قامت الحوثية مؤخرا بطباعة كتب للناشئة تنال من ثورة٢٦سبتمبر الأم من خلال ازالة اجزاء وألفاظ لها معانيها ودلالاتها وردت كأهداف لها، وأبرز تلك العبارات المحذوفة المخصوصة "وإزالة الإمتيازات والفوارق بين الطبقات" وهي المعطوفة على جملة التحرر من الإستبداد والإستعمار ومخلفاتهما" كما جاء في الهدف الأولى والأبرز للثورة، وصولا إلى كلمة ولفظتي "تعاوني/والحنيف"الواردة في الهدف الرابع المنصوص فيه/انشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل،مستمد انظمته من روح الإسلام الحنيف.
وعليه سنحاول في هذا المقال تتبع خفايا واسرار واسس، ونتائج قيام خنجر الغدر الحوثية بذلك كما سيأتي:
أولا: اسس وأسرار
ارجاع الحوثية لمفهوم الدولة والسلطة إلى مفهوم فارسي قديم وتأويلات لمفاهيم ماركسية اجتماعية ودينية ثاوية،حيث الدولة هي دولة الحق الإلهي كما في المفهوم الفارسي القديم، والذي جعل الملوك من جملة الآلهة،أي أنهم بأمر الإله معينين وصولا إلى جعلهم آلهة من دون الناس، وبهذا فالدولة ليست دولة اخلاقية كما قال" هيقل" ولا دولة طبيعية كما ذهب لذلك افلاطون وارسطو، مع ما يعني ذلك العقلانية وتعاقدية وما إلى ذلك، بل هي حق إلهي ملزم، والطبقة ومصالحها ليست بمفهومها الماركسي وعلماء الإجتماع السياسي، بل هي طبقة"الأشراف" والمصطفين من عباده أي السادة او الهاشميين والأبناء/ابناء الفرس او ابناء النبي وذريته وأحفاده، ومن إليهم ينسب.
وهذا وإن كان يبين مدى تأثير الفارسية في فكر الحوثية وسلوكها ومواقفها؛ فإنه يكشف عن مدى الصلة العرقية والتأله وما ذهبت إليه نظريات العنصرية والإستعلاء من نازية وآرية وتعصب وانغلاق وشوفينية وعنف وارهاب.
وما محاولة ربط ذلك وجعلها على صلة بالدين من خلال اعادة تأويل نصوص وآيات منه الا من باب وصله بالإسلام وما له من مكانة وكارزمية وقدرة على خلق الثقافة والتأثير بها والمجتمع الذي يدين به،وصولا إلى اختراق تلكم المجتمعات وسلبها لروح العقل والتفكير الحر، وتدريع تلك الإدعاءات والنظريات المتعفنة بميتافيزيقيا يصعب تجاوزها، وبالتالي التحكم بها والإنقياد لها.
- وما إلغاء وإزالة او محاولة إزالة وإلغاء بند إزالة الإمتيازات والفوارق الطبقية الا أحد نتائج ذلك الفكر الموبوء؛ فالحوثية كطبقة-أي شخصها المؤسس والزعيم والقائد-ومن إليه من عرقية سلالية الا وتنظر لنفسها/هم بتلك النظرة،وما الدولة والمجتمع او الشعب الا انعكاس لتلكم النظرة، وصولا إلى كل شيئ وأي معنى سياسي واجتماعي واقتصادي وحتى ثقافي يجب أن يرتق ويفتق من خلال ذلك التصور وتلك النظرة.
وبالتالي فهذه الطبقة هي من كانت تحكم ويجب أن تحكم الآن اقتصاديا وسياسيا، وآيدلوجيتها هي من عليها اعادة تأسيس بنى المجتمع والدولة وحتى الثقافة من خلالها والمسئولة عن ذلك، أي أن تلك الطبقة هي التي ستنشأ الآيدلوجية تلك،وهذه الآيدلوجية بدورها هي من ستعمل على انشاء الدولة والمجتمع وكل ما يتصل بهما ويتخللهما.
وتصبح الإنتهازية الرخيصة والمنفعة المرذولة والإرتزاق والعبودية واعمال وافعال السخرة بمثابة واقع مجتمعي وشعبي مرادف لتلكم الطبقية اللعينة،ووسيلة وغاية للتكسب والرزق والعمل لنيل رضاها.
فالطبقة هنا هي المتحكم سياسيا ودينيا،وهي الثابت الدائم وما سواها متحول،وهي بذلك ترمي وتسعى إلى وأد واغتيال أي حراك اجتماعي وسياسي وثقافي واقتصادي قد يأتي على اساسيات نظامها الذي صاغته،وأقره الله فيهم وعلى من سواهم من الناس.
وبالتالي تكون لها السيطرة العرقية والسلالية وتضمن لها تلكم السيطرة من خلال الدولة وكل وسائل وعوامل ومنابت حيازة القوة وشرعيتها، اضافة إلى حماية مصالح الطبقة تلك وتظافر مراميها،وأي سماح لأي قوة مجتمعية إنما يجب أن ينبثق من داخل تلكم الانساق المغلقة ولا يتجاوز حدود الطبقة تلك.
وبالتالي فالنظام المتأسس من رحم ذلك هو استجرار وامتداد لما كانت عليه سابقا، أي اثناء حكم الأئمة من هيمنة ونفوذ واستعلاء وفوقية طبقية معترف بها وملزم كل من هم دونها بحقها.
وهذا يعني استرجاع الشعب لنفسه وذاته، مرورا باسترجاعه للبدائية والظلام والكهنوت والمحدودية في كل شيئ، واستتباع الدولة والمجتمع للطبقية تلك،وخلق مجتمعا ضعيفا وهشا وشعبا ودولة منقسمة طبقيا، وبالتالي فهو غير حر وإزالة الإمتيازات والفوارق الطبقية من الهدف الأول يعني أن التحرر من الإستبداد والاستعمار امر لا يمكن ان يصل إليه هكذا مجتمع وشعب ودولة ،تعب ذلك المفهوم السقيم المضاد للتاريخ وللفطرة ونواميس الكون وسنن الحياة ،ولا يستطيع الخروج من تلك الدائرة الجهنمية المرسومة له سلفا.
وهذا سيفضي إلى اجتثاث أي أمل وثقة بهذا الشعب، بنفسه وبقواه، بماضيه ومستقبله ككل.
اضافة إلى ذلك فحذفها "للتعاونية" أمر لا يستقيم ومفهوم الطبقية والعرقية، الذي بيناه اعلاه والحكم ومسألته وما يتصل به،خصوصا وأن هذه الطبقية وحالة التأله عرقيا ونظريا تختلف ووتتقاطع مع مفهوم"التعاون"او التعاونية،ولا يصح ويستقيم تعاون مع من هم أدنى ومجرد سخرة وعبيد وفقا لمفهوم الحوثية وطبقيتها الطاغية،ناهيك عن كون تلك الطبقية خلقت لتحكم وجعلت اليمن لها ضيعة متوارثة، ولذا فهم ليسوا مع التعاونية تلك،سيما وهم لا ينتمون ولا اهل ارومة واحدة تتحدر منها اليمن او ينتمون لها وإليها .
علاوة على أن التعاونية وردت واختصت بإنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل..ونزع تعاوني ينصرف ويخل ببقية اركان والفاظ الهدف ومعانيه وكل ما ينطوي ويدل عليه.
وصولا إلى أن إزالة "الحنيف" تشي بمخالفته الصريحة والواضحة للمفهوم الحوثي وما هي عليه وحقيقتها،وأنها ليست من الدين،بل هي الدين هو ما تتأوله وتنفذه حرفيا، والحنيفية تلك والمتسمة بالتسامح والعدالة ولكل ما يتصل به،وينصرف إليه من ضرورات خمس او الكليات المعروفة شرعا،فهي ليست من دين الحوثية وما هي عليه في شيئ،ولا تمت لتدين الحوثية وطبقيتها ومذهبيتها وآيدلوجيتها في شيئ!
-وما مسألة مناقضتها ومناهضتها لثورة٢٦ الأم سوى دليلا على خطأ تلك الثورة واهدافها،ومضامينها،فالثورة تلك،بمثابة (جرح نرجسي)في عقل ووجدان الإمامة بنسختيها الأولى والثانية،لذا وجب الإنتقام منه والإنتقاص وافراغه من محتواه/ها،ويوم٢١سبتمبر الأسود هو اليوم الذي عادت الروح وسرت في الجسد اليمني بعد غياب،وبالتالي فحكم الطبقة الحوثية كما بيناه واسسه تلك ومنابته الفارسية،هو الأساس الوجودي للأمة اليمنية وما دونه خرط القتاد-كما يقال بالمثل-..فما الذي نتوصل إليه من نتيجة بعد كل هذا!؟
ثانيا:نتيجة مباشرة
- يتضح من كل ما تقدم أن طبقية الحوثية/الهاشمية/الفارسية،هي اصل وأس كل بلاء حل باليمن ،بمفهومها السقيم وجذورها الوثنية وتأويلاتها المنبتة عن كل أصل واصيل.
اذ أنها اصبحت بمثابة المتغير الخفي والأصيل في كل ووراء امراض اليمن واليمنيين ودائهم القاتل؛فالطبقية تلك هي فوق الأمة اليمنية والدولة والمجتمع والشعب،والأدهى والأنكر من كل ذلك أن تلك الطبقية الملعونة هي ابرز واعظم واخطر تهديد وجودي لليمنيين ومانعا تاريخيا امام إرادة اليمنيين في استعادة دولتهم من الفرس/الأبناء ماضيا،وحاضرا مانعا وتهديدا وجوديا امام محاولات استعادتها اليوم،او حتى محاولات بناءها وفقا لإرادتهم في ظل عهود الجمهورية المختلفة،والطمع والنضال في تحولها او اصلاحها ديمقراطيا ووحدة.
وأن الفساد والظلم والفقر والمرض والجهل،والموت بسبب او بغيره والتخلف بمفهومه الواسع والشامل والكلي هو من احد اعراض ونتائج تلكم الطبقية وآيدلوجيتها الكارثية.
فثقافة المجتمع اليمني اصبحت سببا ونتيجة معا لذلك المتغير الخفي والأصيل"الحوثية=الإمامة"،ومفهوما الطبقي وجذورها العرقية،حتى خلفت تصحرا في العقل والأخلاق اليمنية وكانت من نتاجها.
وما المواجهة الحربية على مختلف الصعد معها حاضرا الا أحد واشد مواجهة عرفها التاريخ السياسي اليمني منذ اول احتكاك واتصال فارسي يمني حتى اليوم.