في الوقت الذي ظنت فيه مليشيات الحوثي الارهابية أنها قد أضعفت القبائل اليمنية من خلال حروبها الهمجية ضدها،
حتى بدأت تتفاجأ بتطوير القبائل لأسلوب احتجاجها المدني وصولا إلى الصراع ضد الحوثيين للحفاظ على مصالحها .
وجاء التحرك الاجتماعي المدني هذه المرة من القبيلة نفسها البالغة في القدم من حيث الوجود، والثقافة والعوامل الاجتماعية والاقتصادية، بمعنى ليس من أبناء القبائل بل من القيادة المهيمنة على القبيلة، وبدا ذلك لافتا في إطار مقاومة حالة الاستلاب التي تفرضها ميلشيات الحوثي بمناطق سيطرتها ومحاولة تدجين الكتلة القبلية الصلبة في اليمن.
موجه تظاهرات قبلية ضد الحوثيين
وخلال الفترة القليلة الماضية، شهدت عدد من أبرز القبائل اليمنية، مظاهرات واعتصامات واحتجاجات مدنية، سلمية، ضد مليشيا الحوثي، بمطالب مختلفة، ومن طيف جغرافي متنوع، امتد من إب، وصولا إلى ذمار وصنعاء وعمران، وحتى صعدة. كما شملت الخريطة الاجتماعية للقبائل كبرى المسميات القبلية (القديمة) التي تندرج تحت بقية القبائل، مثل حمير، ومذحج، وهمدان، بفرعيها حاشد وبكيل.
في صعدة، نظمت قبائل من سفيان اعتصاما أواخر يونيو الماضي ومطلع يوليو الجاري، للضغط على مليشيا الحوثي لكشف مصير 16 أسيرا من أبناء القبائل كانوا يقاتلون ضد الحوثي وخطفتهم المليشيا في 2010، ولم تكشف عن مصيرهم حتى بداية الاعتصام القبلي.
وتظاهرت قبائل آنس في كل من ذمار وصنعاء في يونيو الماضي تطور إلى اعتصام مفتوح ضد مليشيا الحوثي للمطالبة بالإفراج عن أحد أبنائها، وشارك في التظاهرة عدد من الموظفين في القطاع الخاص. كما لجأت قبائل الدعيس في إب للتظاهر لحماية أراضيها في يوليو من عمليات النهب المنظمة التي تستهدف مصالحها.
وشرعت قبائل بني مطر في حملة من التظاهرات للتضامن مع أحد قياديها الحوثيين الذين تعرضوا للتعسف والظلم من قبل مليشيا الحوثي، وقال بيان لقبيلة بني مطر عقب تظاهراتها "إن على مليشيا الحوثي أن تختار بين القبيلة أو أحد القيادات الحوثية"، والتي تخوض ضده القبيلة صراعا، وهو يحيى المؤيدي مدير أمن صنعاء عند الحوثي.
التظاهرات والاعتصامات وصلت إلى أن نشر ناشطون حوثيون صورا من اعتصاماتهم في صعدة للفت نظر مليشيا الحوثي للاستجابة لمطالبهم. وعن نتائج تظاهرة سفيان في صعدة للمطالبة بالكشف عن مصير أبنائها المخفيين منذ 13 سنة.
وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور عبد الكريم غانم، "لعل حالة التعاطي الإيجابي للحوثيين مع وفد الوساطة القبلية، الذي قدم من أبين، أواخر ابريل الماضي، للتوسط في الافراج عن اللواء فيصل رجب، تُغرى العديد من القبائل اليمنية في شمال ووسط اليمن، لتكرار التجربة".
وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "‘ان جماعة الحوثي التي ترحب بالدور السياسي للقبائل خارج مناطق سيطرتها، قد لا تتقبل هذا الدور في المناطق الخاضعة لها، وإن تعاطت معه على مضض"
ولفت "بأن مليشيا الحوثي ما زالت تتعاطى على مضض مع تلك التظاهرات، بالنظر إلى أن حجم هذه التظاهرات مازال محدودًا، إلى جانب أن هذه التظاهرات، في الغالب، لا ترفع شعارات تتحدى سلطات الحوثي، بقدر ما توجه الشكوى ضد قيادات محددة".
لماذا عادت القبيلة للتظاهر؟
يرى الدكتور عبد الكريم غانم: "أن القبيلة هي في جوهرها تنظيم اجتماعي سياسي، تقع على عاتقه مسؤولية حماية أفرادها والدفاع عنهم، في مواجهة المخاطر التي تفوق قدراتهم كأفراد، وتهدد كيانهم، استغلت حالة الهدنة منذ أبريل2022 للتعبير عن مظالمها ومطالبها".
وأشار "أن القبائل اليوم باتت تنظر لتوقف الحرب، كفرصة للاحتجاج وقول (نحن هنا)، للتشبث بما أمكن من أدوار القبيلة التي كادت أن تُسلب، ومنها: دورها في تأمين حياة أفراد القبيلة وضمان رفاهيتهم، ورفع الظلم عنهم".
ويرى الباحث الاجتماعي والسياسي مصطفى الجبزي "أن وضع القبيلة عسكريا أضعف لذا تلجأ الى وسائل تعبير واحتجاجات سلمية. القبيلة إذا لم تكن مسنودة بالسلطة فهي ضعيفة، لكن لاحتجاجات السلمية دليل على عدم رضى شعبي وعلى وجود مظالم عديدة".
وأضاف "مازالت تلك المطالب التي تنادي بها القبائل محدودة وأبرزها مظالم في إطار القبلية، وعلى المدى المتوسط يمكن أن تتحول إلى حالة عامة تطالب بالإنصاف من الجرائم المركبة ضدها من قبل أعلى هرم ميلشيات الحوثي، وبذلك لن يكون أمامها إلا التخلص من هذا العبء بمطالب سياسية بحته".
التطور نحو مطالب سياسية
ويتوقع الباحث السياسي سليم عبد العزيز "أن القبيلة بدأت بالمطالب الحقوقية، لكنها ستتطور إلى مطالب سياسية"، يفسر لجوء القبيلة إلى التظاهر مؤخرا إلى عدد من العوامل أهمها "تأثير الثورة ٢٠١١ عليهم مازال باقيا (...) وأيضاً يؤمنون بقيم اساسية كقيمتي العدالة والمساواة وفي هذا فإنهم يرفضون العنصرية والسلالية من جانب خفي او هكذا يحاولون".
وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "هذا الشكل من الاحتجاج والرفض مداره أنهم قد اخطأوا بحق انفسهم -بسبب رفضهم او مقاومتهم او خنوعهم وتخليهم عن الثورة الأم٢٠١١، وهكذا أصبحت هذه الثقافة (التظاهر والاعتصام) كحالة سياسية ومجتمعية ملجأ في ظل العنف الممنهج".
وقال سليم "أن التظاهر سلاح هام يجب الأخذ به في مناجزة تلك الثقافة العنيفة والممنهجة وصور الاستعلاء والعنصرية وسيل الكراهية والسلالية التي اقتحمت حياتهم وحولتها إلى جحيم" وأشار إلى أن "هذا التحرك القبلي باتجاه التظاهرات يدل على تطور طبيعي وإن كان لم يتأسس كبنى اجتماعية وسياسية، غير أنها تعد بمثابة التغير في الثقافة السياسية والاجتماعية".
وفي هذا السياق يقول الدكتور عبد الكريم "التظاهرات القبلية، في حال قُدّر لها الاستمرار، من شأنها أن تسهم في حل العديد من الأزمات والمشكلات القائمة، وتحد من حاجة اليمنيين للاستعانة بالخارج في مختلف الأزمات، لاسيما في مجال تعزيز خبرات القوى الاجتماعية اليمنية على حل النزاعات".
وأشار "أن حالة الهدوء في الحرب حدت من حاجة الحوثي للقبيلة، وبالتالي صارت المليشيا مهتمة بتوزيع جهاز الدولة والغنائم على الأسر الهاشمية، بشكل فج أكبر مما كانت عليه أثناء ذروة الحرب، وبالتالي همشت القبيلة وأبناءها ودفعهم للشعور بالإقصاء والتعبير عن هذا الشعور بالتظاهر".
وعن تظاهرات قبيلة بني مطر مؤخرا والتي تعد من أكبر القبائل في صنعاء ومفتاحها الغربي، قال الباحث في شؤون القبيلة اليمنية الدكتور عادل دشيلة "عندما أسقطت الحوثي صنعاء، استعانت بعدة قبائل ومنها بني مطر، والحيمتين... هذه القبائل فتحت مناطقها لمليشيا الحوثي وخيمت مليشيا الحوثي في بني مطر، مثلا، وفي مناطق أخرى".
وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "أن هذه القبائل لها ثقل قبلي واجتماعي، ولكنها تفتقد للثقل العسكري حاليا... أهمية هذه التظاهرات بأنها مؤشر على صراع سياسي ضد مليشيا الحوثي، يعني تقلص الموالين لمليشيا الحوثي وتحول التفكير عنها، ويضعف حاضنتها التي تدعيها المليشيا".
وأشار "هذا الصراع بين الطرفين (القبائل والحوثيين) سيعجل من إنهاء حكم مليشيا الحوثي، وأن أي انتفاضة قبلية بأي صورة يعني أن مليشيا الحوثي لم يستقر لها الحكم، أن الدعاية التي كان يستخدمها سابقا قد انتهت، بعد أن لجأت إلى إرسال عناصرها الهاشمية لتدمير وسحق القبيلة وأعرافها، عبر تسليم حكمها ومناطقها للحوثيين".