فساد بلا خجل، ونهب بلا حساب، بناء للفل، وتجميع للأموال، وسطو للأراضي والعقارات، تلك عناوين بارزة باتت تتلطخ بها قيادات مليشيا الحوثي في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرتها، تؤكد حقيقة ما يقال إنه لم يعد للمليشيا من عمل غير الفساد والنهب المنظم والممنهج، على حساب المواطنين الذين أنهكتهم الأمراض، وحاصرهم الجوع وأنهكهم الوباء.
أدى تصاعد روائح فساد المليشيات الحوثية لدرجة أنه صار حديث الناس، الأمر الذي دفع بعض قيادات المليشيا إلى نشر غسيل جانب من هذا الفساد الممنهج والمنظم في محاولة لتنفيس الغضب الشعبي المتنامي من جهة، وتزايد حدة صراعات الأجنحة بين قيادات المليشيا من جهة أخرى.
فما تمارسه المليشيا السلالية يؤكد أن تلك الشعارات التي رفعوها خلال انقلابهم على الدولة تحت مزاعم محاربة الفاسدين لم تكن سوى محاولات يائسة لذر الرماد على العيون، لكن الواقع أكد أن مسيرتها حافلة بالفساد منذ انطلاقتها في مران صعدة، حتى انقلابها على الدولة في 21 سبتمبر 2014؛ إذ لم تكتف بعملية الفساد والنهب المنظم للأموال؛ بل عملت على إفساد الضمائر والعقائد والأخلاق.
مؤخرًا تصاعدت الأصوات المنددة بعبث وفساد مليشيا الحوثي، من داخل صفوفها، وذلك بالتزامن مع حالة التدهور المعيشي للمواطنين، وارتفاع معدلات الجوع، وتزايد حالات الانتحار، خصوصًا في أوساط الشباب؛ نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة، وفقدان مصادر الدخل، وفرص العمل، وقطع مرتبات الموظفين للعام السابع على التوالي.
يسرقون اللقمة من أفواه الجياع
"يلتهمون الغذاء من أطباق اليمنيين"، هكذا وصفت منظمات محلية فساد الحوثيين، لتعيد ما ذكره برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، والذي أكد نهب مليشيا الحوثي للإغاثة والمساعدات الإنسانية في اليمن، وقال إنهم "يسرقون المساعدات من أفواه الجائعين".
لقد مثّل شهر أغسطس الجاري التجلي الأبرز لأكثر فضائح الفساد لقيادات المليشيات الحوثي التي ظهر بعضها فقط للسطح، وذلك بالتزامن مع تزايد حدة الغضب الشعبي المناهض للمليشيات في مناطق سيطرتها، واستمرار اضراب المعلمين والتربويين للأسبوع الخامس على التوالي، للمطالبة بصرف رواتبهم بشكل منتظم.
صور من فساد الحوثيين
وفي هذا الصدد، كشفت وثيقة، مقدار ما ينهبه وزير المالية في حكومة مليشيا الحوثي بصنعاء، غير المعترف بها دوليًا، بصورة شهرية من مكتب جمارك ورقابة صنعاء، والتي يتحصل منها "مليوني" ريال يمني تحت مسمى بند "بدل انتقال" وذلك في ظل نهب القيادات الحوثية بصورة شهرية لعشرات المليارات من مختلف القطاعات والمؤسسات، ورفضهم صرف مرتبات الموظفين وفي مقدمتهم المعلمين الذين تصاعدت مطالبهم مؤخرا بشكل لافت.
يأتي الفساد الحوثي في ظل تحذيرات من تجاهل الاحتجاجات التي يقودها الموظفون للمطالبة بصرف مرتباتهم، ودعوات للحوثيين بصرف المرتبات وفتح الطرقات، تجنبا لحالة الغضب الشعبي الذي قال القيادي الحوثي السابق محمد المقالح بأن الاحتجاجات هذه المرة "جديّة لأول مرة منذ 2015".
سطو على الأراضي والعقارات
من يتتبع مقدار النهب الذي تجنيه مليشيا الحوثي يلحظ المرء مدى حرصها اللامتناهي للسيطرة والسطو على أكبر قدر ممكن من قطاع العقارات والأراضي، والتي يتم نهبها والسيطرة عليها تحت مسميات مختلفة، بعضها تابعة للمواطنين، والبعض الأخر تابعة لقطاعات حكومية، كما حصل مؤخرا في محافظة الحديدة.
حيث أقدم القيادي الحوثي المكنى أبو حسين الكحلاني، على نهب وتسوير أرضية تبلغ مساحتها 7 آلاف متر مربع في حي سبعة يوليو بمدينة الحديدة، والتي تتبع مكتب التربية في الحديدة والذي كان يخطط لبناء مدرسة حكومية فيها، قبل أن تبتلعها القيادات الحوثية لتحولها من ملكية عامة للدولة إلى ملكية خاصة لسلالتها.
كما قامت قيادات حوثية بإغلاق الشارع الفرعي المؤدي من حي السنينة بمديرية معين إلى شارع الستين (أكبر شوارع صنعاء) بحواجز حديدية، بعد أن باشرت في تحويله إلى مشروع استثماري لبيع مواد البناء من الأسمنت والحديد والأخشاب.
يأتي هذا بالتزامن مع محاولة القيادي الحوثي المكنى "أبو سرمد" السطو على أرضية التاجر "محمد الدعيس" وسط مدينة إب، حيث استقدم معدات وأدوات للحفر بهدف بناء استحداثات في الأرضية، وذلك بعد أشهر من اقتحامه الأرضية المؤجرة كمعرض للسيارات في يناير الماضي، وقام بإجبار صاحب المعرض على إخلائه بقوة السلاح.
إن السطو الحوثي على أراضي مكتب التربية بالحديدة، وأراضي المواطنين في صنعاء وإب ومناطق سيطرتها، يأتي ضمن عشرات الأراضي التي تم نهبها من قبل المليشيا وتوزيعها على قياداتهم. فمنذ انقلابها على الدولة تعرضت أراضي وأملاك الدولة لعمليات نهب وسطو واسعة من قبل قيادات نافذة داخل مليشيا الحوثي، ضمن عملية ممنهجة تشهدها مختلف المحافظات الخاضعة لسيطرتهم.
فساد حوثي متجذر
إضافة إلى ذلك، كشفت وثيقة عن قيام القياد الحوثي المعين مديرًا عامًا للمؤسسة العامة للكهرباء بشراء أرضية تبلغ قيمتها نحو 400 مليون ريال دفع ثمنها بالعملة الصعبة "سعودي"، في وقت يعيش فيه اليمنيين أسوأ ظروفهم المعيشية، أدى إلى تزايد حالات الانتحار، نتيجة تفاقم الوضع المعيشي، وتزايد معدلات الفقر والبطالة، رغم محاولات عبدالملك الحوثي الظهور بمظهر الواعظ أمام الناس، والمحذر من الفساد، رغم أن فساد جماعته بات أكثر تجذرًا، وأشد انتشارًا.
كما كشفت مصادر تربوية عن قيام القيادي في المليشيا المعين وزيرا للتربية والتعليم يحي بدر الدين الحوثي شقيق زعيم الجماعة، قام بشراء أرضية بشارع تعز في صنعاء بمبلغ خمسة مليار ريال، بمساحة تزيد عن 20 لبنة، من عائدات صندوق المعلم الذي تحولت أمواله لشراء أراضي وعقارات.
وحسب المصادر، فقد تم تقييد مبلغ شراء الأرض تحت اسم دعم طباعة الكتاب المدرسي، رغم أنها مؤسسة إيرادية وتقوم ببيع المنهج الدراسي بمبلغ يتراوح بين 10 -12 ألف ريال للمدارس الأهلية، وكذلك يتم بيع بقية الكتب بالسوق السوداء ويستثمر الحوثي مطابع الكتاب في الأعمال التجارية.
وكشفت وثيقة متداولة صادرة عن مكتب الادارة العامة للبحوث والتدريب في محافظة البيضاء عن صرف مليشيات الحوثي لملايين الريالات كنفقات لمحاضرات زعيم المليشيا في دورة واحدة، في وقت ترفض فيه المليشيا صرف مرتبات الموظفين بذريعة نقص الموارد.
الوثيقة تضمنت أن الدورة الثقافية التي عقدت لوكلاء المحافظة ومدراء عموم المكاتب التنفيذية، ومدراء عموم المديريات، خلال العام الجاري بلغت 11 مليون و284 ألف وثمانين ريال، توزعت بين اعداد وخدمات وانتقالات للمشاركين ونثريات.
وأوضحت الوثيقة جزءاً من فساد وعبث مليشيا الحوثي بالمال العام، تؤكد وفقاً لمراقبين أن هذا المبلغ وأضعافه ينفق في جميع المحافظات الواقعة تحت سيطرة المليشيات، لمثل هذه الدورات الطائفية، في وقت ترفض فيه المليشيات دفع مرتبات المعلمين، أو الانفاق على التعليم، رغم الاموال الهائلة التي تتحصلها المليشيات تحت بند مخصصات صندوق دعم المعلم.
ثراء حوثي ومأساة اليمنيين
وتؤكد مصادر حقوقية، أن مليشيا الحوثي الإرهابية كثفت من أعمال السطو على العقارات في مختلف مناطق سيطرتها، لا سيما صنعاء والمحويت وإب، وسط تنافس قيادات المليشيا على المزيد من الثراء، وسط تجاهل تام لمأساة لملايين اليمنيين الذين يتضورون جوعًا.
فرغم الفوضى الأمنية التي تشهدها صنعاء مع تصاعد جرائم التعدي على ممتلكات الغير، يتخوف الكثير من سكان صنعاء من أن تتجه المليشيا في مقبل الأيام صوب مصادرة ما بقي ممتلكاتهم، وتحويل ذلك فيما بعد إلى ملكيات خاصة بالقيادات الحوثية، خصوصاً تلك المقبلة من صعدة حيث معقلهم الرئيسي.
ويقدّر مراقبون أن عمليات السطو الحوثية طاولت منذ الانقلاب أكثر من 80 % من أراضي وعقارات وممتلكات الدولة في العاصمة صنعاء ومحيطها، وذلك ضمن خطط مليشيا الحوثي الرامية لتدمير مؤسسات الدولة، وإنشاء كيانات مستحدثة تمكن لهم السيطرة على كافة القطاعات الحيوية في البلاد، وركائزها الاقتصادية.
وتزداد مليشيا الحوثي شراهة، في السطو على ممتلكات المواطنين من أراضٍ وعقارات، مع ما تمثله من عوائد مالية كبيرة، حيث أدى انتعاش قطاع العقارات منذ بداية الحرب، إلى فتح شهية المليشيا في احتكار التجارة بقطاع العقارات، لتمتد إلى محاولة تعطيل المحاكم والقضاء، والتدخل في قضايا النزاع على الأراضٍ والعقارات بقوة السلاح.
مخطط حوثي للاستيلاء على قطاع العقارات
مؤخرا، توسعت الاحتجاجات الشعبية المناهضة للمليشيا الحوثية، تنديدا بعملية النهب المنظم التي تقودها المليشيا ضد أراضيهم وممتلكاتهم. حيث نظم عشرات المواطنين في العاصمة صنعاء خلال الايام الماضية وقفات احتجاجية تنديدًا بعمليات النهب المنظم التي تنفذها مليشيا الحوثي على أراضيهم وممتلكاتهم.
جاءت هذه الاحتجاجات بالتزامن مع استمرار نافذين وقيادات حوثية بحماية حملات عسكرية في عمليات السطو والنهب لأراضي المواطنين واملاك الأوقاف في مناطق دار الحيد وبيت الحضرمي وبني مطر بمحافظة صنعاء، وذلك في عمليات ممنهجة ومنظمة تقوم بها قيادات حوثية منذ عدة أشهر.
وقال مراقبون، إن مليشيا الحوثي تستخدم ضمن مخططها للاستيلاء على قطاع العقارات، كافة أساليب الخداع والمكر والسلاح أيضاً، حيث نشط المشرفون الحوثيون في شراء الأراضي والعقارات، وشهد نشاطًا غير مسبوق منذ بدء الحرب، بالتزامن مع عمليات النهب والسطو والاعتداء على أراضي المواطنين والدولة بصورة وصفت بـ"المخيفة".
يأتي هذا بالتزامن مع تحذير الحكومة الشرعية من استمرار مخطط التهجير الذي تقوم به مليشيا الحوثي الانقلابية بحق المواطنين في ضواحي العاصمة المختطفة صنعاء، ومديريات حزام محافظة صنعاء، تحت مزاعم أراضي الدولة والأوقاف، بينما تعمل على توطين عناصر الجماعة.
فساد حوثي على أنقاض الدولة اليمنية
يأتي هذا في الوقت الذي أكد فيه مراقبون، توجّه مليشيات الحوثي الانقلابية منذ انقلابها على الدولة نحو انشاء اقتصاد خاص بالجماعة على أنقاض الدولة اليمنية، وعلى حساب ملايين الجوعى، بعد نهب كافة موارد الدولة، والسيطرة على مؤسساتها، وتجريف القطاع الخاص، وإحلال محله الاستثمارات والشركات الخاصة بالجماعة.
وقال مراقبون، إن مليشيات الحوثي المدعومة من إيران اتبّعت كافة الوسائل والإجراءات في سبيل بناء اقتصاد الجماعة، وتعطيل فاعلية الاقتصاد الوطني، بما في ذلك خصخصة المؤسسات الحكومية وانشاء الشركات الخاصة، وفرض الضرائب والجبايات باستمرار وكذلك العمل على سن تشريعات جديدة تخدم مراميها الهادفة للسيطرة على القطاع الخاص.
وحسب المراقبون، فإن المليشيا عملت على شرعنة إثراء قياداتها من خلال استحداث عدد من الهيئات والمؤسسات المستحدثة والتي تحاول منحها الصفة الرسمية للتحكم بالموارد الخاصة بالمؤسسات الحكومية والاستحواذ عليها ومن هذه الهيئات "الهيئة العامة للزكاة، الهيئة العامة للأدوية، الهيئة العليا للإغاثة، وهيئة الأوقاف... الخ ".
مشيرين إلى أن شركات تجارية جديدة نشأت وتوسعت في العاصمة صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، حيث يؤكد مراقبون إن معظم هذه الشركات مملوكة لقيادات بارزة في جماعة الحوثيين، وتأتي ضمن شبكات اثراء الجماعة من الأموال المنهوبة من أموال المواطنين وخصومها السياسيين.