اقترن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في 22 مايو عام 1990، بشرعية التعددية الحزبية, وحق القوى السياسية في تشكيل أحزاب سياسية علنية, وفي هذا السياق كان الإعلان عن قيام التجمع اليمني للإصلاح في 13 سبتمبر 1990، ومنذ اللحظة التي نشأ فيها أصبح رقماً قوياً في الساحة السياسية اليمنية، وأثبت وجوده كعنصر فاعل ومؤثر في مختلف الظروف والأوضاع التي مرت وتمر بها البلاد.
وفي الذكرى الثالثة والثلاثين لتأسيسه؛ من الغني عن القول إنه حزب وطني ديمقراطي مكرّس للإصلاح في جميع جوانب الحياة، ويقوم على مرجعية وطنية مستمدة من القيم الإسلامية السمحاء، وأن التداول السلمي للسلطة؛ وفق ثوابته الوطنية، هو جوهر الشورى والديمقراطية، إذ إن خلاصة هذا القول نجدها مستقرة وثابتة في أدبيات حزب الإصلاح وبرامجه السياسية والانتخابية، منذ نشأته وحتى الآن، كما أنها واضحة العيان والبيان في الرؤى واللوائح والمنطلقات الفكرية الصادرة عن الهيئات الرسمية للإصلاح، وقبل ذلك في الممارسات التنظيمية داخلياً ومع شركاء العمل السياسي.
فهو منذ لحظة ميلاده ككيان حزبي؛ في ساحة اتسعت لميلاد عشرات الأحزاب والكيانات، برهن حرصه على التعاطي مع الديمقراطية، التي هي في الأساس أحد مرتكزات تأسيسه، وذلك من خلال ممارساته العملية سواء كان في صفوف المعارضة أو في مواقع السلطة، والإصلاح بقدر ما يشدد على ضرورة تجذير الممارسة الديمقراطية في مختلف مناحي الحياة، فإنه أشد حرصاً على تعميق النهج الديمقراطي داخل تكويناته ومؤسساته القيادية والتنظيمية، حيث يعتبر التجمع اليمني للإصلاح الحزب السياسي الوحيد في الساحة اليمنية الذي حرص على عقد دورات مؤتمره العام بصورة منتظمة وفي مواعيدها المحددة.
محطات إصلاحية في ربوع الديمقراطية:
من منطلق راسخ في ممارسة العمل الديمقراطي؛ خاض الإصلاح أول انتخابات نيابية بعد قيام الجمهورية اليمنية، وأفضت نتائج الانتخابات النيابية تلك في أبريل 1993، إلى فوزه بالمرتبة الثانية، بعدد 63 مقعدا بنسبة 21%، بعد المؤتمر الشعبي الذي حصل على 123 مقعدا بنسبة 40%، وقبل الحزب الاشتراكي الحاصل على 56 مقعدا بنسبة 18%، لتُسفر تلك النتيجة عن اتفاق الأحزاب الثلاثة على الدخول في تجربة ائتلاف ثلاثي، يتضمن تشكيل حكومة ائتلافية وتنسيق برلماني بين الكتل البرلمانية الثلاث.
ورأى الإصلاح أن مشاركته في السلطة؛ حينها، وفق وثائق المؤتمر العام الأول للحزب، "جاءت نتيجة طبيعية وضرورة موضوعية، بعد أن خاض بشرف ونزاهة، أول انتخابات نيابية، ومن خلال الموقع الذي حصل عليه". ولكنه تنازل في التشكيل الحكومي عن المركز الثاني لصالح الاشتراكي، "مراعاة للمصلحة الوطنية وتأكيداً لحسن النية تجاه شريكه في الائتلاف الحزب الاشتراكي".
وفي الانتخابات البرلمانية الثانية أبريل 1997، حاز الإصلاح على 64 مقعداً برلمانياً، منها 53 مقعداً باسم المرشحين المتقدمين كأعضاء في الإصلاح، بالإضافة إلى 11 مقعداً باسم المرشحين الذين تقدموا للانتخابات كمستقلين ثم أعلنوا بعد ذلك انضمامهم إلى كتلة الإصلاح النيابية، لينتقل بعد هذه الانتخابات إلى المعارضة، ويمارس دوره من خلال المنابر المشروعة ديمقراطياً كالبرلمان والصحافة والنقابات ومختلف الفعاليات والوسائل المتاحة، وعلى هذا الأساس جاءت مشاركته الفاعلة في الانتخابات المحلية 2001، والانتخابات البرلمانية الثالثة أبريل 2003، التي حصل فيها على 45 مقعداً من مقاعد مجلس النواب.
ويُحسب للإصلاح أنه الحزب الوحيد حتى الآن الذي شارك في الحكم من خلال الآلية الديمقراطية، وخرج إلى المعارضة، احتراماً لهذه الآلية، وبموجب هذا النهج والعمل الديمقراطي، شارك الحزب في جميع الانتخابات النيابية والمحلية والرئاسية التي عرفتها البلاد خلال العقدين الماضيين، أهمها الانتخابات الرئاسية في سبتمبر 2006، بمرشح توافقت عليه أحزاب اللقاء المشترك هو الأستاذ فيصل بن شملان، رحمه الله تعالى، الذي كان منافسا شرساً في تلك الانتخابات.
الإصلاح والتعددية السياسية:
يتطلب ويفرض التداول السلمي للسلطة؛ في ظل مجتمع ديمقراطي، وجود تعددية سياسية، تجسد وتعبر عن حالة التعددية التي يعيشها المجتمع، وهذه التعددية السياسية، وفق البرنامج الانتخابي للإصلاح المقر في سبتمبر 1994، تمثل أفضل الصيغ الكفيلة باستيعاب المعارضة ومنحها مشروعية العمل من خلال الوسائل الديمقراطية، وإتاحة الفرصة أمامها للوصول إلى الحكم أو المشاركة فيه طالما حاز برنامجها على ثقة الأغلبية الشعبية.
الإصلاح ومن موقعه الريادي؛ وفي مختلف المراحل، ظل حريصاً على التواصل والتعاون مع كافة الأحزاب والقوى السياسية، من أجل ترسيخ الممارسة الديمقراطية وحمايتها، واستطاع أن يحقق مع أحزاب اللقاء المشترك، نموذجاً متميزاً للشراكة الايجابية، بالنظر إلى أن صيغة العمل الجماعي قادرة على الإسهام في إشاعة ثقافة التسامح والتعاون على البر والتقوى، وتمتين عرى الوحدة الوطنية وتعزيز الاستقرار في البلاد.
حيث لعب الإصلاح دورا في تأسيس اللقاء المشترك الذي ضم مكونات سياسية يمنية مختلفة المشارب والأفكار، اليسارية والقومية، ضمن برنامج عمل وطني جامع تصدر واجهة عمل المعارضة تحت قاعدة المصلحة الوطنية العليا.
وهو بهذه الحيوية والاقتدار على شق زمام التحدي لإنجاز أفضل؛ إنما يعبر الإصلاح عن تطلعات كل أبناء اليمن في مستقبل مفعم بالخير والحب والوئام والسلام، وفي ذكرى تأسيسه الثلاثة والثلاثون يتكاثف ويتعاظم دوره الوطني ورصيده النضالي وتاريخه الزاهي بكل معاني الأصالة والانتماء إلى قيم الحق والخير والعدالة والمساواة والجمال بنبل المقصد وشرف المسعى الإصلاحي النبيل.