيا.
انزعاج حوثي
ظاهرة عزوف المصلين عن سماع خطب الجمعة، رسالة احتجاج بالغ ورسائل مجتمعية وصلت بشكل قوي لمليشيا الحوثي، الأمر الذي أجبر قيادي في المليشيا لتخصيص جزء واسع من خطبة الجمعة الماضية للتطرق لهذه الظاهرة.
وأكد شهود عيان إنه وبمجرد أن صعد خطيب المليشيا منبر المسجد، غادر المصلون المسجد، ليبدأ خطبته بالتطرق لظاهرة خروج المصلين من المساجد بحضور خطباء مليشيا الحوثي والصراخ والشكوى بصوت مرتفع وغاضب، مستنكرا مغادرة رواد مساجد المحافظة أثناء قدوم أو صعود أي خطيب من مليشيا الحوثي.
وأكد الشهود أن اعتراف الخطيب الحوثي صراحة بعزوف المصلين عن المساجد بتواجدهم يؤكد عدم وجود أي حاضنة للمليشيا ويكشف مدى الغليان الشعبي تجاه المليشيا التي تحكم قبضتها على المحافظة، وتنشر سمومها الطائفية في أوساط المجتمع.
على بعد مسافة ليست ببعيد عن مسجد معاذ بن جبل، غادر الغالبية من المصلين مسجد مارح بمدينة إب، بعد أن صعد خطيب من مليشيا الحوثي الإرهابية يدعى "ميمون فيروز"، بعد أن أجبرت المليشيا خطيب المسجد "عبدالواسع السعيدي" على عدم إلقاء الخطبة وصعود الخطيب الحوثي والذي ظل خلال ما قبل الإنقلاب في السجون حيث كان من عناصر تنظيم "القاعدة" الإرهابي.
هروب من السموم الطائفية
المواطن فؤاد الأديب قال إن المليشيا لم تكتفِ بتعديل المناهج الدراسية لطلاب المدارس وفق أفكارها الطائفية، لتقوم باستغلال المساجد بصورة نفرت الناس منها وجعلت العزوف عن صلاة الجمعة ظاهرة واضحة وجلية للعيان في جميع مساجد مدينة إب.
وأوضح "الأديب" أن الخطاب الصادر عن خطباء المليشيا والذي يحوي كمية كبيرة من السموم الطائفية والشتيمة والكراهية أجبر الأهالي على الهروب من هذا الخطاب والاكتفاء بالصلاة في منازلهم، مشيرا إلى أن هذه الظاهرة لدى الكثير منذ سنوات يصلي في منزله ولا يحضر أي خطبة، لافتا إلى أن البعض يعتقد أنه يتعبد الله بعدم حضوره خطب يكون فيها الخطيب من مليشيا الحوثي.
مساجد صغيرة بحضور كبير
ويلجأ مصلون لحضور مساجد صغيرة أو بعيدة في أحياء لا يصلها خطباء مليشيا الحوثي حيث تكتظ بالمصلين بشكل كبير، فيما صارت مساجد كبيرة وشهيرة داخل مدينة إب بحضور باهت وضعيف جدا بعد سيطرة المليشيا عليها، حيث كانت تمتلئ بالمصلين تماما قبل بدء خطبة الجمعة بساعة، غير أن خطباء المليشيا أفرغوا المساجد من المصلين ونفروا الناس منها.
مواطنون آخرون أكدوا أن الغالبية العظمى ممن يصلون في المساجد يوم الجمعة، لا يحضرون لسماع الخطبة ويتعمدون الخروج من منازلهم متأخرين جدا وبمجرد سماعهم للبدء بدعاء الخطيب يتجهون للمسجد حيث يصادف وصولهم مع نهاية خطبة الجمعة تماما وبدء صلاة الجمعة، فتشاهد المصلون في أبواب المسجد وبجوار المسجد بشكل كبير فيما داخل المسجد شبه فارغ، ويقول الأهالي أنهم يحظرون الجمعة بهذه الطريقة حتى لا يحرموا أجر الجمعة ولا يسمون خطباء المليشيا المسموم بأفكارها الطائفية.
جرائم متعددة
جرائم مليشيا الحوثي الإرهابية بحق المساجد لها أول وليس لها آخر، وتنوعت بين التفجير والتدمير وتحويلها لثكنات عسكرية ومقايل، فضلا عن استغلالها لنشر الأفكار المذهبية للمليشيا بمختلف المحافظات الخاضعة لسيطرتها المسلحة.
وكان تقرير لـ "برنامج التواصل مع علماء اليمن" أكد أن نحو 157 مسجداً عمدت الميليشيا إلى تدميرها أو تحويلها إلى ثكنات عسكرية، فيما تحدث تقرير آخر صادر عن وزارة الأوقاف والإرشاد، أن ميليشيا الحوثي فجّرت وقصفت ونهبت أكثر من 750 مسجداً، خلال الفترة من 2014 إلى 2016، منها 282 مسجداً في العاصمة صنعاء، تلتها محافظة صعدة بواقع 115 مسجداً، والبقية في محافظات عدة، منها 80 مسجداً تم تفجيرها بالكامل، و41 مسجداً قُصِفت بالدبابات، و117 مسجداً تعرضت للاقتحام والعبث والنهب.
مشيرا إلى أن مليشيا الحوثي اختطفت 150 من أئمة وخطباء المساجد في عدد من المحافظات، وتعرض العديد منهم لعمليات تعذيب وحشية، في الوقت الذي أكدت مصادر أخرى أن أعداد المختطفين أكثر بكثير من التي أشار إليها تقرير وزارة الأوقاف، وسط استياء ورفض مجتمعي واسع لجرائم المليشيا واستغلالها للمساجد ودور العبادة لترويج خطابها الطائفي.