بين بقايا الإمامة وأجندة التقسيم.. كيف يتم تغييب نضال اليمنيين؟

بين بقايا الإمامة وأجندة التقسيم.. كيف يتم تغييب نضال اليمنيين؟


في خمسينات القرن الماضي، كان المناضل اليمني محمد أحمد نعمان، يجادل مع المثقفين والمناضلين اليمنيين من مختلف التيارات والمناطق اليمنية، في ذلك الوقت صيغة الوحدة في اليمن والتسميات المناسبة لها، ولم يكن يدور أي خلاف حول "الوحدة" كمبدأ حيث كانت محل إجماع يمني لا جدال فيه.

 

وفي مقال له بعنوان "لماذا التأكيد على "يمنية" هذه المنطقة؟" نُشر بتاريخ 30 سبتمبر 1959م، ونشرت في كتاب "محمد أحمد نعمان مسار حوار"، تحدث فيه عن الجدل المُثار حينها في تسمية عدن السلطنات في الجنوب، ما بين "الجنوب العربي" تسمية الاستعمار أو "جنوب اليمن"، وقال في المقال: "ليس منطقياً لمن يؤمن بوحدة العرب أن نُقِرّ تجزئة إقليم إلى إقليمين أو أكثر، ومن هذه القاعدة انطلقت نضالاتنا في عدن ضد المشاريع التي قدمها المستعمرون لصياغة مستقبل هذا البلد".

 

ورغم كل المنعطفات التاريخية التي مرت بها اليمن في مراحل متعددة، إلا أن الوحدة اليمنية كانت حلم لجميع اليمنيين في الشمال والجنوب ومن أهم أولويات النضال لدى التيارات السياسية والفكرية، وقبل ان تكون ذات أهمية سياسية هي بالأساس وجدانية وحالة اجتماعية راسخة في اليمن لا يكاد تنفصل عن بعضا. 

 

وفي الذكرى الـ33 لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية بين شمال الوطن وجنوبه، في ظل تحديات كبيرة تعيشها اليمن في ظل الحرب التي أشعلتها مليشيات الانقلاب الحوثي قبل نحو 8 سنوات، ومعها صارت البلاد تواجه مخاطر كبيرة أبرزها خطر الكهنوت الإمامي في الشمال والنزعة الانفصالية في جنوب اليمن ذات الأجندات غير الوطنية.

 

تغييب ذاكرة الأجيال

ربما يعيش جيل من اليمنيين غير مدركين ماهية الوحدة اليمنية وحقائقها التاريخية والتي لا يجب أن تنسى في زحمة الأحداث والحرب والمخاطر التي يواجهها اليمنيون، وفي ذكرى الوحدة ولا يجب أن تغيب تلك الحقائق عن أذهان وذاكرة الأجيال الفتية والصاعدة في شمال اليمن وجنوبه، وتبقى بدون ذاكرة وطنية صلبة تواجه التحديات.

 

يعتقد الشاب "مراد مصطفى" (٢٥ عاماً) – يسكن في صنعاء – أنه من الممكن أن يحدث انفصال وأنه لا يرى اليمن إلا بشكلها الحالي في ظل الحرب الجارية، وقال: "للأسف لا يوجد دولة، انا منذ وعيت والبلاد تعيش في حالة فوضى وهذا ليس اختياري".

 

واستدرك قائلاً، في حديث لـ"الصحوة نت"، "لكن لا أرى في الواقع أي شعور بالانفصال تجاه أصدقائي ومن أعرف في المحافظات الجنوبية، إنهم إخواننا لكن هناك من يريد تقسيم البلاد، بسبب ميلشيات الحوثي والفساد الذي تسبب في الاحتقان، كلنا ضد الحوثي ولن نقبل بان يصادر مستقبلنا".

 

من جهته، اعتبر "نادر حسام" (٢٨ عاماً) – يسكن في عدن – "لا اعرف ما إذا كان الانفصال سيجلب لنا الاستقرار، لكن تجربتنا خلال السنوات الماضية سيئة للغاية تدار مدينة عدن من قبل ميلشيات ولا يوجد هناك سلطة واحدة".

 

وأضاف في حديث لـ"الصحوة نت"، "الانفصال مشروع سياسي مدعوم واعتقد لا علاقة له بالمشاعر الوطنية التي تجمعنا كيمنيين، لكن بعض الجنوبيين يعتقدون أن كل الشمال حوثيين وهذا غير صحيح ومن هنا يريدون الانفصال".

 

كانت ردود الشابين اللذين عاشا ذروة شبابهما والبلاد في أزمة وحالة حرب منذ ثمان سنوات، وهذا يكشف طبيعة ونضج مبكر لقطاع كبير من شباب الجيل الذي يراد تغييبه عن الحقائق التأريخية، فلا يعرف في الشمال سوى عصابات الحوثي ولا يرى في الجنوب غير مطالب الانفصال وأجندات التقسيم

 

وللأسف لا يدرك الكثير من الجيل الناشئ الحقيقة التأريخية عن اليمن، والمتمثلة؛ بأنه ورغم تبدل الأنظمة السياسية والحكام والمستعمرين وزعماء الحروب خلال مراحل تأريخية سابقة، لكنهم كلهم مضوا ولم يبقى لبعضهم أثر وبقيت "اليمن" الحقيقة الكبرى أكبر من كل المشاريع الصغيرة السلطوية والنزعات الطائفية والانفصالية.

 

حقائق تاريخية

ظلت الوحدة اليمنية في مختلف المراحل التاريخية ثابتة في الوجدان اليمني رغم تقاسم الحكم عبر التأريخ بأكثر من دولة، إلا ان تلك الدويلات مضت ولم تنجح في أي مشروع انفصالي، وكان سبب فشلها لعدة عوامل منها الوحدة الجغرافية والتاريخية الاجتماعية التي كانت أكثر صلابة لدى اليمنيين، هذا ليس رأيا سياسيا جدلياً إنما إحدى أهم حقائق التأريخ اليمني، وربما تم توثيق شهادات وآثار يمنية تدل على التقارب وخاصة في المحافظات الشرقية باليمن، الزاخرة بتأريخيها السياسي.

 

وفي القرن الماضي وقبل الوحدة اليمنية كانت المحافظات تعاني آثار التشطير الذي فرضه المستعمرون الأجانب ووافق عليه الحكم الإمامي، كما رأت سلطات الاستعمار البريطاني مصلحتها في وطن ممزق ومقسم وفق قاعدتها الشهيرة (فرّق تسُدْ)، ولم يكتفوا بتشطيره إلى شمال وجنوب، بل عمدت بريطانيا إلى تمزيق الجنوب إلى أكثر من 20 إمارة، ومع كل إمارة زعيم وراية وجيش، علماً أنهم جميعاً يتقاضون أجورهم ورواتبهم من الاستعمار الأجنبي.

 

وفي الشمال كانت الإمامة ممثلة بالحاكم يحيى حميد الدين وابنه أحمد من بعده تقوم بنفس سياسة المستعمر، فقسمت الشعب إلى طبقات، وشجعت التمييز المذهبي والمناطقي، وعملت على إشعال نار الصراعات الداخلية والثارات القبلية ونشر الفقر والجهل والمرض.

 

ولكن إرادة الشعب اليمني لم تقبل بهذه الأوضاع فهبّ الأحرار والثوار في جنوب الوطن وفي شماله، وأعلنوا الثورة على الاستعمار والإمامة، انطلاقاً من (وحدة اليمن أرضا وشعباً وهوية وطنية)، فقاتل أبناء الجنوب ضد الإمامة في الشمال حتى انتصرت الثورة في صنعاء، وقاتل أبناء الشمال دفاعاً عن ثورة أكتوبر في الجنوب حتى انتصرت. وكان الشعار الأبرز لثوار اليمن هو الوحدة اليمنية.

 

وكان المناضل "النعمان" يحاجج أولئك الذي يريدون تقرير مصير اليمنيين أثناء حكم الاستعمار والإمامة في خمسينات القرن الماضي وقال "إن حقيقة هامة رهيبة تغيب عن الكثيرين وهم يناقشون الموضوع، هو أن الشعب لم يملك بعد أمره فهو نهبٌ بين الاستعمار والرجعية الحاكمة المتمثلة في الإمام والأمراء والسلاطين" وتابع بالقول:" من كان حريصاً على اليمن يلزمه موقفاً معارضاً مضاداً لكل السلطات الحاكمة المتمثلة في الاستعمار الحريص على التجزئة في الإقليم والسلاطين الذين يخشون زوال سلطانهم والإمام الذي يتهيب الوحدة الشعبية ويراها كاسحةً عرشه الهزيل".

 

يتحدث "النعمان" في مقالة الذي نشره في صحيفة الفجر 1959 أي قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين، وكأنه يعيش اليوم تفاصيل الحديث عن شكل الدولة في اليمن ومصيرها الذي يناقش بعيدا عن اليمنيين، وقال النعمان "ولو قبلنا أن عدن والإمارات (الامارات هنا في إشارة للسلطنات الجنوبية التي كان عددها 20إمارة) تؤلف شعباً عربياً جديداً هو شعب "الجنوب" كما يريد الاستعمار والمنتفعون به أن يسموه لما كان هناك بيننا وبين مجالس الحكومة كلها ما يدعو للبعد أو الخصام". في إشارة لمعارضة الامامة.

 

النضال من أجل الوحدة

بعد الثورة حصلت الصراعات السياسية والاختلافات بين قوى الثورة الحاكمة في الشمال والجنوب حول طريقة الحكم وآلية الوصول إلى الهدف الأسمى وهو تحقيق الوحدة اليمنية التي ظلت الشعار الجامع لكل اليمنيين ما عدا قلة ممن ارتهنوا لمصالح الاستعمار أو أجندة المرتزقة من أتباع الإمامة.

 

ووفق دراسة لمركز البحوث اليمني "عقب طرد الاحتلال من جنوب اليمن برزت في الساحة الجنوبية كان "الوحدة" هي المسار الأول، ورغم حالة الاحتقان واختلافات الرؤى، حيث كان هناك رؤيتان فيما يتعلق بموقع شعار الوحدة في سلم الأولويات، الأولى تعتقد ان الوحدة الوطنية هي المهمة الأساسية الحاضرة وهي الأولوية، فين حين كانت الرؤية الثانية ان الوحدة مشروطة بتحقيق حكم وطني ديمقراطي بالشمال حتى ذلك الوقت يحافظ الجنوبيين على الوحدة الداخلية".

 

ومع كل موجة للصراع والاقتتال كانت الوحدة اليمنية هي القاسم المشترك بين المختلفين والمتصارعين والمتنافسين، لذلك عندما قامت الحرب الشطرية الأولى بين الشمال والجنوب في عام 1972 أعقبها لقاء القيادتين وتم التوقيع على اتفاقيات الوحدة في القاهرة وطرابلس، وعندما قامت الحرب الثانية في عام 1979 أعقبها لقاء القيادة اليمنية الجنوبية والشمالية في الكويت وتم الاتفاق على إقامة الوحدة في تلك الاتفاقية، وكل هذا كان يتم بدعم ورعاية جامعة الدول العربية، وكان الأشقاء العرب يدركون أن الوحدة اليمنية حقيقة لا تقبل النقاش ولا المساومة ولا المزايدة.

 

وظلت الصراعات تستنزف اليمنيين في الشمال كما في الجنوب، لكن بقي النضال من أجل الوحدة مستمراً ومتواصلاً حتى في أحلك الظروف التي كان يحتدم فيها القتال والصراع بين الإخوة والأشقاء في شطري الوطن اليمني، بل إن النضال من أجل الوحدة اليمنية في جنوب اليمن أصبح هو الشعار الرسمي الذي يردده الجميع كل صباح، حتى بات جزءاً من الوجدان والذاكرة الجمعية.

 

وظلت الوحدة هي حلم وهدف الشعب اليمني شمالاً وجنوباً، وكان يتطلع إلى اليوم الذي تعلن فيه الوحدة، وكانت القوى السياسية الحاكمة تدرك ذلك وهي على يقين أن الوحدة هي الهدف الأسمى للشعب، وعندما توافق النظامان على إعادة تحقيق الوحدة كان ذلك يوماً خالدا في التاريخ اليمني فقد عبر الشعب عن فرحته واحتفاله بهذا المنجز الخالد الذي طال انتظاره منذ عشرات السنين.

القائمة البريدية

أشترك معنا في القائمة البريدية لتصلك كل الاخبار التي تنشرها الصحوة نت

تواصل معنا

الجمهورية اليمنية

info@alsahwa-yemen.net

الصحوة نت © 2023 م

الى الأعلى