تصفية الشيخ الباني.. جرح شبوة الذي لا يندمل إلا بتحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين(1-2)

تصفية الشيخ الباني.. جرح شبوة الذي لا يندمل إلا بتحقيق العدالة ومحاسبة المتورطين(1-2)

في السنوات الماضية، كانت حوادث القتل والاغتيالات في شبوة نادرة ومحدودة، ذات طابع جنائي أو مرتبطة بالتنظيمات الإرهابية، حتى عام 2023م، حين قامت عناصر فيما تسمى قوات "دفاع شبوة"، التي يفترض أنها مسؤولة عن حماية السكينة العامة وتأمين حياة المواطنين، بإعدام وتصفية واغتيال المدير العام لمكتب الصحة في "بيحان" الشيخ عبد الله الباني، بدم بارد، وفي وضح النهار.

تركت الجريمة النكراء التي وقعت في ساحة مصلى المطار، صبيحة عيد الفطر الماضي، جرحا غائرا في خاصرة محافظة شبوة، وفي وجدان اليمنيين كلهم، جرحا نازفا لا يندمل، إلا بتحقيق العدالة والقصاص من الجناة ومحاكمة ومحاسبة المحرضين والداعمين، وكل من شارك وساهم في الحادثة المروعة.

قبل لحظات من الجريمة

قبل دقائق من سقوط أشعة الشمس على المصلى الرئيسي في بيحان، قاطع أفراد العصابة الشيخ الباني وهو يردد تكبيرات العيد، وحاولوا إزاحته بالقوة، قبل أن يمنعهم ويرفضهم الناس، ويجبرونهم على المغادرة.

أمّ الشهيد المغدور به، وصلى أبناء بيحان خلفه، كما جرت العادة منذ أكثر من عشرين عاما، ووقف يخطب في المصلين عن العيد والإخاء وزيارة الأرحام ونشر روح المحبة، حاثا الجميع على نبذ الفرقة ورص الصفوف لإنقاذ البلاد والعباد من العدو الوحيد لليمنيين "مليشيا الحوثي الإرهابية".

وفي اللحظات التي كان المصلون يتبادلون التهاني بالعيد المبارك، ويغادر بعضهم الساحة؛ إذ بأفراد العصابة يقاطعونهم بإطلاق الرصاص بشكل مباشر على جسد الباني وأردوه شهيدا يحتضن أبناءه الذين أصيب بعضهم معه.

مخطط يستهدف شبوة

لم تكن الجريمة عابرة أو حادثاً عرضياً، بل تصفية جسدية متعمدة، ضمن مخطط ممنهج يستهدف الخطباء وأئمة المساجد والمصلحيين والشخصيات الاجتماعية، في محافظة شبوة، وهذا ما تؤكده الأحداث قبل ساعات من الجريمة.

إذ كلف مدير مكتب الأوقاف والإرشاد بمحافظة شبوة، "محسن محمد المجرح"، مدير فرع الأوقاف في المديرية، " أحمد مبارك المصعبي"، خطيبا في مصلى ساحة المطار بشكل متواصل، وذلك قبل ساعات قليلة من الجريمة.

تكليف المجرح للمصعبي، مثّل سابقة هي الأولى في تاريخ مكتب الأوقاف والإرشاد في محافظة شبوة، وبمخالفة صريحة وواضحة لتوجيهات وزير الأوقاف والإرشاد القاضية بما نصه "يمنع منعا باتاً إحداث أي تغيير للأئمة والخطباء والمؤذنين، وفي حال وجود ملاحظات عليهم يتم الرفع بها إلينا، وأي إجراء يخالف هذا التعميم يعتبر ملغى ولا يعمل به، ونحملكم كامل المسؤولية في حال المخالفة".

كما أن التكليف مخالف للائحة التنفيذية لوزارة الأوقاف والإرشاد، وتجاوز لصلاحيات مكتب الأوقاف في المحافظة، وهي جهة إشرافية، يفترض حرصها على صيانة حرمة المساجد والمصليات وتجنيبها الصراعات وعدم الزج بالمنابر في أتون الخلافات الحزبية والمناطقية والمذهبية، تنفيذا لسياسة الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، وفقا لتوجيه وزير الأوقاف والإرشاد.

ويؤكد الدكتور قائد الشريفي، مدير مكتب الأوقاف والإرشاد السابق في محافظة شبوة، أن تكاليف محسن المجرح لخطيب في مصلى بيحان "جر إلى هذه الفتنة الكبرى"، أي جريمة اغتيال وتصفية الشهيد الباني.

ويقول الشريفي إن "مكتب الأوقاف كان مظلة جامعة لجميع الفصائل والجماعات والناس، المكتب الذي كان يجمع ولا يفرق"، مستغربا عدم تنبيه مكتب المحافظ ابن الوزير للمجرح، بأن تكليفه مخالف للتعليمات الحكومية والتوجيهات الرسمية وما تقتضيه المصلحة العامة، كونه وصل لمكتبه نسخة من التكليف الموجه لمدير مديرية بيحان.

ويضيف متسائلا "هل كان يُتصور أن يكون مكتب الأوقاف طرفاً في مثل هذه القضايا يشار إليه بأصابع الاتهام أنه المتسبب أو المحرض".

ويتساءل مع الشريفي العديد من أبناء شبوة، هل كان قرار المجرح بتكليف خطيب لساحة مطار بيحان، عفويا؟، هل كان القرار شماعة وسبباً لقيام العصابة بارتكاب الجريمة المروعة، بتصفية وقتل الباني الذي فارق الحياة في الساحة ذاتها؟

ويرد أحدهم جازما، لو أُبلغ الشهيد، قبل وقت مناسب وبالطرق الطبيعية والعادية لتعامل مع تكليف المجرح بمرونة، كما تعامل خطباء وأئمة مساجد في عتق ومديريات أخرى مع تكليفات وتوجيهات مشابه، حيث تؤكد الأخبار والمعلومات التي نشرت على مدى أشهر ماضية، أن العديد من أئمة وخطباء المساجد في عتق وغيرها من المديرات، تعاملوا مع تجاوزات مدير أوقاف شبوة بعقلانية، وغلبوا مصلحة أبناء شبوة على انتماءاتهم الحزبية والمذهبية، من خلال التعاطي المرن مع تلك القرارات الارتجالية المخالفة للقانون والمنافية للصالح العام، بخلاف أسلوب العصابة الإجرامية التي أبلغت الشهيد بأن حاولت جره بالقوة، وهو ما حال دونه المصلون وأهالي بيحان.





ما بعد الجريمة

شارك أهل اليمن عائلة الباني وأبناء شبوة الألم والحزن، وهم يشاهدون "خطبة الوداع" وبعض تفاصيل الجريمة الشنيعة التي ارتكبها أفراد العصابة، مع سبق الإصرار والترصد، معتقدين أنهم سينجون من أي عقوبة، فهم كما وعدهم ومنّاهم الموجهون والمحرضون والآمرون "فوق القانون والدستور وأعلى مرتبة من أبناء شبوة، ولن تطالهم إشارة استغراب أو استفهام".

لكن الجريمة وبشاعتها هزت الشارع اليمني من أقصاه إلى أقصاه، وكانت الحدث الأبرز على مختلف الأصعدة، في مجالس العيد، في تهاني الناس، في مواقع التواصل، في نشرات الأخبار المحلية وفي المواقع والصحف المختلفة.

خطبة الباني ذاتها، انتشرت مقاطع لها إلى حد بعيد على مواقع التواصل الاجتماعي، وتناقلها الناس في رسائلهم الخاصة، وفي مجموعات الواتساب والفيسبوك..

كان لسان حال اليمنيين يقول.. "ما ذنب رجلا قال ربي الله، ودعا للتآلف والأخوة والمحبة، وتوحد اليمنيون جميعا في مواجهة عدوهم الأزلي "الإمامة" وعصابتها الجديدة المتمثلة بمليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران"؟.

ضغط شعبي يثمر

بشاعة وجرأة العناصر الإجرامية التي داهمت مصلى العيد وبعض أفرادها الذين يرتدون زيهم العسكري، دون أن يردعهم الخوف من الله والخجل من الناس، وحرمة المكان والزمان، كان لها تأثير كبير لم يحسب الجناة ومحرضيهم حسابه.

وجاءت الضغوط الشعبية والمجتمعية كالعاصفة الهائلة، تتجاوز حدود الأرض والزمان، حيث لم يمضِ سوى ساعات قليلة حتى انتشرت أنباء الجريمة في كل مكان، كالنار في الهشيم، وأصبحت حديث الناس في اليمن، وفي جميع البلدان.

ومثلما أدانها المجتمع القبلي والشعبي في بيحان وشبوة بشكل خاص، قُوبلت الجريمة بإدانات واسعة من مختلف القوى السياسية والحزبية والمجتمعية، كما أدانتها البعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى اليمن، بعد أن تصدرت نشرات الأخبار في العديد من وسائل الإعلام الإقليمية والدولية.

محافظ شبوة عوض ابن الوزير، وقبل أن تغرب شمس يوم العيد، تلقى العديد من الاتصالات الهاتفية من مشايخ وقيادات سياسية وحزبية وعسكرية وقبلية؛ كلها تدين الجريمة وتحث على قيام السلطة المحلية بدور إيجابي في كشف ملابسات الجريمة وتقديم الجناة للعدالة في أسرع وقت.

تلقى ابن الوزير اتصالين مهمين قرابة الساعة السادسة مساءً. الأول من رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، والثاني من عضو المجلس الدكتور عبد الله العليمي باوزير. تضمنت المكالمتان توجيهات مباشرة لتشكيل لجنة تحقيق في الجريمة وكشف تفاصيلها.

تشكيل لجنة

تنفيذا للتوجيهات العليا، أمر المحافظ ابن الوزير العولقي، بصفته رئيس اللجنة الأمنية، بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، ونص القرار على "ضرورة الوصول إلى الحقيقة وكشف هوية منفذي حادثة قتل عبد الله الباني مدير مكتب الصحة مديرية بيحان صباح يوم العيد".

وشُكلت اللجنة من خمسة قادة في الأمن والجيش والمخابرات هم "قائد محور عتق - قائد اللواء 30 مشاة رئيسًا، مدير عام شرطة المحافظة عضوًا، مدير عام مديرية بيحان عضوًا، مدير جهاز الأمن السياسي عضوًا، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية عضوًا".

وتضمنت مهام اللجنة المشكلة أربع نقاط "1. تقوم اللجنة بالانتقال الفوري إلى مديرية بيحان لمباشرة التحقيق في حادثة مقتل مدير مكتب الصحة مديرية بيحان والمصابين وكشف هوية المنفذين وانتماءاتهم والجهات التي يتبعون لها والأسباب والدوافع التي أدت إلى ارتكاب هذه الجريمة، 2. على كافة الجهات العسكرية والمدنية في المديرية تقديم كافة المعلومات والإجراءات التي اتخذتها ومحاضر جمع الاستدلالات ومعاينة مسرح الجريمة وتسهيل مهام اللجنة وتقديم كل ما تقوم بطلبه اللجنة، 3. تباشر اللجنة عملية التحقيق من تاريخ صدور أمرنا هذا بشكل عاجل،4. تقوم اللجنة برفع تقرير نتائج التحقيق خلال 24 ساعة".

تأخير غير مبرر

كان يفترض وفقا لقرار المحافظ، أن ترفع اللجنة تقريرها بعد 24 ساعة، إلا أن ذلك لم يتم، وبدل ذلك، صدر بعد مضي نحو 7 أيام (27 أبريل) قرار جديد بإحالة "ملف القضية إلى البحث الجنائي لاستكمال الإجراءات".

مثل قرار الإحالة المتأخر بخمسة أيام من الوقت المفترض وفقا لقرار تشكيل اللجنة، صدمة للمجتمع الشبواني ومعه اليمنيون، الذين انتظروا بفارغ الصبر الكشف عن تفاصيل الجريمة الأكثر بشاعة.

تفاجأ الجميع بقيام اللجنة المشكلة من أعلى قيادات أمنية وعسكرية في المحافظة، بإحالة الملف للبحث الجنائي، دون أي مسوغ قانوني يبرر ذلك، سوى إضاعة المزيد من الوقت، كون قيادة أمن المحافظة أجرت التحقيقات الأولية، وهنا كان للمجتمع الشبواني وقبائل بيحان كلمة فاصلة.

تداعت قبائل بيحان، إلى اعتصام شعبي للمطالبة بضبط الجناة ومحاسبتهم، في إجماع شعبي، تحول لاحقا إلى ضغط عام على سلطات الدولة بداية من المجلس الرئاسي وصولا إلى سلطة المحافظة.

وأصدر شيوخ ومقادمة ورموز قبائل بيحان بيانهم المشهور الذي دان الجريمة النكراء التي أفضت إلى "إزهاق روح بشرية لداعية ومربي ورجل إصلاح ذات البين، ورئيس لجنة التخطيط والمالية في المجلس المحلي بالمديرية ومدير مكتب الصحة والسكان".

واعتبر البيان القبلي الحادثة "بمثابة تهديد للسلم الاجتماعي والأهلي وهو كذلك تكريساً للفوضى والخروج عن النظام والقانون"، وطالبوا "رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي ومحافظ محافظة شبوة بسرعة القبض والتحفظ على الجناة وسرعة إصدار قرار رئاسي بتكليف النائب العام للجمهورية بانتداب محامٍ عام ليتولى مع نيابة محافظة شبوة، ومن يلزم من الجهات الأمنية والعسكرية الأخرى بالبدء بالتحقيقات القضائية مع جميع المتهمين وسرعة إحالتهم للقضاء العادل".

التالي.. 

تصحيح الإجراءات، استفتاء شعبي، محاكمة بعض الجناة وانتصار الباني، والمحاكمة العاجلة ورفع الوصاية والحماية عن المتورطين والمحرضين على أبشع جريمة تشهدها شبوة، في الجزء الثاني من التقرير الذي سينشر لاحقاً.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى