حين قامت ثورة 26سبتمبر 1962م كانت من أولوياتها القضاء على الثالوث المرعب الذي زرعته الإمامة في حياة اليمنيين وقد مثل سبباً رئيسياً لتتحول اليمن إلى أرض مجهولة لا تعرف من حولها ولا يعرفونها غارقة في الجهل والفقر والمرض.
وحين سقطت الإمامة وذهبت إلى مزبلة التاريخ توجهت الجهود لدحر هذه الآفات وعلى مدى العقود الماضية تبدلت الأحوال وتغير الواقع لكن الحقد الإمامي ظل متربصاً بالجمهورية، وحين تمكن من اسقاطها على حين غفلة وفي لحظة ضعف تجلى الحقد الإمامي في إعادة انتاج هذا الثالوث المرعب الذي تخلص منه اليمنيون حين اسقطوا حكم أسرة الكهنوتي يحيى حميدالدين، وبات واضحاً إنه وإن اختلفت أسماء المنفذين أو تبدلت صورهم واثوابهم لكن الحقيقة التي لا يمكن القفز عليها أنها الإمامة بشحمها ولحمها تريد أن تعيد أمجادها المرتكزة على استعباد اليمني وجعله جاهلاً معزولاً عن العالم من حوله فقيراً جائعاً لا يفكر إلا بسد رمقه تنخر جسده الأمراض وتستوطن فيه الأوبئة فلا يفكر ولا يتطور ولا يشتاق للحرية.
الفقر.. مرتع الامامة
مارست الإمامة في نسخها القديمة الافقار بحق اليمنيين واستفردت بالأموال والعقارات تاركة سنوات الجوع تقتل اليمنيين ومخازنها مليئة بالحبوب وقصورها تعج بأسباب الحياة ومظاهر الترف وكان شعار هالكهم يحي حميد الدين "جوّع كلبك يتبعك" وتماماً كأسلافهم يمارس الحوثيون نفس الأساليب والطرق لإفقار اليمنيين فيبيحون لأنفسهم المريضة نهب ومصادرة أموال عامة الشعب ويحولونها إلى ملكية خاصة بالسلالة ، ويشنون حرباً اقتصادية لا هوادة فيها تستهدف المجتمع ككل بهدف إفقاره وتحويله من منتِجٍ إلى متسول ، بينما يحتكر الحوثيون كل الإمكانات والأموال باعتبارهم "سادة" وبقية الشعب "عمالاً وعبيد" .
في سبيل إعادة انتاج الفقر في المجتمع تعددت أساليب الحوثيين فنهبوا الرواتب وحرموا منها الموظفين ، كما نهبوا الإيرادات العامة المختلفة ، وحولوها إلى أرصدتهم الشخصية ، وصادروا أموال التجار والمستثمرين سواء كانت أموال نقدية أو شركات أو مصانع أو معامل انتاج ، كما مارسوا حرباً اقتصادية شرسة على رأس المال الوطني ، كما تشمل الانتهاكات الاستنزاف والتضييقٍ والمصادرة وممارسة الجباية بطريقة مبالغ فيها وغير شرعية وباستخدام القوة ، وعادةً ما يتم فرض رسوم تحت مسميات مختلفة أغلبها تتعلق بالفكر المليشاوي الإمامي وبشكل عشوائي ومفاجئ وبمبالغ مهولة مما يؤثر على الأعمال التجارية ويجعلها أكثر صعوبة ، وهذا كله يدفع التجار للإفلاس وتسريح العمال ، أو الهروب بما تبقى من أموالهم إلى الخارج، وكلا الأمرين يشكِّل ضرراً على المجتمع بشكلٍ عام ، ونتيجته الطبيعية فقدان العديد من فرص العمل وارتفاع معدلات البطالة والفقر، كما مارس الحوثيون اختطاف رجال الأعمال والتجار أو أبنائهم والمطالبة بفدية مالية ضخمة مقابل إطلاق سراحهم ، أو للضغط عليهم لتنفيذ مطالب المليشيا المختلفة.
الحوثي وإعادة تجهيل المجتمع
حين أطلق الثوار شرارة 26سبتمبر واسقطوا الإمامة البغيضة وجدوا انفسهم أمام شعب يستوطن فيه الجهل بشكل كامل ، فكانت مهمة مكافحة هذا الجهل أولوية قصوى حملتها الجمهورية الوليدة ، ومع تقدم العقود تبددت ظلمة الجهل وارتفعت نسبة المتعلمين ، وحقق النظام التعليمي الذي انطلق بعد ثورة 26سبتمبر الكثير في سبيل إنهاء الأمية الشاملة التي أرستها دولة الإمامة، وحين عاد الأماميون في العام 2014م استهدفوا التعليم كأحد أهم معالم الجمهورية لأسباب كثيرة أهمها أنهم يدركون أن مشروعهم الحوثي الإمامي لايمكن أن يجد قبولاً أو يزدهر إلا أن يسير متوازياً مع عودة الجهل وإفراغ النظام التعليم القائم من محتواه الحقيقي ، وتحويله إلى وسيلة لزرع العنصرية وضرب السِلم الاجتماعي ، وتجهيل الطلاب حتى تتقبل عقولهم الخرافات والهرقطات الحوثية المتكئة على فكر عنصري سلالي دخيل على مجتمعنا ونظامنا التعليمي .
اتّبع الحوثيون طرقاً متعددة لضرب التعليم أولها نهب رواتب موظفي السلك الحكومي وعلى رأس من نهبت رواتبهم العاملين في قطاع التعليم في مناطق سيطرة الحوثي ، والذي انعكس بدوره سلباً على سير العملية التعليمة ، واضطر المعلمون إلى الاتجاه لمهن أخرى لكسب لقمة العيش لهم ولأسرهم ، كما مارست المنظومة الحوثية بإعْلامِها ومشرفيها عمليات غسيل دماغ لقطاع واسع من الطلاب تم اقناعهم بترك المدارس والاتجاه نحو جبهات القتال ليصبحوا وقوداً لحرب الجماعة الانقلابية على اليمن واليمنيين ، وتحولت على أيديهم العديد من المنشآت التعليمية إلى مراكز اعتقال لمعارضيهم ، أو مراكز تجميع وتدريب لمليشياتهم المسلحة ، وهذا كله يشكل ارضية مناسبة لإعادة الجهل وتمكينه.
على صعيد المناهج أجبر الحوثيون المعلمين في المدراس الحكومية والخاصة على تعليم الطلاب دروساً من ملازم الهالك حسين الحوثي، وألزمت طلاب الجامعات على دراسة مقررات طائفية مرتبطة بفكر الجماعة لا تمس للعلم ولا أهله بصلة ، ثم تطور الحال فقاموا بتغيير المناهج الدراسية وتكييفها بما يناسب نظريتهم العنصرية فغدت المناهج نسخة من تلك الملازم الحوثية التي تعيد انتاج الجهل وتزرع الفتنة بين صفوف اليمنيين وتهمل كل قضايا الانتماء للجمهورية والعمل تحت ظلها، ثم وصل بهم حقدهم الامامي أن حذفوا من أهداف الثورة فقرة الغاء الامتيازات والفوارق الاجتماعية التي يرونها تقف حجرة عثرة أمام مشروعهم القائم على نظرية الاصطفاء التي تُقسّم المجتمع على أساس طائفي بنفس الكيفية التي درجت عليها دولة الإمامة في نسخها القديمة ، وتركزت أكثر التغييرات في مناهج التربية الإسلامية والتربية الوطنية والجغرافيا والتاريخ واللغة العربية، كما شملت كذلك المواد ذات الطبيعة العلمية البحتة فقامت بزرع محتويات تخدم مشروعها الطائفي ضمن محتواها.
الصحة في مرمى الحوثيين
دأبت الإمامة على جعل اليمن موطناً للأوبئة واليمني فريسة للأمراض والعلل ، وإلى جانب الفقر والجهل شكل المرض أحد افرازات عهد الإمامة الكهنوتية وحين اشتعلت شرارة ثورة 26 سبتمبر 1962م وضع الثوار مكافحة الأمراض والأوبئة التي تفتك بحياة اليمنيين ضمن المهام الرئيسية وانتشرت المستشفيات والمراكز الصحية ووحدات الرعاية وشارك القطاع الخاص في النهضة الصحية وصارت اللقاحات مجانية وفي متناول كافة اليمنيين لكن الانقلاب الحوثي في 21 سبتمبر 2014م وضع نصب عينيه إعادة الأمور إلى الوراء واستنهاض الممارسات الإمامية لاستدعاء الامراض والأوبئة لتفتك بحياة اليمنيين من جديد ، فتجعل المجتمع ضعيفاً هزيلاً لا يقوى على مواجهة المشروع الطائفي الإمامي .
مارس الحوثيون عمليات تدمير ممنهج للقطاع الصحي الحكومي، عبر استهداف البنية التحتية للمستشفيات والمراكز الصحية ، ونهب الأجهزة والمعدات ، واستبدال قيادات وزارة الصحة والوحدات التابعة لها بعناصر حوثية تفتقر للمؤهلات والخبرة، كما نهب الحوثيون مرتبات الكادر الصحي والتمريضي والإداري العامل في كافة المستشفيات والوحدات الصحية ووحدات الرعاية المختلفة ، وتعرضت الطفولة لأسوء انتهاك عبر حرمان الأطفال من اللقاحات ومهاجمتها ومحاولة تصويرها أنها سبب الأمراض! وهذا بدوره رفع نسبة الوفيات في هذه الفئة الأكثر ضعفاً، وتم رصد ظهور أمراض كان قد أعلن اليمن التخلص منها نهائياً عبر انتظام الحصول على لقاحاتها وجعلها في متناول الجميع ، ومن أهم هذه الأمراض التي عاودت الظهور مرض شلل الاطفال والحصبة ، كما تم إلغاء خدمات تنظيم النسل وخدمات الرعاية الاولية للنساء الحوامل والمرضعات، ولا يمكن لليمنيين نسيان كارثة الأدوية الملوثة التي وزعها الحوثيون على عدد من المستشفيات وأدت لوفاة أكثر من 18 طفلاً والتي تظهر بجلاء التدمير الممنهج والفساد والعبث الذي مارسته الجماعة بحق القطاع الصحي في المناطق الخاضعة لسيطرتها، منذ انقلابها على الجمهورية.
وخلال جائحة كورونا لم يتجاوب الحوثيون مع الجهود الدولية لمكافحة الجائحة ، ورفضوا مساعي منظمة الصحة العالمية لتطعيم الكوادر الصحية في مراحل اللقاح الأولى ثم مارسوا حجب البيانات الحقيقية لأعداد الاصابات والوفيات ، وتجلت نياتهم أكثر حين وفروا عدداً محدوداً من جرعات اللقاح لاستخدامها لأفراد السلالة بعد وفاة العديد منهم بالوباء وسط تكتم شديد ومحاولات لتزوير اسباب وفاة أخرى، وهذا كله يعد مخاطرة بحياة اليمنيين ورغبة حقيقية من الحوثيين لانتشار الوباء رغم ان الحكومة الشرعية التزمت بتسليم لقاحات كورونا للمناطق التي تقع تحت سيطرة الحوثيين عبر منظمة الصحة العالمية وقتها.
القطاع الخاص العامل في مجال الصحة لم يسلم من عبث وفوضى الحوثيين الذي مارسوا بحقة الابتزاز وفرض الجبايات والنهب والمصادرة لمستشفيات ومراكز طبية تتبع أفراد وشركات خاصة وهذا كله جعل عدداً منها تلجأ لإيقاف نشاطها أو نقله إلى الخارج أو إلى مناطق سيطرة الحكومة الشرعية وبالتالي حرمان قطاع واسع من اليمنيين من تلقي الخدمات الصحية وعودة الأمراض والأوبئة لتفتك بحياة اليمنيين تماماً كما كانت تفعل الإمامة في نسخها القديمة.
وماذا بعد
المؤكد اليوم وبعد تسع عجاف أن كل الجهود الحوثية منذ نكبة 21سبتمبر تركزت في إحياء الإمامة سلوكاً ومشروعاً وممارسات ، ويمثل الثالوث المرعب أحد أركان هذا المشروع وكل يوم تمر في عمر هذا الانقلاب فإن الضرر يزداد أكثر على اليمن أرضاً وانساناً في مختلف المجالات ، وعلى راس ذلك ضرب قطاعات الاقتصاد والتعليم والصحة ، ولن يتوقف هذا الاستهداف الممنهج وزراعة المآسي إلا بإسقاط هذا الانقلاب بأشخاصه وأفكاره الطائفية الكهنوتية ، والعمل بوتيرة عالية على تعزيز المشروع الوطني الجامع القائم على الأسس الجمهورية بعيداً عن تفضيل أي سلالةٍ أو فئةٍ أو جهة.