يدخل إضراب المعلمين أسبوعه الرابع في مناطق سيطرة الحوثيين، بما فيها أمانة العاصمة، دون أن تستطيع مليشيا الحوثي إنهاءه أو الاعتراف بوجوده، وبأزمة الرواتب العميقة التي تعصف بها.
ويطالب المعلمون بصرف مرتباتهم والانتظام فيها، ويرفضون مطلقا رهن صرف مرتباتهم بالاشتراطات الحوثية بأن تكون حصرا من النفط والغاز. وقال بيان صادر عن نادي المعلمين "إنه سيواصل الإضراب الشامل حتى انتزاع مرتباته".
وأعلن نادي المعلمين في بيان له، توسع إضراب المعلمين ليشمل مؤسسات تربوية وتعليمية جديدة. وقال "إن الإضراب شمل الموجهين والإداريين وموظفي محو الأمية وتعليم الكبار ونواب المدراء وموظفي مكاتب التربية والتعليم في المحافظات التي تحتلها المليشيا".
وأكد النادي "أن إضراب المعلمين حصل على تأييد شعبي واسع، يقف مع عدالة قضيتهم ومشروعية مطالبهم"، ويتوسع إضراب المعلمين يومياً في ظل محاولات ميلشيات الحوثي إنهاؤه بتهديد المعلمين.
مواجهة مليشيا الحوثي بالمنطق
واصل نادي المعلمين ردوده على مبررات المليشيا التي تزعم وتدعي أن التحالف والحكومة الشرعية قطعت تلك المرتبات. وقال إنه يريد مرتباته من إيرادات موانئ الحديدة والضرائب والجمارك التي تنتزعها المليشيا من مختلف السكان والشرائح الاجتماعية.
وانتقد النادي سياسة الحوثي المزدوجة بمسألة المرتبات، وقال إن المليشيا تصرف المرتبات بانتظام من الإيرادات التي تنتزعها من الشعب، لكبار مسؤوليها وقادتها ومختلف المؤسسات الحكومية العليا والمتوسطة، والمؤسسات التي تحتاجها المليشيا، وتقطعه على قرابة 160 ألف موظف تربوي.
وأكد النادي أن السياسة الحوثية تلك أدت إلى تسرب ما لا يقل عن 30% من المعلمين، الذين تركوا العملية التدريسية وذهبوا للبحث عن مصادر رزق تبقيهم على قيد الحياة.
وشن النادي هجوما حادا على حملات إعلامية حوثية نظمتها المليشيا خلال الأيام القليلة الفائتة ترفض صرف المرتبات وتحصرها وترهنها باتفاق سلام، وقال النادي إنه لن ينتظر ثمان سنوات أخرى للوصول إلى سلام لكي يستلم مرتباته.
وقال الكاتب السياسي هشام المسوري إن الخطة الحوثية محاولة خطيرة للتخلص من التعليم بطريقة لا تثير مواجهة، فثبات المعلمين على التدريس خلال الثمان السنوات الماضية كانت تزعج الحوثي".
وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "الحوثي يعتبر التعليم عدوه الأول، ولكن لم يعد بالإمكان استمرار التعليم المجاني، مع إدراك المعلمين لحجم الثروات والإيرادات الحوثية، التي يعيدون توزيعها على كبار قادتهم وأسرهم وعلى تعليمهم الطائفي ومشاريعهم الخارجية الإيرانية التي تهدف إلى زراعة التشيع ونشره في اليمن".
خطة حوثية لمواجهة الإضراب
حذر النادي من خطة حوثية جديدة لاحتواء الإضراب، بتقليص الدراسة والعملية التعليمية بنسبة تصل إلى 80%. وقال: "إن قيادة المليشيا عمدت إلى إنشاء خطة طوارئ لاحتواء الإضراب تقضي بتقليص التعليم، وتخفيض الحصص الدراسية لكل مادة في جميع الفصول والمستويات الدراسية من 16 حصة في الأسبوع إلى 4 حصص فقط، محذرا من أن تقفل المدارس أبوابها".
ووفق تقديرات حكومية ورسمية وأممية فإن مليوني طالب تسربوا عن التعليم منذ اقتحام المليشيا صنعاء. وأعلنت نقابة المعلمين اليمنيين إحدى أكبر النقابات اليمنية التعليمية منذ ثلاثة عقود، دعمها وتأييدها للإضراب، وقالت في بيان إنها تدعو كل منتسبيها إلى الاستمرار في الإضراب والمشاركة الفعالة فيه، حتى انتزاع مرتباتهم.
وقالت مصادر تربوية لـ"الصحوة نت"، "إن مليشيا الحوثي اعتقلت في الأسبوع الثالث من الإضراب طواقم تدريس بالكامل بعد فشل كسر الإضراب". وأفادت أن المليشيات "خطفت كامل الطاقم التدريسي لمدرسة النهضة في المحويت"، وكشفت "أن أجهزة الأمن والمخابرات الحوثية تواصل خطف الأمين العام لنادي المعلمين منذ أكثر من أسبوع وما يزال مصيره مجهولا".
بينما هدد مدير مكتب التربية والتعليم في محافظة إب درهم الغزالي وهو مسؤول تابع للحوثيين، بفصل كل معلم مضرب. وقالت مصادر إنه هدد المعلمين بالقول "انسوا الراتب، وكلمة راتب". وأشارت المصادر، أن المعلمين ازدادوا إصرارا في مواجهة الطغيان الحوثي بحرمانهم من مرتباتهم.
ترهيب إعلامي
وشنت مليشيا الحوثي حملة إعلامية مكثفة على جميع وسائلها وفي وسائل التواصل الاجتماعي تحت هاشتاج رواتبنا من نفطنا وغازنا، واتهمت نادي المعلمين على لسان عدد من قياداتها ومختلف وسائلها الإعلامية الخاصة والمنهوبة بأنهم منافقون ومرتزقة وطابور خامس.
وقال المسؤول الحوثي نصر الدين عامر "إن المنادين بالمرتبات مرتزقة وخونة ومنافقون ولا يحتاجون إلى أدلة لخطفهم إلى زنازين الأمن والمخابرات، وتوعد بإجراءات ضدهم".
بالإضافة إلى ذلك استدعى الحوثي قيادته في مجلس النواب لزيارة صعدة، حيث أجبرهم على زيارة ضريح الصريع حسين الحوثي، بعد أسبوع من إصرار بعض الأعضاء من المؤتمر الشعبي العام على استدعاء وزير التربية يحيى الحوثي لاستفساره عن مصير مليارات الريالات من صندوق المعلم. كما ألزم الحكومة الحوثية بالانتظام في صرف المرتبات.
ورأى محللون إن مسألة الرواتب التي عادت إلى السطح بقوة بعد إضراب المعلمين ساهم في إذكاء الصراع بين المؤتمر جناح صنعاء، وبين الحوثي. وقال الإعلامي بقناة اليمن اليوم التابعة لمؤتمر صنعاء أحمد الكبسي "إنه تلقى تهديدات وتخوين من قادة الحوثي وألغى برنامجه الأسبوعي قابل للنقاش احتجاجا على ذلك"، ونقلت مصادر حوثية "أن الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي بصنعاء رفعت مطالبات لقيادة الحوثي بإسكات الصوت الذي يتهم المؤتمر بالخيانة ويحرض عليه.
خوف الميلشيات من تأثيرات الاضراب
اعترف القيادي في الميلشيات، محمد علي الحوثي بخطورة تأثير الإضراب. في قناته على تلغرام معترفا بتأثير الإضراب: "الوضع حساس... علينا ألا نصغي للشائعات، ولا نسمع للمشككين" في إشارة لمطالب نادي المعلمين. وواصل الحوثي الذي يقدم نفسه على أنه الشخص الأكثر شعبيا داخل الأسرة الحوثية: "الأكاذيب والشائعات غير صحيحة تستهدف المواجهين للتحالف".
رئيس المجلس السياسي للحوثيين مهدي المشاط، حذر من الإضراب واصفا إياه بأنه فعل عدائي وقال "أحذر من مخططات الأعداء في إثارة الفتن والمشاكل... وعدم التأثر بأكاذيبه في قلب الحقائق، وتسليط الأبواق الإعلامية التابعة له". في إشارة إلى ان الميلشيات تتعرض لمؤامرة وهي السياسية التي تتعمدها الجماعة لممارسة الجريمة بحق اليمنيين.
بينما حاول المشاط دغدغة مشاعر الموظفين والتربويين، مع انطلاق العام الدراسي الجديد قبل ثلاثة أسابيع في المناطق التي تحتلها المليشيا بصرف حوافز للمعلمين لا تتجاوز 30 ألف ريال شهريا، كبديل حوثي عن الراتب. وأعلن يحيى الحوثي وزير التربية في مليشيا الحوثي غير المعترف بها "أن ميلشياته ستصرف حافزين إضافيين، للمعلمين من صندوق المعلم".
وصندوق المعلم مؤسسة جباية حوثية تذهب عائداتها لصالح أسرة الحوثي بقيادة يحيى الحوثي، ودخله سنويا بمئات المليارات من الريالات منذ إنشائه في سبتمبر2019 كحيلة حوثية للتهرب من المرتبات، ومبرر لفرض ضرائب باهظة باسمه، لا يعرف مصيرها إلا في جيوب الحوثيين.
ويرفض المعلمون أن تكون الحوافز بديلا عن الراتب، مع ذلك لم يصرف الحوثي منذ أن أنشأ صندوق المعلم إلا ثلاثة حوافز بمعدل حافز كل سنة. وقالت مصادر تربوية لـ"الصحوة نت"، "إن مليشيا الحوثي أمرت لأول مرة بصرف حافز للموجهين، في محاولة يائسة منها لتفريق الإضراب وتقطيع أوصاله والشرائح التي يمثلها".
الإضراب ونسف تبريرات الحوثيين
انضم آلاف الموظفين إلى المعلمين، وأعلنوا شعارا "كرامتي في راتبي" ومن يحكم يدفع المرتبات، وهو شعار ينسف السردية الحوثية التي قدمت وما تزال تقدم نفسها أنها مدافعة عن كرامة اليمنيين، وتبحث عن مصالحهم، بينما في الحقيقة هي جرعت الشعب اليمني المعاناة والذل بعقائدها الإجرامية وتحالفاتها مع إيران وسلوكها الإرهابي.
وقال عبد الهادي العزعزي وهو أستاذ ونقابي سابق "إن إضراب المعلمين أعاد توازن الرعب مع مليشيا الحوثي". وأضاف: "أن السمة السائدة على تصرفات قادة المليشيا يغلب عليها "الخوف والقلق والإرباك... الإضراب أصابهم بالشلل".
وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "أن إضراب المعلمين يتجاوز مسألة المرتبات وبدأ يفتح للناس أفقا جديدا للنضال، ويفرز المجتمع ما بين سلطة ومجتمع، كما أنه أظهر هشاشة الوجود الصوري لمؤسسات الدولة في مناطق سيطرة الحوثي التي عجزت حتى عن الإدلاء بتصريح".
ولفت العزعزي: الإضراب أظهر أيضا أن هناك سلطتين، وأن من بقوا في مؤسسات الدولة ليسوا إلا فزاعة، كان الحوثي يبتز بهم الداخل والخارج". مشيرا إلى "أن أهم ما في الإضراب حتى الآن أنه "فضح درجة تمكن الحوثي من السيطرة المالية والاقتصادية على مناطق سيطرته، كما فضح مشروعه المذهبي والطائفي".
وعن أسباب المواجهة الحوثية الشديدة ضد المعلمين في مسألة المرتبات. يقول العزعزي: "اليوم ظهرت جزء من الأسباب الحقيقية الحوثية لمواجهة التعليم الذي صنفه الحوثي كخصم، ولا مبالاته بالإضراب أشبه بقرار التسريح غير المعلن لهذا القطاع". وأعتبر "أن الإضراب آخر محاولة للدفاع من منتسبي القطاع التعليمي عن حقهم الوجود والحياة وفي وقت واحد".
وشدد العزعزي على أهمية إضراب المعلمين في مستقبل اليمن كله وليس مستقبل الموظفين فقط: "الحوثي يعد قطاع التعليم الخصم الأخطر ويبدو ما يمارس اليوم وحالة البرود لدى قيادة الحوثي وادعاء اللامبالاة تعكس وجود خطة استراتيجية لتجريف هذا القطاع الذي ينظر إليه على أنه أخطر مكون داخلي يواجهه".
وتابع: "لذلك ليس أمام المعلمين وهذا القطاع العريض إلا التصلب والتماسك والاستمرار في الإضراب، كونه أهم حلقات الإنقاذ والبقاء والاستمرار لهذا القطاع".
تداعيات إضراب المعلمين
يُعتقد على نطاق واسع أن نتائج الإضراب سوف تحدد علاقة الحوثي بالطبقة الوسطى في مناطق سيطرته، وبقاءها المستقبلي من عدمه. وأي انكسار أو تراجع أو تخاذل يعني قبولها واستسلامها لحكم الحوثي بإعدام هذه الفئة التي أصبحت لا تمتلك خيارا آخر غير المواجهة.
وقال تربوي في صنعاء – طلب عدم ذكر اسمه – "المؤسسة التعليمية هي الأكبر كما ونوعا مقارنة بالقطاعات الأخرى، وهي المؤسسة التي ينضوي فيها أكبر عدد من حاملي الشهادات التعليم العالي بمستوياته المختلفة، والأكثر التصاقا بالهوية الوطنية وأيديولوجية النظام الجمهوري".
وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "اليوم المعلمون بحاجة لرفع صوتهم فنضالهم واستمرارهم في هذا الاتجاه أشبه بفرض عين وليس فرض كفاية لا يكفي أن تقوم بها قيادة نادي المعلمين ويجب على كل معلم أن يستشعر أنه قائد في هذه العملية".
ويقدر خبراء أن الحوثي وضع هذا القطاع أمام اختبار صعب، بمواجهته أو الموت. غير أن التقديرات تشير إلى أن المعلمين سيواجهون لأنه لم يعد لديهم ما يخافون أن يخسروه. ورأى عبد الهادي العزعزي "إن مستقبل اليمن يعتمد على هؤلاء المعلمين وإضرابهم وعليهم إعادة كتابة تاريخهم وتاريخ البلد المستقبلي، أو انتظار مصير لا يختلف عن مصير موظفي الدولة العراقية بعد السيطرة الإيرانية عليه".
من جانبه قال الكاتب الصحافي، وسام محمد "أن إضراب المعلمين في مناطق سيطرة الحوثي، خطوة شجاعة، وتثبت فعلا، أنه لا أقوى من الحراك الشعبي في هدم منطق المغالطة وتعريته"، مشيرا إلى المحاججة التي قدمها نادي المعلمين في عدد من بياناته.
وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "ليس فقط الأسئلة هي ما تطرح، لتفتح أفقا حتى التوصيفات الدقيقة تولد مع الحركة، ولعل مصطلح سلطة المشرفين خير مثال على ذلك"، وأشار "بأنه لم يعد أمام الموظف الحكومي ما يخسره، بينما بالتدريج يستطيع أن يمتلك صوته الذي سيهدم كل المغالطات وسيفتح المجال لباقي فئات الشعب ان تلتحق بالركب".