قال برنامج الغذاء العالمي إن انعدام الأمن الغذائي في اليمن لا يزال عند مستويات ارتفاع قياسية، على الرغم من زيادة الواردات إلى الموانئ التي تديرها الحكومة في الربع الأول من العام الجاري، وانخفاض نسبة الأسر العاجزة عن تلبية احتياجاتها، في حين دعت دراسة محلية إلى إشراك المجتمع في تقرير احتياجاته من المواد الإغاثية.
وارتفعت واردات الغذاء إلى مينائي عدن والمكلا اللذين تديرهما الحكومة، مقارنة بمواني الحديدة التي يسيطر عليها الانقلابيون الحوثيون، والتي شهدت مؤخراً انخفاضاً في الواردات الواصلة إليها، في حين بلغت نسبة الأسر غير القادرة على الوصول إلى كفايتها من الغذاء 48 في المائة، وفقاً لنتائج استطلاع أجراه البرنامج التابع للأمم المتحدة في مارس (آذار) الماضي.
وذكر برنامج الغذاء العالمي في تقرير له عن الأمن الغذائي في اليمن مطلع مايو (أيار) الجاري، أن الواردات الغذائية إلى مواني عدن والمكلا خلال الربع الأول من العام الجاري، ارتفعت بنسبة 33 في المائة، بينما انخفضت نظيرتها الواصلة إلى مواني الحديدة بنسبة 30 في المائة عبر مواني البحر الأحمر، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي.
وأشار البرنامج في تقريره إلى أن الأسواق المحلية حظيت بتوفر المواد الغذائية الأساسية خلال الفترة نفسها، على الرغم من الانخفاض العام في واردات المواد الغذائية في عموم المواني اليمنية بنسبة 17 في المائة، غير أن واردات الوقود في مواني الحديدة حققت ارتفاعاً كبيراً خلال الفترة نفسها، مقارنة بنظيرتها في العام الماضي.
وقدر التقرير حجم واردات الوقود خلال الربع الأول من العام الجاري في مينائي الحديدة والصليف بما يقارب خمسة أضعاف مستواها في الفترة نفسها من العام الماضي.
في غضون ذلك انتقد المركز اليمني للسياسات تجاهل الجهات الإغاثية الخارجية قدرة اليمنيين على تحديد احتياجاتهم من المساعدات الإنسانية، وانفرادها بتحديد الطريقة التي ينفق بها القطاع الإنساني مبالغ تُقدَّر بالمليارات، ولا يتم هذا بشكلٍ فعَّالٍ دائماً، مطالباً بتمكين السكان المتضررين من الأزمات المعيشية من مساءلة قطاع المساعدات الإنسانية.
وفي دراسة حديثة له؛ يورد المركز مثلاً عن امرأة يمنية تضطر إلى إطعام أطفالها بأغذية ملوثة تحصل عليها من براميل القمامة، بسبب عدم مقدرتها على شراء طعام نظيف، وبينما تكتفي المنظمات الدولية بتقديم النصائح لها حول كيفية الوقاية من مرض الكوليرا، فإنها تستوعب تلك النصائح؛ لكنها لا تستطيع اتباعها.
وفي مثال آخرـ أوضحت الدراسة أن كثيراً من المستفيدين من المساعدات الإنسانية يبيعون المواد الغذائية التي تُمنح لهم كجزءٍ من حزم المساعدات، لتوفير المال لشراء ما يحتاجون إليه حقاً، ومن ذلك بيع الأرز لشراء الدواء، أو بيع مواد النظافة لشراء الطعام.
وكشفت الدراسة عن أن أكثر من 21.6 مليون شخص، ما يقرب من ثلاثة أرباع السكان، يحتاجون إلى خدمات الحماية والمساعدة الإنسانية المنقذة للحياة، منهم 3.1 مليون شخص نازحون داخلياً، و17.3 مليون شخص يفتقرون إلى مساعدات غذائية وزراعية، و20.3 مليون شخص بحاجة إلى خدمات صحية ضرورية، و15.3 مليون شخص يبحثون عن مياه نظيفة ودعم للصرف الصحي الأساسي.
وعلى الرغم من ذلك، فإن المنظمات التي تقدم المساعدات الإنسانية تدرك أنها لا تلبي احتياجات الناس دائماً، في حين بيَّن مسح للتصورات أجرته «اليونيسيف» عام 2019، أن ما يقرب من نصف المستجيبين أفادوا بأن المساعدات لم تلبِّ احتياجاتهم ذات الأولوية، ولم يرضَ عن تلك المساعدات سوى 2 في المائة.
وذهبت الدراسة إلى أن هناك انفصالاً واضحاً بين ما يحتاج إليه اليمنيون وما يتلقونه، والسبب في ذلك بشكلٍ أساسي هو أن إطار الاستجابة الإنسانية الحالي لا يسمح للمجتمعات المتلقية للمساعدات بالمساهمة في تشكيل المساعدات الإنسانية في مرحلة التخطيط والتسليم.
ونبهت مُعدِّة الدراسة إلى أن اليمن انضم إلى التحول العالمي نحو مفهوم المساءلة أمام السكان المتضررين، مع خطط الاستجابة الإنسانية لليمن لعامي 2017 و2018 التي تضمنت هذا المفهوم كهدفٍ استراتيجي. إلا أنه لا يزال هناك انفصال بين الجانب النظري والممارسة، ولا يُترجم الالتزام بالمبادئ إلى مزيد من المساءلة.
وعزت غياب المساءلة لوجود تفاوت فيما يتعلق بالممارسات بين مختلف الجهات الفاعلة في اليمن؛ حيث لا يوجد فهم متسق لما يعنيه مفهوم المساءلة أمام السكان المتضررين، ولا إطار عمل موحد، مما يؤثر في السكان المتضررين، مبينة أن كثيراً من المتضررين لا يعرفون كيفية الوصول إلى الجهات التي تقدم المساعدات.
غياب التقييم والمساءلة
ودعت الدراسة قطاع الإغاثة إلى الاعتراف بأن الافتقار إلى المساءلة يمثِّل مشكلة تؤثر في حياة الناس وتجب معالجتها كأولوية، وتوفير نظام الاستماع إلى الناس، وأن تساهم المجتمعات في تشكيل الاستجابة منذ البداية، وإعادة التفكير في كيفية تحديد الالتزامات والوفاء بها، والإيمان بالشفافية والخضوع للمساءلة.
كما دعت المانحين وقطاع الإغاثة إلى قيادة المجتمع المحلي والعمل معه، وتزويد المجتمعات المحلية بمعلوماتٍ يسهل الوصول إليها في الوقت المناسب، والسماح لها بلعب دور أساسي في صنع القرار، والاستجابة لملاحظاتها، ومحاسبة المنظمات على التزامها بمفهوم المساءلة أمام السكان المتضررين، محذرة من غضب المجتمعات المحلية ونظرتها السلبية لمنظمات وجهات الإغاثة.
من جهته، أفاد جمال بلفقيه، مستشار وزارة الإدارة المحلية لشؤون الإغاثة، بأن المبالغ المعلن عنها من طرف الجهات الدولية للاستجابة للخطة الإنسانية في اليمن تزيد على 17 مليار دولار، غير أن ما يقارب 40 في المائة منها يذهب إلى النفقات التشغيلية، حسب خطط عمل الجهات الإغاثية الدولية والمحلية.
وأضاف بلفقيه في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه لا يوجد تقييم لاحتياجات السلطات والمجتمعات المحلية، ولا يجري تقييم جدوى ما تم تقديمه من معونات وهل حققت الغرض منها أو خفضت من معاناة المتضررين، منتقداً عدم وجود توطين للعمل الإنساني والعمل مع شركاء محليين يمتلكون خبرات ومعرفة بالمجتمعات المحلية، وأفضلية في تحديد الأولويات.
ونوه بلفقيه -وهو أيضاً منسق عام اللجنة العليا للإغاثة في اليمن- بأن استمرار عمل المنظمات الدولية في مناطق سيطرة الميليشيات الحوثية يعيق أداء العمل الإغاثي ويقلل من جدواه؛ حيث تفرض الميليشيات سيطرتها وشروطها، مطالباً بضغط حكومي من أجل تغيير وجهة المساعدات الدولية لتصل إلى البنك المركزي في عدن، وتساعد في تحسين الوضع الاقتصادي في المناطق المحررة.