قراءة في مذكّرات العزي السنيدار "الطريق إلى الحرية"

قراءة في مذكّرات العزي السنيدار "الطريق إلى الحرية"

في مذكراته "الطريق إلى الحرية" سرد العزي صالح السنيدار، ملامح من سيرته الشخصية والوطنية، وشهادته على بعض الأحداث التي عاش فصولها وتحدياتها ومخاطرها، وأهمّها ما يتعلّق بإرهاصات ثورة 26 سبتمبر، ولحظة الانعتاق من ربقة الإمامة والاستبداد.

ويعد "الطريق إلى الحرية" من أهم الكتب التي تطرقت لأهم حقبة في تاريخ اليمن بأوضاعها وتفاعلاتها وأشخاصها. وقد أعده للنشر الأستاذ علي الواسعي، وصدرت الطبعة الأولى منه عام 1998م عن دار الكتب بصنعاء.

يروي العزي السنيدار، في ثنايا الكتاب قصص تضحيات وشهادات عدد من الأحرار والمفكرين الذين عاصرهم وعاشرهم وتفاعل معهم وخاض إلى جانبهم بدايات التمرد على الطغيان وفصوله المختلفة، مخاطرين بأنفسهم وما يملكون لإنقاذ الشعب من جور الإمامة وبطشها وجبروتها.

ولد محمد بن صالح السنيدار، سنة ۱۳۱۹هـ، لأسرة صنعانيه كانت تحترف التجارة. تعلم القرآن والحساب والعلوم الدينية لدى الخوجة محمد عمر، وانتقل إلى الاعدادية في الصنايع (المتحف الحربي حالياً) وبعدها إلى ما كان يسمى مكتب العسكرية ثم إلى الدراسة في الجامع الكبير.

أطلق عليه "العزي" لأنه جرت العادة في بعض المناطق الشمالية جعل ألقاباً للأسماء إما من باب التكريم أو التدليل.

نشأ العزي صالح، في بيئة غير مستقرّة، فقد توفي والده سنة 1323هـ، وكفلته والدته حتى توفيت سنة 1330هـ، لينشأ يتيماً محروماً من حنان وعطف الأبوة ومن التعليم الحديث.

مهنياً، عمل العزي، تاجراً للأقمشة قبل أن يحترف الخياطة بعد نفاد مدخراته، وهو ما أثار غضب عائلته التي رأت بهذا خروجًا عن تقاليد الأسرة؛ إذ كانت ترى الخياطة حرفة غير لائقة.

وفكرياً، كان من أهالي صنعاء المتشيعين الذين تعرضوا لغسيل دماغ حتى اعتقدوا أن الإسلام هو ما يلقنه السادة من آل البيت دون سواهم؛ باعتبارهم مقدسون مكرمون بغض النظر عن صلاحهم وتقواهم، وأن بقيّة البشر خلقوا لخدمتهم والسهر على راحتهم ورعاية مصالحهم.

إلا أن السنيدار، تمرّد على هذه الأفكار والمعتقدات بمجرد احتكاكه بالمثقفين والمتنوّرين الذين مثّلوا نواة الحركات الثورية ضد نظام الكهانة. ليصبح خلال فترة وجيزة أحد الأحرار الذين واجهوا طغيان الإمام يحيى وجبروته. وقد تعرض للسجن والاضطهاد وأنواع التنكيل والهتك والتعذيب.

المناضل الكبير عبد السلام صبرة، تحدث في مقدمته لـ"الطريق إلى الحرية" عن العزي صالح، وسماته ونضاله. وقال "إن العزي صالح هو أحد البارزين من أقطاب الحركة الوطني".

وعن مذكرات العزي السنيدار، قال المناضل صبرة: "استطاع أن يكون صادقاً مع نفسه، ومع أمانة التاريخ، وأمانة الواجب الوطني والديني، وذلك لما جبل عليه طيلة حياته".

وصدر الكتاب القاضي إسماعيل الأكوع، معرجاً على معاناة الرعيل الأول من الأحرار، والسنيدار واحداً منهم، وما واجهوا من مشاق وسخرية وتسفيه آراء، وصولاً إلى الحبس والتنكيل وغيره من الاضطهاد على يد الإمام.

وكانت الافتتاحية بقلم الأستاذ حسين المروني، تناول فيها الظروف القاسية التي مر بها اليمن إبان حكم الإمامة حتى اندلاع الثورة وقيام الجمهورية. متحدثًا عن المناضل العزي صالح وما قدمه للوطن وما تعرض له من سجن وترويع وتشريد.

 

وعي ثوري

كانت بداية التحوّل الفكري لدى العزي السنيدار، من تعرفه على المناضل محمد عبدالله المحلوي، الذي تقبّل أفكاره بسرعة رغم المعتقدات والخرافات الخاطئة التي كانت تملأ عقله حينها.

وتعززت أفكاره الوطنية والدينية مع تعرفه على المناضل أحمد المطاع، حيث بدأت جلساتهم ولقاءاتهم الفكرية الخاصة. وفي لقاءاته مع "حكيم الثورة" الشيخ حسن الدعيس، والذي قال عنه العزي السنيدار، إنه "أحد الطلائع الثورية الذين أبصروا والناس كلهم ما زالوا عمياً".

حينها، كانت بداية انتشار الوعي في أوساط اليمنيين، حيث انخرط كثير من المتنورين في مناقشة الأوضاع باجتماعات في مدن إب وتعز وذمار ومثّلت بداية لانتقاد الحكم الإمامي علناً.

وهنا كانت جولة المطاع الاستكشافية لتلك المناطق، حيث أصر على استطلاع الأمر عن قرب. وبحسب السنيدار، فقد عقد المطاع لقاءات بالأحرار والمثقفين وتعرف على أفكارهم وآرائهم بشأن أوضاع البلاد. وكان انطباعه جيداً لهذه الزيارات وما وجده من عزيمة وفكر لدى أولئك الأحرار.

وفي صنعاء، يقول العزي السنيدار، إن الاجتماعات استمرت في منزله، بمشاركة عدد من الأحرار منهم المحلوي والدعيس والمطاع وأخيه وغيرهم، قبل أن يصل خبرها إلى الأمام باعتبارهم "فقاعسة- مشاغبون". وقد قامت قيامة الإمام حينها واتهموا بمحاولة "قلب نظام الحكم".

 

السجن والتشويه

أقدم الإمام على اعتقال الأحرار الذين كانوا يشتركون في هذه اللقاءات بما فيهم العزي السنيدار وأودعهم سجن القلعة. وهنا كانت ضربة غير متوقعة للإمام، حيث بدأ الناس يتساءلون عن سبب اعتقالهم.

ولمنع الناس من معرفة السبب الحقيقي، عمد إلى نشر الإشاعات لتشويه الأحرار ووصفهم بأنهم "درادعة" (طائفة يهودية) و"ملحدون" وأنهم "اختصروا القرآن الكريم".

ولم تهدأ الدعاية ضدهم إلا بعد ثلاثة أشهر من السجن، وفق العزي السنيدار. ورغم هذا إلا أن الناس استطاعوا معرفة السبب الحقيقي لاعتقال الأحرار وهو انتقادهم للحكم الامامي واستنكار الظلم والتلاعب بالشريعة وسلب أموال الشعب.

وكان الأمر الأهم، أن قضية اعتقالهم لاقت صدى خارج البلاد، فقد نشرت عنهم الصحف العربية ومنا الشورى المصرية التي تحدثت عن المعتقلين في اليمن والوضع القائم.

والمؤسف، أن المناضل "المحلوي" كان أول الضحايا في سبيل الحرية فقد عاني المرض في السجن ومات بعد خروجه منه بعدّة أيام.

 

جولة أخرى

بعد هذه الجولة من الصراع، لم يتوقف الأمر عند اجتماعات الأحرار وانتقاد الإمامة في المجالس والشوارع، بل عمل المطاع وإخوانه في صنعاء على تدبير مسألة المنشورات التوعوية.

ويصف السنيدار، هذه الخطوة بأنها "أول ضربة للإمام وأولاده" فقد فزع فزعاً شديداً وظل يبحث عن كاتب المنشورات حتى توصل إلى القاضي محمد الخالدي، وأمر باعتقاله وجلده. وحينها اعتقل محمد ابو طالب والقاضي الزبيري والصفي وغيرهم.

وبعد حملة التضييق الإمامية، سافر محي الدين العنسي واحمد الحورش إلى مصر، والزبيري والنعمان إلى عدن، وهنا حدث تحول نوعي في العمل التنويري والثوري، فقد استمروا من المنافي بكتابة المنشورات وتوزيعها، وكان الشيخ عبد الوهاب نعمان حلقة الوصل بين صنعاء وعدن.

وفي عدن، أصدر الأحرار صحيفة صوت اليمن، والتي لاقت انتشاراً واسعاً في المدن شمالاً، وهو ما ضاعف سخط الإمام.

ووفق العزي السنيدار، فقد نجحت هذه المنشورات والصحف في إيصال فكرة الأحرار إلى القبائل وأثّرت فيهم، وبدأ المشائخ يتجمعون في صنعاء ويتوجهون إلى الامام ويصارحونه ويطلبون منه الاصلاح وينتقدون الحكم القائم.

وبلغ الأمر لأن يطلب القبائل من الإمام إنشاء مجلس شورى. يقول العزي السنيدار، إن هذه المطالب كانت "بمثابة صواعق على الامام وأولاده اهتز لها عرشهم وارتبكت أحوالهم".

 

الفعل الثوري

بعد انتشار فكرة الأحرار عبر المنشورات والصحف، قرر احمد المطاع الانتقال إلى الفعل الثوري. وبحسب ما ذكره العزي السنيدار، فقد أخبر المطاع بعض من يثق بهم كالحاج علي السنيدار والعزي صالح بقوله: اليوم انتهى دور الأقوال، وقد لعبت دوراً، ويجب أن ننتقل إلى دور الأعمال الإيجابية".

وهنا شرع الأحرار بوضع الخطوات الأولى للثورة على الطغيان في اجتماعات سرية. واتفقوا على أن يكون عبدالله الوزير، خلفًا للإمام يحيى بعد الاتفاق على اغتيال الأخير.

وقد تحفظ بعض الأحرار على تعيين الوزير خلفاً للإمام كونهم من الأسر الإقطاعية السلالية، فيما أيّد الفكرة آخرون كون الوزير منتقم من أسرة بيت حميد الدين الذين حاولوا قتله بالسم.

وقد نجح الأحرار بقيادة الشيخ على ناصر القردعي، في قتل الامام يحيى، بمنطقة حزيز أثناء عودته من النزهة عام ١٣٦٧هـ، فيما أفلت ولي العهد أحمد، من الفريق المكلف باغتياله في تعز، ونجح في الوصول إلى باجل، وصولاً إلى حجة. وفي الطريق دعا الإمامة لنفسه.

وفي حجة، بدأ الاتصال بالقبائل وتحشيدهم لاجتياح صنعاء وأباح لهم نهبها، وكانت هي الوسيلة لانتصاره. فيما الإمام الوزير، التزم قصره، رافضًا الاستماع لنصائح الأحرار، وطلبهم منه الخروج إلى حجة لمواجهة ولي العهد أو الخروج إلى المناطق رداع والبيضاء أو تعز وإب.

واشتد الحصار على صنعاء، وتخاذل الأهالي خاصة بعد أن سمعوا بأن ولي العهد أباح المدينة للقبائل، وأباح الدماء. وهكذا سقطت بيد الإمام أحمد، وسيق الأحرار إلى سجون حجّة، وهناك أعدم الكثير منهم، وأبقي البعض في السجن لفترات متفاوتة.

 

أسباب فشل ثورة ٤٨هـ

يذكر العزي السنيدار، ثلاثة أسباب لفشل ثورة الدستور، وهي: نجاة أحمد ولي العهد، واقتصار التوعية على بعض سكان المدن وعدم وصولها إلى القبائل في الأرياف.

إضافة إلى "سلبية عبدالله الوزير وما أصابه من الخبال جعله لا يتقبل أي نصح من الثوار. وهذا ما ساعد الإمام أحمد في السيطرة على زمام الأمور.

وكان الإمام أحمد، قد أمر بنقل الوزير وعدد من الأحرار وأودعهم سجن نافع في حجة والتي وصفها العزي السنيدار بأنها "عاصمة السجون". وبعدها أمر بقطع رأس عبد الله الوزير والثائر زيد الموشكي. لتتوالى بعدها حملات الاعتقالات وأحكام الإعدام بحق الثوار الأحرار.

وبداية ١٣٦٨هـ وصل مساجين جدد إلى حجة وهم الشيخ أحمد ناصر القردعي وابن عمه علي طالب القردعي والذي توفي في سجن نافع. كما وصل محمد حسين عبدالقادر من سجن صنعاء.

وحينها، أمر الإمام بتشديد الإجراءات على 16 شخصاً من الأحرار ووضع قيود ومراود إضافية عليهم ومنعهم من الاختلاط بالآخرين. ومن هؤلاء أربعة كان الأمر بالتشديد عليهم أكثر وجلد كل واحد منهم 30 جلدة يوميًا وهم: أحمد المروني وأحمد الشامي والعزي صالح السنيدار ومحمد عكارس.

كما أمر بمصادرة أملاك بعض الأحرار وأراضيهم وهدم بيوتهم وهم الصفي محبوب وحسن العمري ومحمد عكارس.

 

الحرية أخيراً

ظل الأحرار في سجون الإمامة في حجة حتى اندلاع ثورة الثلايا سنة  ٧٤ه (١٩٥٥) في تعز، والتي لم يكتب لها النجاح هي الأخرى، وانتهت بإعدام البطل الثلايا وغيره من الأحرار المشاركين فيها.

وحينها، كان ولي العهد "البدر" في حجة ومع عودته إلى صنعاء نقل معه أربعة من الأحرار هم: الحاج علي السنيدار والعزي السنيدار وعبد السلام صبرة وعبد الله الزهيري.

ومن صنعاء، نجح العزي السنيدار، في السفر إلى عدن، ليواصل من هناك العمل الثوري مع بقيّة الأحرار لسبع سنوات وأربعة أشهر.

وعن نضال العزي في عدن هذه الفترة، قال المناضل صبرة: استمر يعمل للقضية الوطنية بنشر المنشورات بكل جهد طيلة بقائه في عدن حتى قامت ثورة 26 سبتمبر الظافرة التي تنبأ بها وانتظرها ولباها في أول أيامها، وانتقل إلى صنعاء ليشارك الثوار بعقله وجسمه وبكل مشاعره في السراء والضراء".

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى