لم يكن فجر أمس الأحد السادس عشر من أبريل 2023م ، يوما عاديا بعد سنوات الفقد والتغييب، لرفاق الحرف والكلمة والحقيقة ، في سجون الارهاب الحوثي، كان يوما استثنائيا بعد انتظار طويل ، يوما بحجم الحب والشغف والنضال المكدود بقضية المختطفين وفي مقدمتهم الزملاء الصحفيين ، سقط فيه العالم الحر في امتحان صعب لحرية الصحافة ، تشققت كل الاصوات المنادية بها ، واهتزت وهي تسمح لمليشيا ارهابية تختطف صحفيين ، بلا تهمة سوى انهم امتشقوا الحقيقة سلاحا في مواجهة اعداء الحرية وخصوم الديمقراطية وحرية الصحافة ، فمتى كانت العصابات والمليشيات ترأف بحرية الكلمة ، لأنها ترى في تغييب الكلمة والحقيقة ستارا لقبحها ووحشيتها وعدوانيتها على الحياة والاحياء..
المكان مطار تداوين بمأرب ، فجر الاحد صباحه وحتى المساء ، تتدفق مأرب لاستقبال كل المختطفين، وعلى راسهم الزملاء الصحفيين الاربعة عبدالخالق عمران ورفاقه ، مشهدا تضوئل حياله الدهشة ، عبرت مأرب عن استحقاقها لتكون ايقونة الحرية والاحرار ، وعاصمة الوطن الجريح ، بعد ان حولت مليشيات الحوثي صنعاء ، الى سجون وفخاخ وقادة من اللصوص والسرق تسللوا على حين غفلة من التاريخ..
يوماً ما سنصحو وتَقول ، هذا ليس فَجراً عادِيَّا، هذا فجرُ الجَبْر ، جبر الله كسر ذويهم ، بخروج هؤلاء الاحرار
جلسنا صامتين ، الطائرات تجيئ ذهابا وايابا ، وخطوات الزملاء الصحفيين ، روضت ظهيرة المطار المكشوف ، رؤوسهم الحاسرة الى من غيمات قليلة تقبل ناصيتهم المتعرقة ، لكن غيمات الفرح بانتظار رفاق الحرف كانت بحجم تعب الانتظار ، يتدفق الزملاء يستعصون على اللجان المنظمة باتجاه الطائرة التي تقلهم يقفزون يلوحون ، يا لشهقة الشوق ، يشربُ كلٌ منا مشاعر الأخر ، قبل ان تفتح ابواب الطائرة ، كانت قلوبنا تطير الى قلوبهم وحدقاتهم المؤتلقة فرحا وشوقا لعناق الحرية في ارض سبأ..
صباحٌ اشرق كأنه صفقة جديدة في العمر والروح معا ، فأما أن نربحها أو نربحها لا وجود لخسارات أخرى ، وقد استحال نضالنا ، الى ساحة فرح عبرت عنه مارب ، بنضال الزملاء الصحفيين بيانتهم تقاريرهم مقالاتهم ، وقفاتهم حزنهم ، وكذا نضال امهات المختطفين ، المكدود باوجاعهم ، الجميع ، كنا هناك في التداوين رئيس لجنة الاسرى واللجان المنظمة وفي مقدمتهم الزملاء الصحفيين واهالي المختطفين امهات اطفال زوجات اقارب..
سنكتُب في نهاية سطورنا أننا نلنا ما تمنيناه ، وناضلنا لاجله انتصارا للحرية ، استحال ماتعبنا لأجله فرحا ألقا واحتفالات وشغف كوني ، مأرب بحضورها التاريخي وتاريخها الممتد الى اقاصي الروح ، والتاريخ معا ، هي من احتضنت كل تلك المشاهد الاستثنائية ،
تلك الام الجسورة الشامخة شموخ جبال وصاب الواثقة بجبر الله لقلبها ، بعودة ولدها توفيق المنصوري ، اخيرا احتضنته حد النشيج فرحا ، ستبقى هذه الام ، مُمتنةً للأبد على لُطفٍ زرعهُ الله في قلبها وفي قلوب كل الامهات ، وسط كُل مواقف الخذلان.. ممتنون لك يا الله بهذا الفرح ، ولدت هذه اللحظات ، كما لو أننا لم نحزن من قبل على فقدانهم . توهجت السماء بالنور ، اتشحت الارض بالضوء ، احتفلت مأرب بعراقتها بتاريخها بحضورها ، باحرار الجمهورية ، كان يوما رمضانيا مؤتلقا ، احتفال امتد من الارض الى السماء ، الشوارع والساحات والارجاء تحولت الى كرنفال وجودي بالحرية والاحرار ، السماء احتفلت بدعوات الامهات بفواتح الصلوات الصاعدة الى سدرتها ، ببريق الشوق الطاعن، في حدقات اطفال عاشوا مرارة يتم مؤقت ، هاهم اباءهم يهبطون من السماء ، وليس من الطائرة ، هكذا تعتمل الفكرة في وعيهم الطفولي ، فحين اختطف الارهاب الحوثي اباءهم كان بعضهم في الخطو الاول للحياة ، وبعد ان ارقهم الفراق قرابة عقد من الزمن ، شاهدوا اباءهم يهبطون من السماء ، عزفت ارض سبأ ايقونة الحرية ، باحتفال يليق بها كحاضنة للأحرار ، ويليق بهم كأحرار صمدوا في وجه الطغيان ، هزموه بصبرهم ، تحدوا محاكماته الهزلية ، بشموخهم كسروا غرور المليشيات ، غطرستها ، ان غيبهم سجون الطاغوت فقد سبق ان غيب اب لهم من قبل ، اذ خرج ابو الاحرار "الزبيري" من سجون الطاغوت والكهنوت مرددا لحنا كونيا ، رددته الجماهير ليلة امس وعزفته بريق عيون المختطفين ، خرجنا من السجن شم الانوف.. كما تخرج الاسد من غابها.. هنيئا لمأرب بأحرار الجمهورية ، وهنيئا للأحرار كل هذا الصمود وهذا البهاء.