تشرق الشمس بجمال أخّاذ، فتزقزق لها الطيور، و تغرد العصافير، و تشدو البلابل، و يسيل الطل من ورق الشجر،
و من خدود الورد و الأزهار ، و ترسل الشمس ضياءها، فتزهو الدنيا بالضياء؛ إنسانا، و نباتا، و طيرا، و حيوانا... وحدها البوم
و الخفافيش، تنكفئ في خرائبها، تلعن النور، و تسب الضياء ساخطة على الحياة و الأحياء !
ربما استعار الناس صفات لطير أو حيوان للإنسان، أو ربما نرى في طير أو حيوان سلوكا ما، فيستدعي إلينا سلوكه هذا حال هذا الفتى،أو تلك الفتاة.
كثيرا ما نطلق أو نشبه فتاة أو امرأة حَيِيَّة رقيقة لطيفة، بالحمامة، أو نقول عن فَتىً فَتِيٍّ بأنه صقر أو كأسد.
و قد يحدث العكس، فيقال عن هذا ثعلب؛ لمكره و خداعه مثلا، و ربما قيل عن ذاك ذئب لخيانته و غدره:
و أنت امرؤٌ يا ذئب و الغدر كنتما
أُخَيّيْنِ قد أرضعتما بلبان
نجد مدحا للكلب بالوفاء، و هي الصفة التي استعارها الشاعر علي بن الجهم ليمدح بها الخليفة العباسي المتوكل:
أنت كالكلب في حفاظك للود
و كالتيس في قراع الخطوب
و بينما أصابت الدهشة حاشية الخليفة لهذا الوصف، أدرك الخليفة أن الشاعر البدوي انتزع صوره و مفرداته من بيئته، فأمر له بدار في بغداد، و تسنى له البقاء في بغداد أن يخالط العلماء، و يجالس الأدباء، و يتجول في عاصمة الدنيا يومذاك، بغداد، التي قال فيها الإمام الشافعي: من لم يعرف بغداد، لم يعرف الدنيا، فرَقّ شعر ابن الجهم، و إذا هو يقول قصيدته الشهيرة، و قد خرج يتنزه في حي الرصافة ببغداد :
عيون المها بين الرُّصافة و الجسر
جلبن الهوى من حيث أدري و لا أدري
تغيرت بيئة الرجل، فتغيرت مفردات خطابه.
كثيرون يمسكون القلم للكتابة، فيكشف هذا أو ذاك عن بيئته ( النفسية) التي تظهر من كتاباته، أو خلال تناولاته، و ربما تجد عند هذا أن التشاؤم يلازمه، و ألفاظ التحريض لا تغادره، و قد تجد عند ذاك ، ألفاظ الكراهية يبثها،أو نزعة الإثارات السلبية ينشرها، و ربما عند آخر يغرق في تتبع كل عيب، و إنكار أي نجاح، و يبرز أدنى سلبية، و يقلل، بل و ينكر أي إيجابية.. و هي لا شك بيئة سوداء ضارة مضرة. لكن في المقابل هناك أقلام تبني، و لا تهدم، تنشر الجمال، و تعيش في الجمال، تنتقد بحذق ، و تنصح بحصافة، تسعى للجمع لا للتفريق، و تعيش للأهداف الكبيرة، و لا تسقط في السفاسف،أو في لجج الخصومات و نشر الكراهية.
بقي صنف من الأقلام، غارق في التعصب الأعمى الذي لا يرى معه الحق و لا الجمال، و هو أقرب ما يكون إلى صاحب
مسيلمة ؛الذي تبين له أن مسيلمة كذاب،فقال تعصبا : كذاب ربيعة و لا صادق مضر !
أما الأقلام التي تسخر للدس و الفتنة، و تسوق الكذب، وتروج له بفعل فاعل، أو بتوجيه آمر، فتلك ليس لها أدنى صلة بالقلم أو الكلمة، و هي أقلام تهدم نفسها بنفسها.