لا أعرفنّك بعد الموت تندبني
و في حياتي ما زودتني زادي
كثيرا ما يكتب الكتاب، و يكتب المحبون عن شخص بعد رحيله عن الدنيا، و في ذلك حق للراحلين على الأحياء؛ لكن الكتابة عن الأحياء- و خاصة لدى الإسلاميين- قليلة إن لم تكن نادرة، مأسورين في ذلك لزهد غير مكانه، و لتواضع يضر في زمنه ..!!
تعرض الأستاذ محمد بن عبدالله اليدومي لوعكة صحية تطلبت إجراء عملية جراحية، و قد تجاوز العملية، و نسأل الله له الشفاء و العافية.
كما قالت هذه السطور آنفا نحن لا نكاد نكتب عن الأحياء من رجالات و هامات و قيادات قدمت- و ماتزال تقدم- الكثير في مختلف المجالات. بل و حتى الشهداء الذين اختارهم الله إلى جواره، نحجم في الكتابة عنهم؛ مخافة التهمة بالمن، أو الغرور، إلا أن يكون استشهاده غدرا و اغتيالا فإن الطريقة الإجرامية، هي من تضغط، و تدفع بالكثيرين للكتابة كشفا، و تعرية لنوع الجريمة.
من حق القيادات التي مضت تؤسس العمل، و ترسخ البناء الدعوي، و التربوي، و السياسي و الاجتماعي أن يُشاد بها، و أن يُعرف لها حقها و سبقها.
و إن يكن التجمع اليمني للإصلاح يمثل امتدادا لعمق الحركة الإصلاحية في اليمن، فمن حق هؤلاء الذين عززوا ذلك الامتداد، و متنوا جسور الصلة، و طوروا التجربة، و شيدوا بناها أن نعرف لهم مكانهم من غير تقديس، و نحترم مكانتهم من غير ادعاء العصمة، كما يفعل آخرون.
لقد كان الأستاذ محمد اليدومي ضمن هامات و قامات، و مع رجالات و قيادات، عملوا بجد و اجتهاد، و بعصامية مجموعة واجهت حضورَ قوىً سياسية مدعومة، و مذهبية متخلفة مسنودة، كما واجهت ظروفا مشحونة بتآمر التربص، و أجواءَ معبأة بسيل من الكراهية و التحريض.
بمثل هذه الأجواء، و تلك الظروف، تنفعل النفوس، و تنفلت الأعصاب، و تبرز ردود الأفعال، و تستجيب لأي حالة استدراج، و تكون النتيجة هدم المبنى في بدايات التأسيس، كمزارع يقطف البراعم قبل أن تبدو أمارات الثمار. و كم من منعطف ماكر تحاشته الحركة الإصلاحية، و كم من حقل ألغام تجاوزته بفضل الله ثم بقيادة قدمت الحلم و الأناة على التهور و الاندفاع.
و بشهادة لا تلجلج فيها، كان الأستاذ محمد اليدومي ضمن هذه القيادة التي تقدم الرأي و لا تستثني الشجاعة؛ فاتخاذ القرار رأي و شجاعة، و تحديد المواقف شجاعة و رأي .
عند الشدائد و المحن يتحمس أصحاب الأماني لآراء، و حين تكون الآراء وليدة الأماني تأتي مسلوقة غير سوية، و تفتقر للموضوعية.. و حسب الأماني أن يكنَّ أمانيا.
جاءت نكبة الانقلاب الكهنوتي الأسود يوم 21 سبتمبر المشؤوم و الأستاذ اليدومي على رأس التجمع اليمني للإصلاح و كان موقفه الشخصي و التنظيمي واضحا كل الوضوح في الرفض لذلك الانقلاب النكبة، الذي جاء محمولا بعملات متعددة، و بلغات مترجمة، كشفت مدى حقدها الخسيس على الشعب اليمني العظيم.
و لم يكن موقف الأستاذ محمد اليدومي الرافض للانقلاب وليد الكارثة الانقلابية، و إنما كان موقفه الرافض مبكرا، و كان تحذيره من مخاطر السلالة الحوثية سابقا بسنوات.
لست بهذه السطور متحدثا عن أدوار الاستاذ محمد اليدومي و لا مؤرخا لمواقفه، و لكن الوعكة المرضية التي ألمت به- وأسال الله ان يشفيه منها- أثارت شجونا، و ولدت أحاسيس التقدير و الحب و الوفاء لكل القيادات، و لكل الرجال الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، نحسبهم كذلك، و نشهد لهم بذلك، و لا نزكي على الله أحدا.