تعد "النكتة السياسية" وسيلة اليمنيين الأولى للتعبير عن معاناتهم، جراء الأزمات المتتالية التي اثقلت كاهل الشعب وفاقمت وضعه المعيشي شمالا وجنوباً.
فما ان تطفو على السطح إحدى الازمات التي تتسبب بمعاناتهم ولم تتدخل الحكومة لحلها حتى يبادر اليمنيون للتعبير عنها بسخرية "كنكتة أو فكاهة " تصنع لهم السعادة وتخفف عنهم بعض الألم والمعاناة التي لحقت بهم.
خلال الأيام القليلة الماضية انطلقت نكته سياسية جديدة من عدن، تداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي وهي عبارة عن إعلان ساخر لفتح باب المشاركة والتسجيل لعمل "هكبه" لشراء محطة كهرباء وشراء حكومة.
واعتبر ناشطون هذا الاعلان الساخر تعبيرا من المواطنين عن معاناتهم مع جراء انقطاع الكهرباء في مدينة عدن الساحلية التي تعيش صيفا ساخنا وتدهورا مستمرا يتجدد كل صيف مع خدمة الكهرباء الرديئة والمتقطعة بشكل مستمر.
مقاومة المليشيا
والحال أيضا نفسه، في صنعاء الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية، حيث تعج مواقع التواصل الاجتماعي ومجالس اليمنيين بالنكتة الساخرة من الجماعة والفاضحة لجرائمها وأسلوبها الغبي والمتعالي في التعامل مع أبناء الشعب اليمني ومحاولة خداعه واستمرار نهب أمواله ومدخراته.
ومن ذلك، يشير الدكتور علوي بن فريد، في مقال له، إلى سؤال طرحه خطيب حوثي على المصلين من على المنبر: هل تريدون أن تعرفوا ما الأعمال المطلوبة لكي يبني الله لكم قصرا في الجنة؟ فرد عليه أحد المصلين نريد أن نعرف ما هي الأعمال التي جعلتك تبني قصرا في حدة (أرقى حي في صنعاء)؟.
والنكتة السياسية في اليمن انتشرت في ظل الأزمات، وهي كما يقول الكثير "الدواء والمسكن المؤقت لأوجاع الناس حتى يأتيهم الفرج من الله سبحانه وتعالى، وتنتهي الحرب والأزمات التي تسببت بها مليشيات الموت والإرهاب".
عوامل الانتشار
ويرى استاذ علم الاجتماع الدكتور عبدالباقي شمسان، أن اللجوء الشعبي للنكتة السياسية مرتبط بالثقافة المجتمعية وعلاقة المجتمع بالنظام السياسي وعلاقته البينية بين افراد المجتمع وهو ما يجعل احيانا كثيرة من المجتمعات ان تميل الى التواصل عن طريق الحوار المباشر أو عن طريق النكتة الاجتماعية والسياسية.
وقال الدكتور شمسان في تصريح خاص لـ"الصحوة نت"، إن "كثيرا من الشعوب غالبا ما تلجأ الى النكتة السياسية كنوع من السخرية من الواقع المر شديد الوطأة على المجتمع فيكون التعامل مع الواقع بنكتة سياسية او ما يسمى بالتعامل بسخرية مع تلك الوقائع وان هذا النوع يمتص كثيرا من الضغوط على افراد المجتمع".
وأضاف: "أن بعض المجتمعات تلجأ للنكتة السياسية لعدة عوامل منها الثقافة واللغة والبلاغة التي تمتلكها هذه المجتمعات اضافة الى انه عندما يكون النظام السياسي شديد الرقابة ولا يسمح بهوامش اعطاء الرأي تلجا حينها المجتمعات الى النكتة السياسية كنوع من التنفيس والترفيه".
ويشير الدكتور عبدالباقي إلى ان المجتمع اليمني مجتمع متعدد الثقافات ويمتلك روح الفكاهة ويجيد التعبير عن ذاته بلغة النكتة السياسية او لغة الإشارة وهذا مرتبط بالثقافة اليمنية تاريخيا وبالتالي فإن المجتمع اليمني يميل غالبا للتعبير عن ذاته بالمجاز بشكل مباشر او غير مباشر.
وأكد شمسان "أن الشعب اليمني يعيش حاليا في ظروف قاسية ويعاني من الرقابة ومن القمع وهذا ما جعله يلجأ الى النكتة السياسية والاجتماعية التي اصبحت جزء من ثقافته المجتمعية ومن ثقافته بحياة اللغة اليومية وهذا دليل على انه يميل للتعبير عن ذاته والتعامل مع الواقع المؤلم وواقعه اليومي بالسخرية وبلغة الايحاء والايجاز والتعبير".
وأوضح "أن الشعب اليمني يميل الى التعبير عن مشاعره بالنكتة السياسية والاجتماعية سواء كان النظام قهريا او كانت هناك حريات وان كل هذه العوامل تجتمع بانتشار النكتة السياسية في المجتمع اليمني وهي دليل على ان النكتة السياسية في المجتمع اليمني ليست ظاهرة او حكرا وأنها منتشرة في كل المدن ومتداولة في معظم المناطق اليمنية.
وعي سياسي
وأعتبر الناشط الاعلامي مبارك الحيدري، النكتة السياسية دليلا على الوعي السياسي، مشيرا إلى تأثيرها الكبير في توعية الناس لسهولة انتشارها وتوافقها مع نفسية اليمنيين، واستطاعت أن تشكل الوعي بطريقة أسهل.
وقال الحيدري لـ " الصحوة نت "، إن المواطن اليمني يلجأ للنكتة للترويح عن نفسه والتخلص من ضغوط ومتاعب الحياة والتعبير عن الازمات التي يعيشونها كونها اصبحت الخيار الأسهل أمامهم للتعبير عن الوضع في البلاد".
وأكد أن "النكتة السياسية تعكس مواقف واحداث الوضع الذي يعيشه المواطن اليمني بمختلف المستويات سواء كانت على المستوى الشخصي او الاجتماعي او على المستوى العام من ازمات وحرب وانقطاع رواتب وانهيار العملة وانقسامها".
وأوضح الحيدري ان النكتة الشعبية ازدهرت بشكل أكبر وتداولت على نطاق واسع اوساط اليمنيين كونهم لا يجدون اي ملجا أخر يخرجهم مما هم فيه سوى للجوء للنكتة عبر شبكات التواصل والمجالس والأسواق.