ما يقارب المائة قتيل وضعف العدد جرحى حتى اللحظة والعدد في ارتفاع، هذه حصيلة حادثة مأساوية وقعت لمواطنين يمنيين أثناء تجمعهم للحصول على مساعدات مالية بسيطة من أحد التجار ليلة الخميس في العاصمة صنعاء.
تعددت الروايات وكثرت الأقاويل حول الحادثة ومسبباتها التي خلَّفت عددًا كبيرًا من الضحايا قد لا تخلفه مواجهة عسكرية، اختلفت الادعاءات الرسمية الحوثية في الحادثة وتبدَّلت لأكثر مرة، بدأ الحديث عن تدافعٍ بين المحتاجين، ثم الحديث عن عملية دهس وإطلاق رصاص، لينتهي القول بحدوث التماسٍ كهربائي سبَّب المأساة، وهذا التخبط الحوثي في الإفصاح عن حقيقة الأمر للناس قد أضفى للحادثة شيء من الغموض والسر!
هذه الروايات المتعددة إن صحَّت إحداها فهي ليست إلا سبب فرعي لوقوع المأساة الكبيرة بحق هؤلاء الضحايا، بينما السبب الرئيسي فإن الشعب والعالم أجمع يعرفه جيدًا، الحوثي هو السبب، و أنه أساس وقوع الكارثة ومسببها الأول.
يعتمد الحوثي في مسألة حكمه على سياسة تجويع وإفقار الشعب، نَهْب الثروات وقَطْع المرتبات والبسط على الأراضي والممتلكات وفرض الجبايات والأتاوات وما يسمونه بالمجهود الحربي لدعم مقاتليهم في الجبهات، يتفنن الكهنوت يومًا بعد يومٍ في خلق أساليبٍ تجعل المواطنين في حالة عوزٍ دائم، إشغالهم بالبحث عن لقمة يسدون به جوع أطفالهم، وذلك ضمان لتفرغ المليشيا للحكم وهي في راحةٍ من عدم قدرة الشعب على إحداث بلبلة أو إبداء أي حركة رافضة لوجود الكهنوت ومهددة لوجوده وحكمه البلد وبقائه في السلطة.
يتحمل الكهنوت الحوثي كامل المسؤولية في هذه المأساة الموجعة، لم يكن ليخرج أحدٌ من ضحايا الحادثة اليوم من بيته في شمس رمضان ويظل منتظرًا في الزحام إلى الليل ليحصل على مساعدة لا تصل إلى خمسة ألف ريال يمني لولا جوعه وحاجته وتبدل حاله من حين مجيء هذا الكهنوت، إطلاق رواتب الموظفين وتوزيع الزكاة على الفقراء المستحقين من المواطنين كان كفيل بألا يخرج هؤلاء الضحايا من منازلهم بحثًا عن المساعدات.
ونحن نستقبل خبر الحادثة ونتحدث عنها فإنه لا يمكن أبدًا أن نجرِّد المليشيات الحوثية من مسؤولية وقوع الحادثة، من السذاجة أن يتم الحديث عن هذه الكارثة بسطحيةِ الاكتفاء بالروايات المطروحة، وكل الأسباب التي تقدمها المليشيات الحوثية لا تتعدى حقيقة أنها أسباب هامشية، وأساس كل مأساة تحل على هذا الوطن والشعب فهو الكهنوت مُذ حين مجيئه.
ما حدث في صنعاء جريمة جسيمة بحق الإنسانية تضاف إلى قائمة جرائم المليشيات الحوثية، ما يقارب من مائة شخصٍ قتلوا اليوم على يد من قطع رواتبهم وتلذذ بتجويعهم وأمتهن كرامتهم وجعلهم يبحثون عن المساعدات هنا وهناك، مائة أسرة يمنية اليوم -بفضل هذا الكهنوت- تودع رمضان وتستقبل العيد بمأتمٍ كبيرٍ وحِدادٍ موجعٍ.