انتخابات حزب الإصلاح.. ما الذي تعنيه لليمن والعمل السياسي؟

انتخابات حزب الإصلاح.. ما الذي تعنيه لليمن والعمل السياسي؟

أجرت فروع التجمع اليمني للإصلاح في محافظات حضرموت والمهرة وأرخبيل سقطرى انتخابات تغيير في قياداته المحلية، في وقت يغرق العمل السياسي اليمني في ظلمات الجمود والحرب التي شنها الحوثيون على الدولة والسياسة في البلاد منذ سيطرتهم على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/ أيلول 2014.

 

وانتخبت هيئات قيادية جديدة لحزب الإصلاح على المستوى المحلي، شملت هيئة شورى والمكاتب التنفيذية في عدد من المحافظات الشرقية باليمن خلال الأيام الماضية، في كل من حضرموت وسقطرى، والمهرة، وسبق تلك المحافظات محافظات الجوف ومأرب والحديدة، وتعتبر هذه اختراق كبير لحالة الجمود السياسية التي أصابت البلاد بفعل الحرب خلال السنوات الماضية.

 

ومازال العمل السياسي والحزبي في اليمن بحاجة إلى إنعاش بحيث يكون الفاعل الأساسي في البلاد كقوة مدنية تستطيع تقديم رؤى تخص مستقبل البلاد بعيدا عن السلوك السائد الان بسيطرة الميلشيات المختلفة على الحياة العامة وفرض الحرب كخيار بارز في أي عملية سياسية تفاوضية.

 

وفي ضوء التطور اللافت الذي يقدمه حزب الإصلاح بانتخاب قياداته على المستوى المحلي رغم استمرار حالة الحرب، يحاول هذا التقرير الإجابة على تساؤل: ما الذي تعنيه هذه الانتخابات لليمن والعمل السياسي؟!

 

أولاً: إبقاء جذوة العمل السياسي

 

منذ انقلاب ميليشيا الحوثي على مؤسسات الدولة في 2014م، وإدخال البلاد في أتون حرب مستمرة، تراجع العمل السياسي في اليمن وكان الصوت الأعلى هو صوت الرصاص والمشاريع الصغيرة للهويات ما دون وطنية. لذلك لم تكن هذه مجرد انتخابات عادية يقوم بها حزب سياسي في محافظات يمنية، بل كانت تعزيزاً للحضور وتأكيداً على أن الشعب ليس خاضع لفرض مكونات لا تعبر عن تطلعاته.

 

هو تأكيد أن العمل السياسي والانتخابي هو السبيل الوحيد للوجود في الساحة السياسية العامة وليس استخدام القوة الغاشمة، وتأكيدا أن مصير الشعب اليمني يتقرر من خلال العمل السياسي والذي عبر أدواته الفاعلة يتشكّل بنيان متداخل مع مسارات تشكل الدولة والمواطنة والمجتمع المدني والحرية والهوية الوطنية، وأن القوة ليست واحدة من هذه المؤثرات التي يمكن ان يبقى مصير الشعب خاضع لمتاهتها.

 

وتأتي الانتخابات تأكيداً على أن الأحزاب التي تعلي قيمة المواطنة، هي القادرة على إيجاد خيارات ثابته يعاد تشكيلتها عبر الانتخابات، وأن الشعب لن يكون مجموعاً حسابياً للمكونات الإثنية والمناطقية، فجمع حسابي كهذا لا ينتج شعباً، بل يفضي إلى خليط من المناطقية والاثنية عاجزة عجزاً كلياً عن تأسيس حياة عامة وحياة سياسية. وأن العمل السياسي والانتخابات الحزبية هي القادرة على تجاوز المشاريع الصغيرة، كعلاقات سياسية يؤمّن الانتقال من واقع التعدد والاختلاف المجتمعي إلى الوحدة في مجال الدولة، ولا يلغي ذلك وجود المكونات الأخرى بل ينهي المناطقية والإثنية في الحيّز السياسي ويترك التنوع لتماسك المكونات السياسية والاجتماعية الوطنية.

 

ثانياً: بناء مرحلة ما بعد الحرب

في الجمهورية اليمنية بعد عام 1990 كانت الأحزاب السياسية اليمنية هي العمود القائم الذي يعيد بوصلة بناء الدولة والعمل السياسي بعد الحرب. وكانت الأحزاب السياسية قاعدة أساسية لتحركات السلطة الشرعية التي تقود الدولة، ومع العمل المسلح يغيب الفعل السياسي إلا في تحريك المجتمعات من أجل حماية بنيان الدولة أو إعادة بناءها؛ وعندما تحل مرحلة السلام وتقترب منها تتحرك الأحزاب السياسية لتفعيل منظومتها التشريعية الانتخابية لتأكيد دورها في ثبات هذه المؤسسة وتماسكها.

 

تعيد الانتخابات في المحافظات الشرقية هذا الفعل السياسي، الداعم لمرحلة ما بعد الحرب، تمثل حضرموت والمهرة وسقطرى معظم مساحة الجغرافيا اليمنية، وهي محافظات تمثل سنداً للقوة والمجتمع والشعب والحفاظ على الهوية الوطنية الجامعة بصفتها كانت أكثر المحافظات استقراراً وبُعداً عن الحرب؛ وإجراء الانتخابات لأكبر الأحزاب السياسية فيها يؤكد مدى وجود الحزب وامتداده في البلاد، وأنه قادر على العمل بسرعة على استعادة عودة السياسية في البلاد.

 

ويحدد البيان الختامي لهيئة الشورى في حضرموت أولويات أنصار وأعضائه في المحافظة- وبعد مرحلة الاستقرار-: حيث حثت هيئة الشورى كل الأعضاء والأنصار في جميع هيئات الإصلاح ووحداته التنظيمية على العمل الدؤوب ومضاعفة الجهود في الكسب والاستيعاب وتوسيع دائرة الانتماء للإصلاح، والاستمرار فيما هم عليه من تبني هموم وتطلعات الجماهير والانفتاح على الآخرين واعتماد لغة الحوار والتفاهم الايجابي وترسيخ مبدأ التكافل الاجتماعي والتعاون وإشاعة ثقافة التسامح بين أبناء المحافظة بجميع توجهاتهم وفئاتهم.

 

ويعد التحول الحزبي الفاعل تأكيد عن حالة الاستقرار في تلك المحافظات كضرورة حتمية في المناطق التي هي خارج سيطرة الحوثيين والتي تسير نحو التنمية والبناء لتقديم نموذج وطني يعبر عن آمال اليمنيين بالخروج من حالة الاستقرار التي ريما يراد فرضها بالسلاح المنفلت بأجندات غير وطنية.

 

ثالثاً: الإصلاح رائد العمل السياسي

عادة ما تقدم الجماعات القائمة على مشروعات ما دون وطنية، أو تابعة لدول وجهات خارجية نفسها كبديل ملائم لمراحل الفوضى وليس مراحل الاستقرار. فهي لم ترى الشعب اليمني يوماً إلا بوصفه تراصفاً للمكوّنات المحشورة قسراً في بنية مجتمعية سديمية ذات طبيعة شعبوية، وهي من الأسباب المهمة التي تقف في خلفية المأساة الراهنة، وأن الحرب الحالية الدائرة على طول الجغرافيا اليمنية وعرضها تتغذى من تلك الظواهر المتشابكة من الطائفيين والمناطقيين، وما بينهما من تخادم عجيب. لكنه يخشى العمل السياسي الوطني ويعتبره نوراً وسط ظلام يسقطونه على أجزاء البلاد لينفردوا بها لتحقيق أهدافهم.

 

تؤكد الانتخابات التي أجراها التجمع اليمني للإصلاح في المحافظات الثلاث الأكثر استقراراً في البلاد، إلى قدرة الحزب كفاعل محلي على امتداد الرقعة الجغرافية للبلاد أن يعيد العمل السياسي في مرحلة الاستقرار والسلام في اليمن؛ وهي رسالة واضحة أن العمل السياسي ينبني من العمق الشعبي، لا من الكيانات التي جاءت قوتها من السلاح المنفلت الذي وفرته الحرب بطرق غالبيتها كان خارج سلطة الدولة.

 

كما تؤكد الانتخابات أن التجمع اليمني للإصلاح وأعضاءه المنخرطين في صفوف الشرعية للدفاع عن الدولة ومؤسساتها،، قادر على إعادة تفعيل العمل السياسي كمشروع وطني جامع وأحد الفواعل المهمة في اليمن، في وقت تستمر المكونات ما دون الوطنية في طريقتها لاستخدام الحروب والميليشيات المسلحة لبناء تمددها.

 

عادة عندما يتم تخيير اليمن بين الحرب والدمار والعمل السياسي تختار الأخير، ويبدو أن هذه القاعدة تحرك "التجمع اليمني للإصلاح" ويسعى لتبنيها بشكل أكبر استعداداً لمرحلة جديدة من تاريخ البلاد الجديد يقوم فيه اليمنيون بالدور الأكبر للحفاظ على النظام الجمهوري والوحدة الوطنية.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى